ثلاثون نوفمبر يوم رسم لليمن ملامح الحرية و السيادة

ثلاثون نوفمبر.. يومٌ رسمَ لليمن ملامح الحرية والسيادة

أحلام الصوفي

يُعدّ يوم الثلاثين من نوفمبر محطة تاريخية فاصلة في الوجدان اليمني، إذ أنهى فيه الشعب اليمني واحدة من أطول فترات الاحتلال البريطاني، معلنًا استقلال جنوب الوطن بعد 129 عامًا من الاستعمار، ورافعًا راية السيادة من قلب عدن الحرة.

ذلك اليوم لم يكن عابرًا في ذاكرة الأحرار، بل جاء بعد مسيرة كفاح وتضحيات جسيمة خاضها رجالٌ ونساءٌ من مختلف المناطق، اجتمعوا على هدف واحد هو استعادة الأرض والكرامة. لقد قدّم اليمن دروسًا نادرة في الصبر والصمود، فأثبت أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الاستقلال لا يُمنح، بل يُنتزع.

يعود هذا التاريخ كل عام ليعيد التذكير بقدرة اليمنيين على التغيير وصنع التحولات الكبرى، مهما كانت التحديات. وفي ظل الظروف الحالية التي يعيشها الوطن، يصبح استحضار هذه الروح الثورية ضرورة، فالمعركة اليوم ليست فقط مع الخارج، بل مع كل ما يحاول تعطيل مسار السيادة والقرار الوطني.

ثلاثون نوفمبر هو مناسبة لتأكيد الانتماء، ومراجعة الذات الوطنية، والتأكيد على أن إرث التحرير لا يجب أن يُفرّط فيه، ولا أن يتحول إلى مجرد احتفالٍ شكلي، بل بوابة نحو وعي وطني يعزز ثقافة التحرر الحقيقي.

فاليمن، كما صنع استقلاله ذات نوفمبر، قادر أن يصنع مجده من جديد… فقط حين يتّحد على مبدأ أن الوطن لا يُباع، والسيادة لا تُساوم.

وإذا كان ثلاثون نوفمبر قد طرد جيوش الاستعمار من أرض عدن الطاهرة، فإن التحديات اليوم أشد تعقيدًا، إذ أن الاحتلال في ثوبه الجديد لا يحمل بندقية فقط، بل يحاول تمزيق الهوية، وتفتيت القرار، ومصادرة الوعي الجمعي.

إن استمرار العدوان الخارجي، والتدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اليمني، ما هي إلا امتداد لأطماع استعمارية لم تنتهِ بعد، وإن اختلفت أدواتها. لكن شعبًا استطاع أن ينتصر على إمبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس، لا يمكن أن يُهزم، طالما بقي متمسكًا بإرادته وتاريخه وكرامته.

ثلاثون نوفمبر ليس مجرد ذكرى للاستقلال، بل هو وعد دائم بأن الكرامة تُنتزع، وأن من واجب كل يمني حر أن يكون جزءًا من مشروع وطني مقاوم، يصون المكتسبات، ويرسم المستقبل بأيدٍ يمنية خالصة، خالية من التبعية والوصاية.

اليوم، نحن أمام مسؤولية جسيمة في ترجمة روح نوفمبر إلى مواقف، وفي جعل ذاكرة التحرر وقودًا لمعركة السيادة الكاملة، لا أن نكتفي بمظاهر احتفالية أو شعارات وقتية.

فلنكن على قدر التحدي، ولنعِ أن من حقنا كيمنيين أن نحيا بكرامة، وأن نبني وطنًا حرًا مستقلًا لا تُقرَّر سيادته إلا من صنعاء وعدن وصعدة وتعز والحديدة، وليس من سفارات أو عواصم أجنبية.

ثلاثون نوفمبر، هو تاريخ لا يُمحى، بل يُكتب كل يوم من جديد، بمواقف الرجال والنساء الذين يدركون أن التحرر الحقيقي لا يُنجز إلا بمزيد من الوعي، ومزيد من الصمود.