نوفمبر 22, 2024
thumbs_b_c_3911d3e6791474df66f358f33c0455fb

اسم الكاتب : عاصف سرت توركمان

حرم التركمان من كافة الحقوق المشروعة تحت سيطرة الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق أبان الحرب العالمية الأولى بعد دخول القوات الإنكليزية وتتويج فيصل الأول ملكا على العراق في ۱٩۲۱م۰ واستمرت معاناة التركمان حتى استلام حزب البعث زمام الأمور في ۱٧ تموز ۱٩٦٨ م والذي واعد التركمان والقوميات العراقية الأخرى بمنح كافة الحقوق المشروعة وضمان العيش في حرية وأمان, ولكن الرياح عصفت عكس ما توقعه الشعب العراقي, وظهرت بوادر وحشية وأهداف النظام الشريرة في السنوات الأولى من الحكم من خلال الانتهاكات اللاإنسانية والتلاعب بمقدرات الشعب, وعند صدور قرار منح الحقوق الثقافية المقيدة للتركمان في ۲٤/۱/۱٩٧۰م, ظن التركمان أن قيود الأسر قد فكت ولكن في الحقيقة كان هذا القرار تمهيدا لتصفية التركمان في العراق وبداية لسياسية الصهر والتعريب۰ كان النظام يترقب الظروف عن كثب للنيل من التركمان في اللحظة المناسبة وأن مسبقات ومعقبات هذا القرار قد أولد سياسة القضاء على التركمان وكان فخا مدروسا من الفخاخ البعثية والتي ثبت فيها الحزب الحاكم الشخصيات التركمانية البارزة ووجهائهم ومثقفيهم وألحقت الكثير من الاضرار بالشعب التركماني من خلال عمليات الاعتقال والقتل والتعذيب والتشريد والاضطهاد في وطنهم العراق، ونتيجة هذه العمليات الغادرة تفتتت النخبة المثقفة من الشعب التركماني من المعلمين والمدرسين وأصحاب الشهادات ورجالات الدين وتضررت البيوت التركمانية الامنة ولم يبق في كركوك وضواحيها بيت إلا ومسها ظلم النظام، وعم السواد في بيوت التركمان من كثرة الشهداء والمفقودين الذين أرسلوا إلى الحرب عنوة۰ وفي مثل هذه الظروف عاش الشعب التركماني في ظل النظام الجائر في العراق ويقدم الضحايا, فالسجون قد اكتضت وحتى المقابر قد امتلئت ولا أحد يستطيع أن يقول لماذا؟ أليس العراق للعراقيين؟ أليس التركمان جزء من هذا الشعب؟ وألم يقدموا آلاف الشهداء في سبيل الوطن؟

نص قرار رقم ٨٩ صادر من مجلس قيادة الثورة في ۲٤-۱-۱٩٧۰ والموقعة من قبل أحمد حسن البكر رئيس مجلس قيادة الثورة:

إن ثورة السابع عشر من تموز التي تؤمن بأن الطريق المؤدي الى زيادة مساهمة المواطنين في خدمة هذا الوطن وترصين الوحدة الوطنية وتعزيز الوحدة الكفاحية يأتي من خلال تمتع المواطنين بحقوقهم المشروعة۰ وايمانا من الثورة بحق الأقلية التركمانية في التمتع بحقوقها الثقافية في المناطق التي تسكنها لذا قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ ۲٤-۱-۱٩٧۰ ما يلي:

۱- تدرس اللغة التركمانية في مرحلة الدراسة الابتدائية۰

۲- جعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية في جميع المدارس التي ستدرس بهذه اللغة۰

۳- استحداث مديرية الدراسة التركمانية في وزارة التربية والتعليم۰

٤- تمكين الادباء والشعراء والكتاب التركمان من تأسيس اتحاد لهم والعمل على مساعدتهم وتمكينهم من طبع مؤلفاتهم وتوفير الفرص لزيادة قدرتهم وقابلياتهم اللغوية وربط هذا الاتحاد بأتحاد الادباء العراقيين

