ديسمبر 7, 2024
download (8)

الكاتب : محمود الدباغ

شهد العراق بعد عام 2003 نشوء نظام هجين، تأثر بموجات سياسية وثقافية قادمة من الخارج، ما أدى إلى غياب هوية موحدة للبلاد. هذا الانفصال بين النصوص القانونية من جهة، والتطبيقات التنفيذية التي تخضع للأعراف الدينية والمذهبية والمناطقية من جهة أخرى، يعكس حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية التي يعاني منها البلد.

العراق، الذي يشتهر بتنوعه الديني والطائفي، هو موطن لمدن مقدسة ذات طابع ديني يغلب عليها السياحة الدينية من مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، لم يكن العراق يوماً دولة ذات هوية إسلامية ثابتة منذ نشأته، بل كان يشتهر بتنوعه الثقافي وحب شعبه للحياة، رغم المآسي التي مر بها في مختلف مراحل تاريخه. وفي السنوات الأخيرة، بدأ يتجلى بوضوح تضييق مستمر وممنهج على الأماكن الترفيهية وبيع المشروبات الكحولية، ما يعكس تدهور النظام القائم. هذا التوجه يعيد إنتاج سلوكيات النظام السابق خلال فترة الحصار، حيث كان النظام يفلس من الإنجازات وبدأ بحملات “الإيمانية” لأدلجة عقول الشعب وتوجيهها بعيداً عن الواقع المرير الذي كانوا يعيشونه.

لا يمكن إغفال الأرقام المخيفة المتعلقة بتجارة وتعاطي المخدرات في العراق، حيث تم ضبط أكثر من 230 شبكة و6,000 شخص متورط في هذا النشاط، إضافة إلى عشرات الأطنان من المواد المخدرة. هذه الظاهرة هي نتيجة مباشرة لإغلاق محلات بيع المشروبات الكحولية في بغداد وبقية المناطق الوسطى والجنوبية، ما أجبر المواطنين على شراء الكحول بأسعار مرتفعة أو اللجوء إلى المخدرات الرخيصة التي تدخل عبر الحدود من دول الجوار. هذه الفوضى الاجتماعية لم تشهدها البلاد في تاريخها، حيث أضحى العراق يشهد مستويات غير مسبوقة من التفكك الاجتماعي، بالإضافة إلى ازدياد حالات القتل والانتحار المرتبطة بتعاطي المخدرات.

من المفترض أن تعمل السلطات على تنظيم وتحقيق توازن بين محلات الكحول والنوادي الترفيهية بدلاً من إغلاقها، مما يضطر المواطنين إلى اللجوء إلى طرق غير قانونية. كما لا يمكن فرض رؤى معينة على الشعب الذي غالبية أفراده يفضلون الحياة المدنية والليبرالية بعيداً عن الدعاية السياسية التي تحاول بعض القوى فرضها كأيديولوجيا حاكمة لبلاد ما بين النهرين.

إضاءة:

تتلقى المحلات التجارية والنوادي الترفيهية إتاوات يومية من جهات رسمية وغير رسمية، حيث ترتبط تجارة الكحول والممنوعات بشخصيات متنفذة تسعى لتحقيق أرباح مادية ضخمة، مما يعزز وجود إمبراطوريات تجارية غير مشروعة.

ويبقى السؤال مطروحاً: ما هي هوية البلد التي نعيش فيها؟

محمود الدباغ

نائب رئيس مركز الرشيد للتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *