نوفمبر 22, 2024
PicsArt_02-13-08.29.08

اسم الكاتب : طارق علي

قد يبدو لك عزيزي القارئ من الوهلة الأولى أن الحديث سيكون عن إحدى الأمراض العضوية التي يطلق عليها مرض العصر كمرض السكري أو الاكتئاب أو السمنة وغير ذلك من أمراض قد انتشرت حول العالم حتى سميت بمرض العصر ولكن من وجهة نظرٍ بسيطة مرض العصر الذي انتشر في كل مكان ولم ننتبه بأن ذلك المرض هو أساس أمراض العصر العضوية والاجتماعية ألا وهو (القتل المعنوي – قتل وإيذاء المشاعر الإنسانية).

فأثر هذا المرض (القتل المعنوي) على الفرد والمجتمع تدمير البشرية إذا لم يتم مواجهته والقضاء عليه بل سيدمر روابط المجتمعات ويفتك بأفرادها حتى ينهار المجتمع بلا وعي منا ولا إدراك فيسأل سائل هل القتل المعنوي يدمر مجتمعات؟ والرد على ذلك بمثال فالأمل واليأس والفرح والحزن ما هي إلا مشاعر وأحاسيس نتيجة التفاعل مع الأخرين سواء سلوكيات الأفراد أو الحديث معهم فإذا تم الاعتداء على تلك المشاعر تؤدي بطبيعة الحال إلى تغيير سلوك الفرد وبالتالي على المجتمع.

فلا بد للإنسان من انفعال بعد كل موقف وحديث وتلك الانفعالات هي أساس تشكيل شخصية الفرد وتفكيره وبالطبع سوف يؤثر علي سلوكه ومن ثم يبدأ المجتمع في الانهيار أو البناء الحضاري المتكامل وذلك كله يعتمد على سلوك الفرد الذي تأثرت مشاعره وأحاسيسه بسلوك أفراد آخرين ثم تفاعل معها ثم أخذ بتشكيل وبناء سلوكه حسب الانفعالات التي قررها العقل أن تكون منهجاً حياتياً للفرد ثم تصبح أفكاراً راسخة في الوجدان ثم تصير سلوكاً فردياً من ضمن سلوكيات أفراد آخرين يشكلوا نواة المجتمع فتأثر الفرد ولو بسيط حتماً سيؤثر على المجتمع ولو بعد أمدٍ طويل وهذا ما نجنيه الآن في مجتمعاتنا العربية من أخلاق وقيم وسلوكيات.

مثال يوضح الأسباب المؤدية إلى مرض العصر (القتل المعنوي) إذا ما تحدثنا إلى شخص ما وفجأة قال كلمة أشعلت مشاعرك وحفزت هرمونات جسدك وقلبت موازين فكرك في لحظة واحدة تغير كل شيء في بدنك وأقصد هنا المشاعر الإيجابية أو السلبية ولكني أركز هنا على المشاعر السلبية لا بحثاً عن الإحباط ولكن بحثاً عن الأسباب المؤدية إلى مرض العصر.

وبعد تلك التنويهات حول مرض العصر وأسبابه وأثاره علي الفرد والمجتمع سوف أتطرق إلى رد فعل العقل الواعي أثناء تلك اللحظة التي تلقي فيها (المقتول معنوياً) صدمة والصدمة ورد فعل الشخص درجات لا تستوي عند كل الأفراد وهنا ألقي الضوء على أسباب وتبعات ومخاطر القتل المعنوي التي صدمت قلبه وأثارت مشاعره فتأثر الجسد عضوياً بتحفيز هرمون الأدرينالين ومعنوياً بصدمة المشاعر وتخبط الأفكار ومن ثم يبحث العقل فوراً عن شيء ليطمئن به أعضاء الجسم ويهدئ من روع وانفعال المقتول معنوياً فإما أن يصمت أمام القاتل المعنوي وبعد ذلك يبدأ العقل في تأنيب المقتول معنوياً بسيل من الأسئلة الصراعية لماذا لم ترد عليه؟ لماذا لم تنبهه بألا يصح ذلك؟ لماذا…؟

وينتهي هذا الصراع الفكري باعتقاد أنك قد نسيت الأمر ولكن هنا تكمن المشكلة فالعقل اللاواعي لا ينسى شيئاً ولو اعتبرناه تافهاً فيقوم العقل اللاواعي باتخاذ قرارات دون أن يشعرك من شأنها تغيير سلوكك وانطباعك دون تدخل لك فيها. وهكذا يوماً بعد يوم يستقي العقل اللاواعي تلك الخبرات حتى يؤثر بها على مشاعرنا وقلوبنا حتى نصل أحياناً إلى درجة جمود القلب والمشاعر وبعد ذلك يسأل الفرد نفسه لماذا أشعر بالضيق في قلبي أو صدري…؟ وبالطبع تلك المشاعر المؤلمة نتيجة سلوكيات الأخرين وتظل دفينة بداخلنا.