۰ ٥- استحداث مديرية للثقافة التركمانية ترتبط بوزارة الثقافة والتعليم۰

٦- أصدار صحيفة أسبوعية ومجلة شهرية باللغة التركمانية۰

٧- زيادة البرامج التركمانية في تلفزيون كركوك۰

فوجئ التركمان بهذا القرار لكونه أول قرار يصدر من قبل الدولة تمنح فيها الحقوق الثقافية للتركمان وحرية التدريس باللغة التركمانية بعد أن كانت تدرس في المدارس الابتدائية وقد منعت من قبل حكومة ياسين الهاشمي في العهد الملكي في عام ۱٩۳٦م، وظن البعض أن منح الحقوق الثقافية للتركمان هي بداية للحقوق الاخرى التي سوف تعطى فيما بعد ولكن القسم الاكبر من التركمان كانوا على يقين بأن اعطاء مثل هذه الحقوق المفاجئة أشبه بالسكون قبل العاصفة, هذه العاصفة التي قضت على نخبة ممتازة من المثقفين التركمان ولم يترك للتركمان فرصة مناقشة هذا القرار, ومن ذا الذي سيعطيهم هذه الفرصة لان جميع القرارات التي تصدر في العراق هي تحت تسمية (نفذ ثم ناقش) العسكرية۰

۱- تدرس اللغة التركمانية في مرحلة الدراسة الابتدائية :

فتحت بعض المدارس التركمانية الابتدائية وسميت بالاسماء التركمانية مثل ده ده هجري ( اسم شاعر تركماني), يلدز(النجوم)، قره ألتون (الذهب الاسود), أق طاش (الحجر الابيض), يدي قارداش (الاخوة السبعة), شانلي (ذو المجد), موطلو(السعيد)، ۲٤ اوجاق (۲٤ كانون الثاني)، دوغرولوق ( الصدق)، وايلري ( التقدم)۰وكذلك فأن عدد المدارس المقترح فتحها في كركوك كانت ۲۰۰ مدرسة تركمانية ولكن الذي تم فتحها فعليا هي ۱۲۰ مدرسة وكانت حجج الحكومة في هذا الصدد هو عدم وجود العدد الكافي من المعلمين التركمان لتعليم هذه اللغة بينما كان عدد المعلمين يفوق عدد المدارس التركمانية بالالاف۰ من الواضح أنه تم ذكر كلمة التركمان سبعة مرات في القرار مع التأكيد على كلمة التركمان في كل فقرة من فقراتها وهذه سياسة مقصودة لفصل التركمان عن الاتراك حيث أن هذين الاسمين متلازمين مع بعض منذ دخول السومريون الى العراق قبل ۳٥۰۰ سنة ق ۰م ۰ مع العلم أن اللغة التركمانية والتركية هي لغة واحدة مع اختلاف بسيط في اللهجة كما هو الحال مع اللغة العربية بلهجاتها العراقية المختلفة داخل العراق وباقي الدول العربية الاخرى۰ وأكد القرار على أن تكون التدريس باللغة التركمانية مع الكتابة بالاحرف العربية أي باللغة العثمانية القديمة والتي غيرت إلى الأحرف اللاتينية بعد حرب التحرير في تركيا, وكان القصد من الاصرار على الكتابة بالاحرف العربية هو الاستمرار على اللغة العثمانية القديمة لمنع تعليم اللغة التركية الحديثة وهذا معناه انقطاع الاتصال الثقافي بين تركيا وبذلك سيكون التركمان فريسة سهلة لتغيير هويتهم القومية۰

۲- جعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية في جميع المدارس التي ستدرس بهذه اللغة:

أن جعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية كانت مرحلة جيدة لاطفال التركمان في السنة الدراسية الاولى حيث أن قدرة الطفل التركماني على فهم واستيعاب المواد وباستخدام وسائل الايضاح الجيدة سوف يزيد من قابلية الطفل على الفهم ولكن عدم تواجد هذه الوسائل عرقلت من عملية التدريس وحتى أنه لم تخصص ميزانية أو نثرية خاصة للمدارس التركمانية وبذلك عمل المعلمين التركمان على جمع التبرعات فيما بينهم ومن أولياء الطلبة لسد حاجة الطلاب وكان للفنانين والرسامين التركمان دورا بارزا في دعم هذا المشروع حيث عملوا بجد ونشاط على تخطيط وتوفير وسائل الإيضاح في فترة زمنية قصيرة جدا بالرغم من الخضوع للرقابة الأمنية الشديدة وأبطلت قسما من هذه الوسائل بحجة عدم صلاحيتها للمنهاج الدراسي, ومن الوسائل المحظورة منع توضيح صور مراحل القمر والنجوم وخاصة النجمة والهلال تشبها بالعلم التركي وكذلك التحفظات في استخدام اللون الأحمر مع اللون الابيض أو اللون الازرق مع اللون الأبيض, مع ذلك فقد ناضل المعلمون التركمان في سبيل تربية وتعليم الأطفال وحسب إمكاناتهم

۰ ۳- استحداث مديرية الدراسة التركمانية في وزارة التربية والتعليم:

أن معظم الموظفين في هذه المديرية كانوا من غير التركمان ومن الموالين للحزب وحتى في مسألة تحضير المنهاج الدراسي التركماني فانها قد عهدت الى أشخاص قليلوا الخبرة وغير مؤهلين في المجال التربوي وكان مدير التربية في كركوك السيد عزالدين السردار هو المسؤول الاول عن الدراسة التركمانية وكان له الدور المباشر في عرقلة هذا القرار وذلك لانشغاله الكامل بمراقبة المعلمين التركمان أثناء الدوام وبعده وكانت تقاريره الحزبية اليومية تصل إلى بغداد حاملة الشكاوى الموجهة ضد الأسرة التعليمية التركمانية وعن عدم وجود العدد الكافي من كوادر المعلمين في حين كان مدير التربية منهمكا بنقل المعلمين التركمان الى المدارس الأخرى خارج كركوك مما اجبر بعض المسنين إلى طلب التقاعد المبكر۰

٤- تمكين الأدباء والشعراء والكتاب التركمان من تأسيس اتحاد لهم والعمل على مساعدتهم وتمكينهم من طبع مؤلفاتهم وتوفير الفرص لزيادة قدرتهم وقابلياتهم اللغوية وربط هذا الاتحاد بأتحاد الادباء العراقيين:

أن هذه الفقرة كانت بمثابة شراك الصيد للنيل من الكتاب والأدباء والشعراء التركمان حيث سهلت للسلطة معرفة الشخصيات التركمانية وقابلياتهم على الكتابة ولو أن الكتاب التركمان المشهوريين كانوا معروفين من قبل الحكومة ولكن ظهور الكتاب الشباب أقلقت السلطة وبدأت بمراقبتهم وكذلك فرضت الرقابة على المكتبات العراقية بصورة عامة وكركوك بصورة خاصة حيث وكلت عملية مراقبة الصحف والكتب والمجلات وفحص الرسائل إلى خريجي اللغة التركية من قسم الآداب من الموالين للسلطة في دائرة البرق والبريد وتثبيت عناوين المرسل والمرسل اليه وكان هذا سببا في اعتقال الكثير من التركمان۰ وفي إحدى المحلات في كركوك وجدت جريدة تركية قديمة وإذا بالاستخبارات تدخل وتعتقل الموجودين في المحل وبعد فترة سيق الجميع إلى بغداد بتهم قراءة الكتب الممنوعة وبعد التعذيب الشديد حكم كل واحد منهم بسبعة سنين۰

٥- استحداث مديرية للثقافة التركمانية ترتبط بوزارة الثقافة والتعليم:

