الكاتب : عبد المنعم الاعسم
ما يجري في الحويجة خطوة اخرى الى الحرب الاهلية المفتوحة. حرب الطوائف ضد نفسها، والعقائد بمواجهة العقائد،والزعامات مع الزعامات، والمراجع ضد المراجع، والاحياء الفقيرة بمواجهة احياء الموسرين، وباعة البسطات ضد تجار المخدرات ونهابي الثروة الوطنية، والجنرالات الذي تركوا حماية الحدود ودخلوا بدباباتهم الى الحارات ومفارق الطرق ضد الاشباح والملثمين. اما المسرح فهو بلاد تمتد من نقطة في اعلى زاخو يحرسها رجل من البيشمركة الى ساحل في ادنى الخارطة يحمل اسما انثويا، ام قصر.
كل الحروب الاهلية تندلع من شرارة صغيرة في وقت ما قد يكون غير مناسب ولا احد يعرف من الذي اختاره، وفي مكان ما قد يكون مزبلة، لا احد يجهل رائحتها وسمعتها، وسرعان ما تتحول هذه الشرارة الى لهيب عارم تلقمه الافعال وردود الافعال حطبا وضراوة، لكي تنتهي الى حرب الشعب الشاملة مع نفسه.. آنذاك فان الدم لا قيمة له.. ارخص من الماء.
وفي كل الحروب الاهلية ثمة شعارات ومطاليب تبدو انها مشروعة وعادلة وتستحق التضحية وضرورية بالمقاييس السياسية (المصلحة العليا. هيبة الدولة. حقوق الانسان. وقف التمييز. تحقيق العدالة. فرض القانون. الكرامة. غسل العار. التغيير السياسي..الخ) لكنها تنسحب من مبرراتها شيئا فشيئا، وتتساقط مفراتها الخادعة يوما بعد اخر حتى تصبح مارشات عسكرية وهوسات ونداءات انتقام وقتل وطبول حرب، واسياد مدججون بكل نذالات السياسة.
الحروب الاهلية يلزمها تمرين، او سلسلة تمارين، يتدرب فيها المقاتلون على استرخاص الدم، ويختبر فيها الاسياد والوكلاء والدعاة طاقاتهم الخطابية الرنانة، وتنشط خلالها خطوط التجارة الخلفية عبر الحدود، فترفع فواتير السلاح وحبوب الهلوسة، وتخفـّض، بمقابل ذلك اسعار البشر، فيما تجد مصدر عيش مجزٍ لحفاري القبور وباعة الاكفان وقراء ديباجات توديع القتلى في حفر تعد على عجل.
في الحويجة مسرح اللامعقول لتمرين خطير على حرب اهلية شاملة.. او -في حقيقة الامر- مسرح المعقول في نسخته العراقية: جنرات يهددون بالزحف الى الحويجة، ومهووسون في الجهة الثانية يهددون بالزحف الى بغداد، وفي ساعة الصفر حقق التمرين على حرب اهلية اولى نجاحاته، فقد سال الدم وارتفعت الاصوات بالانتقام.. وبدأت معامل الكارثة بتصنيع جيل جديد من الاصنام، وخارطة للعاقبة.. وما ادراك ما العاقبة.
********
“لا يمكنك مصافحة يد مقبوضة”.
انديرا غاندي