اسم الكاتب : وليد يوسف عطو
لقد اعتقد الانسان الرافديني القديم بقدرته على تقديم العون الى الالهة من خلال الطقس الذي يجعل النشاطات الخلاقة للزمن البدئي فاعلة في اللحظة الراهنة :
(فراس السواح : الاسطورة والمعنى – ط 1- 1997 – الناشر :دار علاء الدين – دمشق – سورية ).
كتب الباحث فراس السواح في فصل كتابه المعنون ( التموزية ومعتقد الخلاص السومري ):
( ..فان الاله تموز لم يكن يموت في كل سنة ثم يبعث الى الحياة من جديد , كما تعود الباحثون قوله وتكراره بتاثير ملاحظتهم للطقس الدوري ,ومزجهم بين الطقس والاسطورة. ولكنه مات وبعث الى الحياة وتزوج الالهة انانا في دورة حياة واحدة , حصلت في ازمان الاصول والتاسيس , من اجل اعطاء النموذج البدئي لصيرورة عمليات الطبيعة .
وليس موته وبعثه في كل عام الا دورة حياة طقسية يجري تكرارها دراميا لغرض تحيين الاسطورة واستحضار زمنها الميثولوجي الخلاق ).
يعتقد كاتب المقال ان هذا الطقس يتشابه مع طقس ودراما موت الاله وقيامته في ديانات الاسرارالخلاصية ,مثل موت وقيامة يسوع في الاناجيل , حيث ان تكرار الموت والقيامة كل عام هو من اجل اتحاد المؤمنين بالاله واستحضار اسبوع الالام وبذلك يعيش المؤمن مع المسيح كل حين ( تحيين حدث الصلب والموت والقيامة ).
ان الجانب السري لطقس موت وقيامة الالهة الرافدينية القديمة مثل دوموزي –تموز هو ان دوموزي – آبسو ,ابن الماء هو مجدد طاقة الحياة وحافظ لقوى الخصوبة ,وهو في الوقت نفسه قاهر الموت الذي حرر نفسه من قوى العالم السفلي .وستتكرر هذه الدراما دوريا حتى في قصة موت وقيامة يسوع .
يكتب الباحث فراس السواح مايلي :
(.. فان ارتباط فكرة بعث الروح وتجديدها بعبادة الخصب ,نابع من نظرة الانسان القديم الى نمو الزرع باعتباره معجزة غير مفهومة . فالبذور الصلدة الصماء تودع في الارض بضعة شهور ,لتدب فيها الحياة وتعطي ورقا وحبا جديدا .فاذا كانت هذه المعجزة ممكنة في عالم النبات ,فانها ممكنة ايضا بالنسبة للانسان ,وعودة الحياة الى العظام الصلبة الميتة ليس اكثر استحالة من عودة الحياة الى البذور ).
يرى كاتب المقال ان الانسان الرافديني تصور ان البذور هي جماد لاتحتوي على الحياة وكما تحولت هذه الجامدات الى الحياة كذلك يمكن لعظام الانسان الرميم ان تكتسي باللحم وتعود الى الحياة .
لقد انتصر دوموزي – تموز على قوى الظلام وصعد ظافرا الى حياةجديدة , حيث يتحد المؤمنين به وفق الطقس السنوي المقام . وهو يعطي كل مؤمن وعدا بانه سيكون حاضرا لديه عندما تاتي ساعة المنية ليقوده الى عالم الابدية .وهو نفس كلام يسوع لاتباعه في الاناجيل (ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر ) انجيل متى (28 : 20 ).
ان الوجه الاخر للمعتقد التموزي الخلاصي لاتظهره لنا الوثائق المسمارية والسبب في ذلك يرجع الى ان عقيدة الموت والخلود لم تكن العقيدة الرسمية في سومر خلال عصر التدوين السومري خلال فترة حكم اسرة اور الثالثة (2100 – 2000 ق.م ).
لقد تم العثور على مقبرة الملكة شبعاد وهي بكامل اناقتها وزينتها الملكية , اضافة الى جثث اربع حراس وتسعة نسوة من الكاهنات . وكانت يد احداهن ماتزال على اوتار آلة موسيقية حتى وقت الاكتشاف .
يعلق السير ليونارد دولي على هذه المقابر الملكية بالقول :
( ان الملك السومري المتوفى كان يصطحب معه افراد بلاطه وحاشيته . فهؤلاء المدفونين مع الملك لم يكونوا من العبيد الذين اجبروا على الموت . بل من الاتباع ذوي المكانة في القصر . وقد جاؤوا بكامل لباسهم الرسمي الى المقبرة ,لتادية طقس طوعي من شانه في اعتقادهم ان يعبر بهم من عالم الى عالم آخر .ان كل الدلائل تشير الى ان هؤلاء المتطوعين قد وصلوا احياء الى المقبرة . ومن الجائز انهم قد تناولوا هناك شرابا قاتلا , وبعدمفارقتهم الحياة تم ترتيب جثثهم في وضعيتها الاخيرة قبل اغلاق القبر ).
ان الديانة السومرية رغم انها لم تقم على معتقد احادي ( تموز – انانا ), ورغم وجود الهة اخرى تمسك بزمام المظاهر الرئيسية للكون وعلى راسها آنو الماء وانليل الهواء وانكي الماء , الا انه من الواضح وجود الهة اكثر قدما من هؤلاء لا تنتمي الى القوى الكونية الكبرى بل تجسد قوى الحياة الخالدة .وهذه الالهة دخلت عند اعتاب التاريخ في علاقة مع تموز الذي يجدد بدورة حياته الطقسية قوة الحياة . وقد بقي الاعتقاد بهذين الالهين تموز – انانا ( عشتار )يؤجج الحياة الروحية للسومريين لاكثر من الف عام ثم تحول بعد ذلك الى ديانة سرية بتاثير اللاهوت الرسمي الاكادي السامي المعادي للتموزية .
لقد عمد اللاهوتيون الساميون الى اجراء تسوية بين معتقد الالهة المتعالية الكلية القدرة ومعتقد الالوهة الطبيعانية والتي تمثل خصب ارض ودورة الفصول . بان جعلوا من الاله مردوخ الها يموت ايضا ثم يبعث في عيد راس السنة البابلية ( عيد اكيتو) الذي حل رسميا محل الاعياد التموزية .
فبعد تلاوة اسطورةالتكوين البابلية وتمثيلها دراميا يخرج المنادي ليعلن بان مردوخ قد مات . وينتهي هذا الجزء من السيناريو الطقسي ببعث مردوخ صعودا من العالم السفلي .
يقول فراس السواح باننا نعرف بكل تاكيد بان هذه الفقرة الطقسية من احتفالات راس السنة البابلية لاتتمتع بسند ميثولوجي سواء من الاينوما ايليشا , اسطورة التكوين البابلية ام من غيرها من الاساطير البابلية . الامر الذي يدل بكل وضوح على انها بقية من الطقس التموزي الاسبق تم دمجها في طقوس مردوخ من اجل امتصاص المعتقدات والطقوس التموزية.
لقد تحولت هذه الطقوس والافكار القائمة على معتقد الموت والخلود الى عبادات سرية مقتصرة على الاتباع بعد مرورهم بطقس التعدية , العبور , الادخال , وتحولت الى عبادات سرانية كجزء من ديانات الاسرار .