بدأ النظام بالالتفاف حول القرار منذ اليوم الأول من صدوره واعتمدت السلطة على بعض الأشخاص الموالين للسلطة حيث تم تعيينهم في المراكز الحساسة في مديرية الثقافة التركمانية وكذلك في محطة تلفزيون كركوك۰ ورفضت وزارة الداخلية الطلب المقدم من قبل لفيف من المثقفين التركمان لتأسيس اتحاد أدباء التركمان وقدموا قائمة حول أسماء الراغبين وأهداف الاتحاد وقبل الطلب ولكن بتعيين أشخاص ليست لهم أية صلة لا بالتركمان ولا بالأدب التركماني وفرضت السلطة قائمة جديدة تحوي أسماء أخرى وبذلك أصبح الاتحاد مجمدا لجهل أعضائه۰

٦- إصدار صحيفة أسبوعية ومجلة شهرية باللغة التركمانية:

استعملت اللغة التركية الحديثة مع اللغة العربية في بداية صدور القرار في بعض المجلات منها مجلة قارداشلق ولكن سرعان ما استبدلت إلى اللغة العثمانية القديمة وعهدت وزارة الإعلام أمر إصدار جريدة (يورد) التركمانية إلى الفئة الموالية للسلطة مع رفض نشر المقالات لكتاب وشعراء التركمان المميزين وبقيت الجريدة في وضع يرثى لها وبعد الالتفاف حول القرار داهمت السلطة بيوت كتاب وشعراء التركمان واحرقوا نتاجاتهم الأدبية ومن بينهم المرحوم محمد عزت خطاط والشاعر المرحوم حسن كورم حيث حكما بالسجن لمدة سبع سنوات وكذلك الشاعر والأديب المرحوم إسماعيل سرت توركمان الذي اعتقل بسبب إصداره لمجموعة قصص الأطفال من بينهم كتاب الحنين إلى الوطن وكتاب أمير المؤمنين كرم الله وجهه حيث أحرقت جميع الكتب أمامه وجمعت البقية من المكتبات۰

٧- زيادة البرامج التركمانية في تلفزيون كركوك:

كانت البرامج التركمانية تبث من محطة تلفزيون كركوك ذات المدى المحدود بشرط التركيز على البرامج التلفزيونية الغنائية وكانت البرامج الثقافية والاجتماعية الأخرى تخضع للرقابة الأمنية الشديدة ويجب على مقدم البرنامج الحصول على موافقة مديرية الأمن العامة قبل عرض أي برنامج وكذلك اجبر المذيعون على عدم استخدام الكلمات التركية الخالصة مع تقليص فترة البث إلى نصف ساعة يوميا۰

استمرت هذه الحالة قرابة السنة وألغيت المدارس التركمانية في ۱٩٧۱م وبدون صدور أي قرار رسمي وبذلك عمت الفوضى مدينة كركوك التركمانية وبدأت إضرابات الطلبة في ۲/۱۱/۱٩٧۱ والتي استمرت أسبوعا واحدا وتجمعوا أمام مدارسهم في اليوم الأول وأغلقت الأسواق والمحلات التجارية لمساندة الطلبة ولكن قوات الأمن بدأت بعمليات القمع مستخدمين العنف واطلاق النار على المتظاهرين وتم إلقاء القبض على لفيف من الطلبة والمدرسين وبعض القيادات الطلابية التركمانية وانتهت بقتل المعلم والممثل التركماني المشهور (حسين دميرجي) الملقب بتمبل عباس حيث القي القبض عليه في ٦/۱۱/۱٩٧۱ وبعد بضعة أيام ووجد جسده الطاهر مرميا فوق الرصيف بالقرب من منزله حيث كانت علامات التعذيب واضحة على جسده الطاهر۰ وهكذا بدأت منح الحقوق الثقافية للتركمان ولم تنتهي لان بداية أخرى كانت قد بدأت في ۱٩٧۱ ولا زالت مستمرة للقضاء على التركمان في وطنهم العراق۰

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *