اسم الكاتب : وليد يوسف عطو
كانت المجموعة البشرية التي تنتمي الى معبد ما تشغل جزءا من اراضي الهيكل لصالح المجموع . ومساحة هذا الجزء لايتجاوز مساحة ربع الهيكل , يدعى البستان , او الارض المشاع , او المشتركة ( المشتركات الزراعية )(ني جنة –Ni ganna ) لان هذه الارض كانت تحرث من قبل المجموعة كلها . وكان المشتغل فيهايسمى Murabi ( المرابع ). وهنالك قسم اخر من الارض المقطعة الى قرى ومزارع والموزعة على اعضاء المجموعة لسد احتياجاتهم وتدعى ( كور – Kur ).
وقد حافظت الكلمة الاكدية (كور ) على استمرار وجودها في اللغة العربية الى يومنا هذا .وهنالك قسم ثالث يدعى ( ارض الغلال ) ( ارعو جلال – Ar gilal تؤجر للمستاجرين باجر يتراوح مابين ثلث المحصول وسدسه ,ويخزن هذا في المعبد في مستودعات الغلال حتى تحين الحاجة اليه , ويمكن دفع القسم الاكبر من الاجرة حبوبا , لكنه ينبغي دفع قسم صغير منها بالفضة .
كان الهيكل , اي المعبد , يقدم حبوب البذار والحيوانات والادوات لحراثة الاراضي المشتركة , كما فعلت الدول الاشتراكية في عصرنا , وكان الكل يعملون كل سنة في الحقول التي تخص(السيد الرب ) . وكان الكاهن الاعظم ( سن جي ) القائم على راس جماعة المعبد يحدد نصيب كل واحد من الواجبات المشتركة , فكانه وكيل الاله ,ويساعده معاون او نائب هو ( ناب – عند )
(Nab – and )يراقب العمل والمخازن والادارة . ولم تكن مخازن الحبوب تستعمل للبذار فحسب , ولم تكن تحت تصرف الكاهن بمفرده لاستخدامها في القرابين او لغذاء اهل المعبد , كان لرجال المعبد ,كما لاي شخص اخر نصيبهم لتامين قوتهم , بينما ترد بعض ثمار العمل المشترك الى المواطنين على شكل حصص من الشعير والصوف , توزع عليهم بانتظام , وعلى شكل حصص اضافية ايام الاعياد .
ورغم ان الحصص لم تكن متساوية , ولا كانت الواجبات المفروضة على كل الناس شاقة بنفس المقدار ,فاننا نلاحظ ان جميع اعضاء المجموعة متساوين .كان كل واحد منهم يتناول حصته وقطعة ارض لتامين حاجاته , وكان الجميع يعملون في الارض المشتركة وفي شق القنوات وبناء السدود .ولم يكن هناك عاطلون عن العمل . كما لم يكن هناك اقنان محليين . اي عبيد محليين .
كان اسرى الحروب من العبيد يعملون كعمال وحمالين وبستانيين الى جانب العمال الاحرار اما البنات السبايا فكن يوجدن باعداد كبيرة كحائكات ,دون ان يمتلكهن احد , وكن يساعدن في المطابخ وفي مصانع البيرة ( الجعة ) , وفي الزرائب حيث الخنازير .
ليس هناك اثبات على وجود اراضي واسعة في ايدي افراد من جماعة المعبد .لكن افتراض وجود عدة جماعات هيكلية في المدينة الواحدة اتاح للبعض ان يتصرفوا بقطع من الارض في اكثر من مجموعة واحدة .
كان هناك معاون يملك حوالي 120 فدانا , وعن مراقب مخازن الخشب كان يملك 80 فدانا . لكن هذه الحالات تمثل خروجا على النظام الاساسي .
ان القطعة الصغرى المسجلة في كشوف المعبد وهي ( جان – Gan )او سبعة اثمان الفدان كانت تكفي لسد حاجات المرء .وان الزواج بامراة واحدة , وندرة وجود الجواري كانت من الامور التي تحدد المساحة التي يمكن لعائلة واحدة ان تحرثها .
وقد ورد ذكر النساء ايضا كمالكات لقطع الارض . وهذا يدل على انهن كن يخدمن المجموعة بشكل ما .اذ ان القاعدة الاساسية في المجموعة الهيكلية كانت ان الشخص يملك الارض لكسب عيشه . لانه كان يضع مهارته في التخصص لخدمة المجموعة .فالراعي والسماك والنجار والحداد جميعهم يقدمون لمخازن المعبد انتاجهم , او يكرسون اوقاتهم كلها للعمل في ممتلكات المعبد , وهو نفس مافعله القرامطة الاسماعيليون بعد اربعة الاف عام .
لقد كان الكاهن والنجار والتاجر والمهني في الواقع فلاحا يعمل في قطعته لتامين قوته وقوت المتوجب عليه اعالتهم . ويبقى قسم كبير من الوقت لتطوير المهارات الخاصة وتعليمها واستغلالها .
لقد اشار م . دافيد في مجلة ( تاريخ الحقوق – ج 14 – ص 3الى 6)في مقال له الى ان : (اشتراكية الدولة )في عصور سومر الاولى لم تستبدل تماما باقتصاد حر فردي قائم على الملكية الخاصة الا تحت ظل السلالة البابلية الاولى حوالي 1800 ق .م وفي ظل السلالة الثالثة في اور امكن للملكية الخاصة ان تتالف من منازل وحدائق تابعة لها ,لا من الحقول الصالحة للزراعة التي كانت تخص المعبد او الملك .
لقد كان اقتصاد الهيكل ملكا للناس كمجموعة .وفي سنوات تدني الانتاج يقل المتسلم من بعض البضائع المستحقة للمعبد كل شهر , فتنشا الديون وتسجل على ان تدفع فيما بعد .
الصراعات التي ادت الى استلام سرجون الاكدي للحكم
ان نظام الدولة الذي اقامه سرجون الاكدي جاء نتيجة لنشوء فئة هيكلية متسلطة واصرارها على احتكار الثروات .
لقد برزت مصالح طبقية متناقضة تمثلت في كهنة المعبد الاكدي الذين اصروا على جمع السلطتين الدينية والدنيوية معا , وتغليفهما بغلاف الهي .
لقد شعر بعض الملوك بان عهدا من الاضطراب الدموي قد ينشا نتيجة لاسراف كهنة الهيكل في استخدام سلطاتهم من اجل تنمية ثرواتهم على حساب مصالح الشعب .كما ان وحدة السكان داخل كل مدينة على حدة وضمن مجموع المدن ضد الغزاة الخارجيين صارت مسالة تثير نتائج وخيمة .
وقد برزت ثلاثة اتجاهات لحل المسالة :
الاتجاه الاول :هو ان يبادر احد الملوك الى ايقاف الهيكل عند حده واعادة الامور الى نصابها عن طريق الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والدينية , تلغي امتيازات الهيكل وتعيد للسكالن ثقتهم بمؤسساتهم .
الاتجاه الثاني : يرى ضرورة وحدة جميع المدن والاستعداد لمجابهة الاخطار الخارجية بصرف النظر عن كل مايجري في الداخل .
الاتجاه الثالث:وهو الذي كان يراقب الامور بحذر ويقظة عاملا على تجميع قواه من اجل الانقضاض في الوقت المناسب على نظام الدويلات – المدن , حاملا معه نظاما اصلاحيا في الوقت نفسه . دون ان يترك مجالا للتناقضات لكي تستفحل وتتفاقم ابان سقوط دويلة المدينة.
انه برنامج توحيدي – تحرري تم العمل به في الالف الثالث قبل الميلاد . وقد مثل هذا الاتجاه الملك سرجون الاكدي (شيروكين).
المصدر :
كتاب ( الملك سرجون الاكادي : وليد غير شرعي يقود امة للحرية ) –اعداد :عبد الكريم العلوجي- ط 1- 2010 – الناشر:دار الكتاب العربي –دمشق – القاهرة .