نوفمبر 22, 2024
download

اسم الكاتب : وليد يوسف عطو

من اسباب العبودية الرئيسية في بابل واشور هي الحروب. فمن الاسباب الرئيسية للحروب هي جلب العبيد ,للحصول على قوة عمل كبيرة تكفي لتنفيذ المشاريع الكبيرة كبناء قصور الملوك والمعابد والقنوات والمبازل وغيرها من الاعمال .
قد يولد المرء عبدا ان كان ابن عبد من اسرى الحروب , او ان يصبح عبدا لجملة من الاسباب .تصور المنحوتات الاشورية صفوفا من الاسرى الذين تقودهم الجيوش الظافرة الى العاصمة . وقد اوثقت ايدي الرجال منهم واقتيدوا كالماشية تلهبهم اسواط الجند , وتتعقبهم النسوة وهن يحملن اطفالهن وماندر من امتعتهن .او ينقلن احيانا في عربات محملة بالقمح الذي تم الاستيلاء عليه مع السكان .

وقد يضطر رب الاسرة بفعل الفاقة الى ان يبيع كارقاء , زوجته او اطفاله او حتى نفسه اذا لم يكن قادرا على تسديد دين تعاقد عليه . ويشترط القانون انه اذا مافضح ولد متبنى نفسه بان تخلى مثلا عن العائلة التي تبنته , فانه يباع كرقيق .وقد كان من الناحية النظرية , من حق الشخص الذي يباع كعبد , ان يسترد حريته متى ماسدد الدين .

لقد كان الرقيق بمثابة معادلا لاية بضاعة تباع في الاسواق , ويوصف في الوثائق بانه ( وحدة رقيق ). واذا ماذكر اسمه يحذف اسم ابيه .واذا ما اصيب باذى فان سيده وليس هو نفسه , يستحق التعويض . كان العبد يوسم رمزا للملكية وتمييزا لمالكه . وكان يوضع في عنق العبد لوح طيني يحمل اسمه واسم مالكه , وبذلك يستخدم هذا اللوح بمثابة هوية شخصية .

يمثل هروب العبد هدفا للتعقب , ليس من قبل مالكه فقط بل من قبل السلطات الرسمية ايضا . وقد خصصت شريعة حمورابي مالايقل عن ستة اقسام لهذا الموضوع .

بيع الرقيق

لقد كان بيع الرقيق مطابقا لبيع السلعة . فقد كان يعطى لمشتري الرقيق ضمانا ,مثلما هو جار بالنسبة الى الحيوان ,بان الرقيق كان مالا مطلقا للبائع ,وانه لم يعاني من اي مرض معد .
كانت الامة تلتزم بان لاتقدم لمن اشتراها عملها فحسب وانما جسدها ايضا . ومن دون التزام مقابل من جانبه .فهو في الواقع يستطيع تسليمها الى المبغى . وحتى عندما تصبح محظية لشاريها ويكون لها اطفال منه ,فانها تبقى مع ذلك امة ,اي انها تكون عرضة لان تباع ,لكن بعد وفاة مالكها تسترد حريتها هي وابناؤها .

واذا ماتم شراء امة من قبل امراة متزوجة كخادمة لها او محظية لزوجها ( وذلك لغرض ان تحول الزوجة اذا لم تنجب الاطفال دون ان يتخذ زوجها محظية اخرى ) فان هذه الامة تبقى ملكا خالصا للزوجة , وعلى الاقل الى الوقت الذي يكون لها فيه اطفالا .ومثالنا على ذلك ( والكلام لكاتب المقال ) هو اتخاذ (سارة ) زوجة النبي ابراهيم امة لها وهي (هاجر ) . وهذا يمثل ان قصص التوراة استمدت قوانينها من شريعة حمورابي .

وكان مالكوا الارقاء يشجعون عبيدهم على الزواج ويصبح الاطفال الناتجون عن هذا الزواج ملكا لمالك العبيد الذي يستطيع بكل حرية ان يبيعهم على انفراد .ومع ذلك كانت العادة الشائعة ان لايتم تفريق افراد العائلة الواحدة . ويستطيع العبد برضا سيده ان يتزوج بامراة حرة , واذا لم تجلب مهرا معها , فانها هي نفسها واولادها يظلون احرارا . اما اذا ماجلبت بائنة معها واستثمرتها بالاشتراك مع زوجها في بعض الاعمال فعند ذلك تسترد الارملة اذا ماتوفي زوجها او هرب ,مهرها لكنها لاتستلم سوى نصف ارباح ذلك العمل في حين يتسلم سيدها النصف الثاني .

ارقاء المعبد

كان عبيد المعبد يتشكلون من اسرى الحروب .حيث ينذر قسم منهم للالهة من قبل الملك بعد الحملة الظافرة . وكان القسم الاخر من الارقاء يقدمون كهدية الى المعبد من قبل اشخاص منتفعين .
لقد كان الارقاء الذين عرفوا باسم ( شركو Shirk0 )يخضعون لاوامر موظف في المعبد .
لم يكونوا الارقاء يعملون في المعبد فحسب ,بل لدى المستخدمين الخاصين ايضا .ويستخدمون ايضا في الاعمال الاجبارية في المدن .
وكان وضعهم القانوني افظع من وضع العبد الاعتيادي , لانه لم يكن امامهم اي امل لهم بالتبني . في حين يصبح اولادهم , حتى اذا كانت امهم حرة , ملكا للاله بصفة ذاتية .مع ذلك يقول جورج كونتينو , لم تكن طائفة الشركو تشتمل على الارقاء فحسب ,وانما على بعض البابليين الاحرار ايضا .

كان المظهر الفريد في الغالب للرق الذي مارسه الاشوريون والبابليون هو ان الارقاء كانوا على الرغم من عبوديتهم الكاملة لاسيادهم , قادرين على ان يمتلكوا الاعمال التجارية , وان يمتلكوا الارقاء على حسابهم الخاص , وان يوفروا لهم النقود .
مثل ذلك ( موراشو واولاده ).

موراشو واولاده …

موراشو النفري …

لقد كانت عائلة (موراشو) يهودية ,وعندما استولى نبوخذ نصر على اورشليم – بيت المقدس سنة 587 ق.م , اسر اهم السكان , ومن بينهم النبي ارميا , كانت اسرة ( موراشو) بين اولئك الاسرى .
لقد اعدت هذه الاسرة العدة للثراء في منفاها البابلي . ولذلك امضت ازهى ايامها في مدينة ( نفر ) في عهد الملكين :
( خشايارشا الاول ) (464 ق.م – 424 ق . م ) و :
(دارا الثاني ) ( 423 ق. م – 405 ق.م) . كتبت الرقم التي تخص شركة موراشو بالحروف المسمارية ,غير ان عددا من الوثائق يحمل كلمات آرامية قليلة كتبت بالحبر .ففي هذا التاريخ لم يكن سوى الافراد المثقفين ثقافة عالية يستطيعون الكتابة بالمسمارية والاكدية . وكانت عامة الشعب يتكلمون بالارامية واذا استطاعوا ان يكتبوا فانهم يكتبون بالارامية ايضا .

عتق الرقيق

يعتق الرقيق في بابل واشور في الحالات التالية :
1- يؤكد جورج كونتينو في كتابه( الحياة اليومية في بلاد بابل واشور ) ان النسوة والاولاد الذين يودعون كرهينة لدى الدائن لايمكن ابقاؤهم لاكثر من اربع سنوات في العبودية .يرى كاتب المقال ان هذه المدة ربما كانت تنص عليها القوانين الاشورية , لان عالم الاثار العراقي د .فوزي رشيديؤكد في كتابه (الملك حمورابي مجدد وحدة البلاد) ان عبودية البابليين لايجوز ان تستمر اكثر من ثلاث سنوات .
2 – ان الاولاد الناتجين عن زواج امراة حرة بعبد يكونون احرارا , في حين ان الامة المحظية واولادها يستردون حريتهم بعد وفاة سيدها .
3 – كان هناك شرط قانوني يهب الحرية للعبد البابلي الذي بعد ان بيع في سوق اجنبية , اعيد ثانية الى بابل , فماعدا هذا فان قدرة العبد على ان يتملك وان يوفر النقود لتمنحه فرصة لاسترداد حريته , هي فرصة قليلة , واذا مافعل ذلك فانه يحصل عليها بصفة مطلقة بعد اقامة حفل رمزي للتطهير .
لقد كانت فرصة التحول الى العبودية اكثر بما لايقاس بفرصة التحول الى انسان حر .

ان ثراء الامبراطورية الاشورية والبابلية والامبراطوريات الاخرى كان يعتمد اعتمادا كبيرا على توفر الرق . حيث كان الرقيق يعادل الماكنة في العصر الحديث .
لقدكان الوضع القانوني للعبيد حاجزا دون مطالبته بحقوقه كانسان عن طريق العنف .
تلك هي الوسائل التي استطاعت بها بابل واشور تكوين امبراطوريات عظيمة ذات مستوى من الرخاء .

ان الحاجة الواسعة لسوق العمل ادى الى تشكل العوائل الكبيرة في بابل واشور والقائمة على اتخاذ الاماء والتبني والزواج باكثر من واحدة . من هنا تبرز اهمية رب الاسرة الذي كان بمثابة الدكتاتور الكبير للعائلة الكبيرة الواسعة .
وكانت النتيجة هي ان العائلة غدت قادرة على ان تزيد من اعدادها بصفة اسرع مما يمكن اجراؤه عن طريق الانجاب الطبيعي .

خاتمة الكلام :

رؤية كاتب المقال : وليد يوسف عطو

بالاضافة الى اسواق النخاسة والسبايا الحديثة التي اقامها تنظيم داعش الارهابي في سورية والعراق ,تبقى العبودية في جوهرها باقية مابقي استغلال الانسان لاخيه الانسان.حتى في ارقى المجتمعات الراسمالية , لان الانسان يصبح بحد ذاته جزء من ماكينة الانتاج الراسمالية .وحيث بقي العنف والتمايز والصراعات العرقيةوالدينية والمذهبية والقومية بقيت سياسة التعتيم وعدم المكاشفة وفرض العبودية على المواطن بقوانين غير معلنة , وهي عبودية في غالبها تكون عبودية مبطنة .

المصدر :

كتاب : (الحياة اليومية في بلاد بابل واشور ) – تاليف : جورج كونتينو – ط2 – 1986 – ترجمة وتعليق : سليم طه التكريتي وبرهان عبد التكريتي – اصدار:وزارة الثقافة والاعلام – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – العراق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *