نوفمبر 21, 2024

اسم الكاتب : عبدالهادي مهودر

ليس حسَد عيشة لكنّ مفردة السعادة لاتذكر إلا مقترنةّ بالسفراء، بل هي مفردة غائبة لاتجد لها مكاناً مناسباً في الأحاديث والنقاشات والخطب وعموم الحياة، ومحاولات عديدة جرت لإلغاء أوصاف (الفخامة والمعالي والسعادة) لكنها لم تفلح وبقي الفخم فخماً والمعالي منتشياً والسعيد سعيداً في ارض الله الواسعة، وبقي المواطن محتفظاً بشرف المواطنة الذي لايدانيه شرف، ولامكان لدول العالم الثالث بمؤشر السعادة الذي تتصدره الدول الاسكندنافية على الرغم من شدة البرد وقلة ساعات شروق الشمس.

فالدنماركيون، على سبيل المثال، يتمتعون بأسباب كافية للسعادة كإرتفاع مؤشرات الصحة والتعليم والاستقرار وقلة الفساد، ويختلفون عنا في البيئة الثقافية والميل للإسترخاء، وعدم اهتمامهم بالسياسة، وتمشيهم الدائم في الحدائق المنزلية، أما السفراء فهم ايضاً ليسوا سعداء على طول الخط، وسعاداتهم متفاوتة لكن لقب السعادة يلازمهم أينما حلّوا وارتحلوا ومن جاور السعيد يسعد.

وإذا وضعنا مؤشراً لسعادة السفراء فقد يتصدره السفراء اليابانيون، فهذه الدولة وصلت بصناعاتها الى كل بيت وحارة ومطبخ، وحَباها الله بموقع وسط المياه (مسعدة وبيتچ على الشط) ولا يُتهم أي شخص بأنه عميل ياباني ولاتثار أي حساسية من لقاء المواطنين والسياسيين والصحفيين بالسفير الياباني الذي يتجول بحريته وباللباس الذي يختاره في ربوع بلاد الرافدين، حتى أن السفير الياباني السابق (فوميو إيواي) ارتدى الزي العربي وزار المضايف والبيوت وثرد مع الثاردين ، أما السفير الحالي فوتوشي ماتسوموتو، فهو خير خلف لخير سلف.

وقد ظهر مؤخرا في برنامج حواري تلفزيوني عراقي بلهجة عراقية محببة، وتم جس نبضه وظهر دبلوماسياً عارفاً بالمزاج العام للعراقيين وانطباعاتهم وثقتهم بالمنتج الياباني، وذهب الى وصف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بأنه (ياباني أصلي) في إستعارة لعبارة يتداولها العراقيون في حالات الرضا والثقة والجدية في العمل والإنجاز.

وقد مرت هذه العبارة مرور الكرام في دار السلام ، وأتحدّى سفيراً آخر يعمل في العراق أن يصف أي مسؤول عراقي بأنه (امريكي أصلي او بريطاني اصلي او ايراني اصلي او سعودي اصلي او هندي اصلي)، حينها تنقلب الدنيا وتقوم ولاتقعد، وتصعد الغيرة العراقية ( ياگاع انشگي وابلعيني) والقوات تتقدم لحماية السفارة ويضطر السفير لإصدار توضيح لإزالة سوء الفهم وتستدعيه وزارة الخارجية لتبلغه زعلها الشديد على الميانة الدبلوماسية الزائدة عن اللزوم (أستر علينا الله يستر عليك).

وسر سعادة السفير الياباني لاتكمن في شخصيته وابتسامته ووجه الطفولي بل تكمن في اليابان نفسها، وما أدراك ما اليابان، التي جعلت من سفرائها مقبولين و(زي العسل) عندما سبق نجاحها دبلوماسيتها وقوتها الناعمة ومهّد طريقها وسهّل مهمتها، وهكذا هي الدول، تلقي بأعبائها الثقيلة وسياساتها على سفرائها فلايقترب منهم سياسي او صحفي إلا بحذر شديد مهما كانت النوايا سليمة، وتتبعه علامات الاستفهام، وتهديدات واتهامات بالعمالة والخيانة، فلا ينفع الكلام ولا تنجح العلاقات العامة والاستمالات العاطفية ولا ابتسامة سعادة السفير في تحسين الصورة، حتى ليغدو ظهور بعض السفراء دليلاً على وجود أزمة او حاملين لرسائل تبشّر بولادة ازمة جديدة.

وإذا كان سر سعادة اليابان وسعادات سفرائها بتقدمها الصناعي فكل ما نحتاجه لنكون (يابانيين اصليين) هو صناعة عراقية ومنازل وحدائق منازل نتمشى فيها مثل الدنماركيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *