مصير الشيعة في الشرق الأوسط
كتب رياض الفرطوسي
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك السياسة بالهوية والمصالح الإقليمية، يطفو سؤال محوري على السطح: كيف سيتشكل مستقبل الشيعة العرب في ظل التحولات العميقة التي يشهدها محور النفوذ الإقليمي؟ هذا السؤال لا يخص الأكاديميين وحدهم، بل هو محور اهتمام صانعي القرار العالميين، لما له من تأثير على الاستقرار الإقليمي والمستقبل السياسي للمنطقة.
الباحث الأمريكي الإيراني، ولي نصر، المعروف بكتاباته المؤثرة وخصوصاً كتابه الشهير “صحوة الشيعة” الصادر عام 2005 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، يعود اليوم ليقدم رؤية حديثة، هذه المرة من خلال مقال مشترك مع الباحثة ماريا فانت تيبي، ونُشر مؤخراً في مجلة “فورين أفيرز”، إحدى أهم المنابر القريبة من صانع القرار الأمريكي.
في مقالهما، يؤكد الباحثان أن التحولات الأخيرة في المنطقة، رغم أنها أعادت ترتيب موازين القوة، لا تمحو الهوية الشيعية أو الروابط العميقة بين الشيعة في لبنان وسوريا والعراق واليمن. فالهوية الثقافية والسياسية للشيعة تبقى قوية، وستستمر في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي. ويرى المقال أن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق إلا إذا تم إدماج هذه المجتمعات بطريقة متوازنة، تسمح بمشاركة فعّالة من دون أن تتحول الطائفية إلى أداة للتحكم أو الصراع.
التحليل الذي يقدمه المقال يرتكز على سرد تاريخي دقيق: من الثورة الإيرانية عام 1979، مروراً بالحرب العراقية الإيرانية، واحتلال العراق عام 2003، وصولًا إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية، وتعاظم نفوذ إيران في عواصم عربية عدة. هذه الوقائع شكلت ما يمكن وصفه بـ”حلقة النار” حول إسرائيل، والتي تتعرض اليوم لضغوط وإعادة ترتيب للمعادلات الإقليمية.
من المنظور البحثي، يُشير المقال إلى أن الطائفية وحدها لم تُحقق الاستقرار في لبنان أو العراق، بل إن المستقبل السياسي للشيعة العرب يعتمد على دمجهم في الحياة السياسية والاقتصادية، بما يتيح لهم التعبير عن هويتهم بشكل إيجابي، ويحوّل الانتماء الطائفي إلى عنصر استقرار وبناء، لا إلى أداة نزاع أو تهميش.
وتظهر التحولات الأخيرة في لبنان والعراق واليمن أن الاستقرار الحقيقي سيكون مرهوناً بقدرة الأنظمة والحكومات على خلق فرص سياسية واقتصادية عادلة للمجتمعات الشيعية، مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والسياسية. فالهوية الشيعية ليست مجرد أداة نفوذ، بل هي نسيج أساسي من نسيج المنطقة، يمكن أن يكون أساس تعاون أو سبب توتر، حسب الطريقة التي يُتعامل بها مع هذه المجتمعات.
يبقى السؤال الأكبر معلقاً: هل سينهض الاستقرار على أسس جديدة، بعيدة عن الصراعات الطائفية والتحكم الخارجي، أم ستظل الطائفية قوة مؤثرة في رسم المشهد الإقليمي؟ الشرق الأوسط يقف على مفترق طرق، والشيعة العرب، بين الماضي الممزق والمستقبل المجهول، يبحثون عن موطئ قدم في عالم سريع التغير، بينما العيون الدولية تترقب كل حركة وكل قرار.