وبالطبع أكثر من يتأثر بتلك المشاعر المؤلمة هم الأطفال منذ الصغر ويترتب عليها ما لا يتوقعه أحد فتلك الأزهار التي تُضرَب يميناً ويساراً برياح العنف والتقليل والتهميش حتي تذبل ولا يشعر بها أحد ثم نتساءل لماذا أطفالنا عصبيون لا يسمعون إلينا وهذا أمر بديهي هم سمعوا منكم الكثير من العنف والأذى النفسي لذا فهم لم يكن لديهم قابلية أخري لأن يغيروا ما تركتم لديهم من خبرات عنكم فهم فقدوا ثقتهم بكم مما تعرضوا له ثم يكبر الطفل وداخله كل تلك الخبرات فصدمة بعد صدمة حتي نصبح بلا مشاعر طفولية نقية لأننا (قُتلنا معنوياً). وبعد هذا (القتل المعنوي) إما يتحول الفرد إلى (مقتول معنوي) فيصبح مريض بالإحباط أو الاكتئاب أو اليأس والحزن وإما يتحول إلى فرد آخر (قاتل معنوي جديد) نتيجة رد فعل العقل اللاواعي الذي اتخذ قرارًا بألا يصبح (مقتول معنوي) مرة أخرى ومع مرور الأيام تتغير شخصية الفرد ومن ثم سلوكه وبذلك تتغير المجتمعات.

فلماذا أصبح المجتمع العربي محبط ومتأثر نفسياً ولدينا مشكلات لا حصر لها بسبب القتل المعنوي إما من الأسرة أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو المدرسة أو الشارع. ففي كل يوم تهدم المشاعر الإنسانية من خلال أنظمة وحكومات تتفنن في القتل المعنوي الذي يجعل من الفرد ذليلا يتألم حسرة مما يري من ظلم ومذلة لذلك تفككت معظم العلاقات وأصبح لا يشعر بعضنا ببعض ولم نكترث بمن يعاني لأن منا من ظلم وتم إذلاله أمام الجميع ولم يحرك فيه ساكناً فهل كل ذلك ليس بكافياً أن يدمر المشاعر ويجعل منا أشخاص مقتولين ومغتالين معنوياً حتى وصل الأمر إلى الثورات العربية التي بعثت في الروح الأمل وضخت في القلوب الأنفاس والمشاعر التي هتكت وانهارت.

ولكن ظن بعض الناس أنه لن يهان أحد بعد تلك الثورات ولكن هيهات فالقاتل لن يهدأ له بالاً حتى يقتل وهنا تحول القتل المعنوي إلي قتل حقيقي وإبادة جماعية لذلك لا يجب أن نستهين بمن يؤذي مشاعر الأخرين ففي أي لحظة سيتحول إلى قاتل حقيقي فمن يسرق القليل سيسرق الكثير ولكنه ينتظر الفرصة.

ومن أمثلة ذلك الفساد والقتل المعنوي بعض الإعلام الفاسد فهم يطعنون القيم والمشاعر الإنسانية ويبدلون الأخلاق ويشيعون الفساد بعبارات التحريض أو القتل أو بآراء فاسدة فيتبدل الإحساس ويتبدل الفكر وينعكس السلوك على المجتمع فما كان من قبل كلاماً قبيحاً وسلوكاً سيئاً مرفوض أصبح اليوم مألوفاً في حياتنا لأن مشاعرنا وأفكارنا تم طعنها والفتك بها وقتلها أبشع قتلة حتى تبدلت المبادئ والقيم والأخلاق التي هي في الأصل مشاعر نبيلة سامية تسمو بأنفسنا فعندما تعرضت للقتل أصبح بعضنا بلا مشاعر يبحث عن الماديات (كالمال والشهرة والمنصب بشتي أنواعه) التي ستنقذه من القتل المعنوي لأن في زماننا هذا من يملك أي من تلك المقومات لن يتعرض أحد لمشاعره بل سينتقي عباراته وينسق كلماته ويبحث عن أجمل وأرق العبارات حتي يتجنب خسارة مصلحته مع هذا الشخص.

مع الأسف هذا ما نراه في معظم من في السلطة وأصحاب المصالح المشتركة فنفس ذلك الشخص الذي ينتقي عباراته ستجده بذئ اللسان عديم الإحساس ولا يبالي بما يقول إذا تحدث إلي شخص عادي لا منصب له ولا مال وهذا ما نراه من فساد أخلاقي وأبسط مثال نلمسه جميعاً تري الموظف الحكومي عبوس الوجه فإذ به يتحول إلي إنسان أخر بشوش الوجه لبق الكلام عندما يري مديره أو مواطن ذو مال أو شهرة أو منصب فتقع الحسرة في نفسك فلا تعجب أنت في تلك اللحظة تم (قتلك معنوياً).

هذا مثال بسيط لما نراه كل يوم في مجتمعاتنا حتي أصبحت الأخلاق لا تجدي نفعاً وتشتت الفكر حتى أصبح الفرد يبحث عن شيء يحفظ له كرامته وإنسانيته فأصبحنا في صراع ما بين الأخلاق والقيم أم المادة ومبدأ النفعية الذي سيحقق لنا الكرامة لذلك لا تعجب من أناس كانت لهم خطب رنانة عن الدين والقيم والأخلاق ومنذ سنوات قليلة بعد الانقلابات علي الثورات العربية أصبحوا بلا مبدأ ولا قيم لأنهم لم يكونوا كذلك من قبل بل كانوا يبحثون عن شيء يحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم فلم يجدوا سبيلاً إلا هذا حتي أصبحوا هم الأخرين (قاتلين).

ولكي نصلح ما تبقي لنا من مشاعرنا الإنسانية لابد أن ندافع عن أخلاقنا وقيمنا ومبادئنا التي إذا انهارت انهار كل شيء فلا تسمح لأحد أن يؤذي مشاعرك أو مشاعر الأخرين من حولك حتى تتحرر من الظلم فالكرامة وعزة النفس والشرف مشاعر وأحاسيس. “فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”، وهل من ذل وهوان أكثر مما نحن فيه الآن؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *