فبراير 5, 2025
Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

جاء في کتاب الرسول الأعظم على لسان حفيده الإمام زين العابدين للسيّد محسن  الحسيني الأميني: الشهادة على الناس: قلت: أمّا عدم إجتماعهم على الخطأ فمسلّم، لكن لا من حيث عصمتهم حال إجتماعهم عن الخطأ كما يزعمه المخالفون القائلون بجواز الخلوّ عن المعصوم، بل من حيث دخول المعصوم فيهم، لأنّ تحقّق الإجماع كاشف عن دخوله، والمسألة مستوفاة في كتب الأصول. هذا والحقّ: انّ المراد بالشهادة، الشهادة في الآخرة وبالشهداء الأئمّة المعصومين عليهم السلام لما روي عن الصادق عليه السلام: إنّه قال: ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأُمم الماضية؟ كلاّ لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني الأُمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران 110) وهم الأئمّة الوسطى وهم خير أُمّة اُخرجت للنّاس. وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل: بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي، عن عليّ عليه السلام: إنّ الله تعالى إيّانا عنى بقوله: “لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” (البقرة 143) فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء على خلقه وحجّته في أرضه، ونحن الذين قال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا” (البقرة 143). وروى ثقة الإسلام في الكافي بسنده، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام قوله: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” (البقرة 143) قال: نحن الأُمّة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه. وبسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نحن الشهداء على الناس بما عندهم من الحلال والحرام، وبما ضيّعوا منه. وعلى هذا فالضمير في جعلنا، من قوله (وجعلنا شهداء على من جَحَد) للأُمّة بإعتبار بعضهم الذين هم الأئمّة عليهم السلام. قال بعض العلماء: فإن قلت: ما حقيقة هذه الشهادة وما فائدتها مع أنّ الله تعالى عالم الغيب والشهادة؟ قلت: أمّا حقيقتها: فيعود إلى إطّلاعهم صلوات الله عليهم على أفعال الأُمّة. وبيان ذلك: إنّ للنّفوس القدسيّة الإطّلاع على الاُمور الغيبيّة والإنتقاش بها مع كونها في جلابيب من أبدانها، فكيف به قبل ملابستها لها وبعد مفارقتها لهذا العالم والجسم المظلم، فإنّها إذن تكون مطّلعة على أفعال جميع الأُمم ومشاهدة لها من خير وشر.

يقول السيّد محسن  الحسيني الأميني: قوله عليه السلام: (وكثّرنا بمنّه على من قلّ) كثرت الشيء تكثيراً وأكثرته إكثاراً: جعلته كثيراً، أي جَعَلَنا كثيرين وافرين العدد، دون سائر الأُمم الذين هم قليلون بالنسبة إلينا، وعدّى كثّر بـ (على) لتضمينه معنى التفضيل، كأنّه قال: كثّرنا بمنّه مفضّلاً لنا على من قلّ. وتكثيرنا، إمّا بإعتبار كون شرعه عليه السلام مؤبداً إلى يوم القيامة، فتكون أُمّته مستمرّة لا إنقطاع لها إلى إنقضاء الدنيا، بخلاف سائر الأُمم، أو باعتبار شمول رسالته إلى العرب والعجم والإنس والجنّ، أو باعتبار البركة في النسل كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (تناكحوا تناسلوا فإنّي مكاثر بكم الأُمم يوم القيامة) ، أو باعتبار بقاء معجزه الذي هو القرآن إلى آخر الدهر. وبالجملة، فقد عدّ العلماء من خصائصه عليه السلام، كونه أكثر الأنبياء تابعاً. وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (ما من الأنبياء نبيّ إلاّ اُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الذي اُوتيت وحياً أوحاه الله إلّي فأرجو أنّي أكثرهم تابعاً يوم القيامة). وهذا الخبر يؤيّد الإعتبار الأخير. وفسّر قوله تعالى: “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ” (الكوثر 1) بالكثير من أولاده وأتباعه عليه السلام. ويحتمل: أن يراد بالكثرة: الثروة، وبالقّلة: الفقر، يقال: رجل مُكثر، إذ كان ذا مال، كما يقال: رجل مُقلّ، إذا كان فقيراً: أي جعلنا مكثرين موسرين، فائقين على من كان فقيراً مُقلاً. ويحتمل أن يراد بهما: العزّة والذلّة، إذ كان من الشائع أن يكنىّ بالكثرة عن العزّة وبالقلّة عن الذلّة، أي أعزّنا على من ذلّ. قال الزجاج في قوله تعالى: “وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ” (الأعراف 86): يحتمل كثرة العدد بعد القلّة، وكثرة العُدد بعد النزارة، وكثرة القدرة والشدّة بعد الضعف والذلّة. وقال الزمخشري: (أي واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم فكثرّكم الله ووفّر عددكم، ويجوز إذ كنتم فقراء مقلّين فكثّركم فجعلكم مكثرين موسرين، أو كنتم أقلّة أذلّة فأعزّكم بكثرة العَدد والعُدد).

وعن دعاء الامام علي زين العابدين عليه السلام يقول السيد الأميني في كتابه: (إِمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ) (إمام الرّحمة) بدل من محمّد، أو عطف بيان عليه و (الإمام) ما يقتدى به من رئيس أو غيره فيطلق على الخليفة، والعالم المقتدى به، ومن يؤتم به في الصّلاة، ويستوي فيه المذكّر والمؤنث. قال بعضهم: وربما أنّث إمام الصّلاة فقيل: إمرأة إمامة، وقيل: الهاء فيها خطأ والصواب حذفها لأنّ الإمام اسم لا صفة. وقال بعضهم: لا يمتنع أن يقال: إمرأة إمامة لأنّ في الإمام معنى الصفة. و (الرحمة) قيل: هي ميل القلب إلى الشفقة على الخلق والتلطّف بهم. وقيل: هي إرادة إيصال الخير إليهم: وإضافة الإمام إليها، إمّا بمعنى اللام الإختصاصية، أي إمام للرحمة، والمعنى: الإمام المختص بالرحمة، أو بمعنى (من) البيانيّة أي إمام من جنس الرحمة، والمعنى: الإمام الذي هو الرحمة كأنّه نفس الرحمة مبالغة، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء 107). قال أهل العربيّة: يجوز أن تكون رحمة، مفعولاً له أي لأجل الرحمة، وأن تكون حالاً مبالغة في أن جعله نفس الرحمة، وإمّا على حذف مضاف أي ذا رحمة، أو بمعنى راحم. وفي الحديث: (أنا نبيّ الرحمة) وفي آخر: (إنّما أنا رحمة مهداة). وتفصيل هذه الرحمة من وجوه: أحدها: أنّه الهادي إلى سبيل الرشاد، والقائد إلى رضوان الله سبحانه، وبسبب هدايته يكون وصول الخلق إلى المقاصد العالية، ودخول جنّات النعيم التي هي غاية الرحمة. الثاني: أنّ التكاليف الواردة على يديه أسهل التكاليف وأخفّها على الخلق بالنسبة إلى سائر التكاليف الواردة على أيدي الأنبياء السّابقين لاُممها. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (بعثت بالحنيفيّة السمحة السهلة)  وذلك عناية من الله تعالى ورحمة اختص بها أُمّته على يديه. الثالث: أنّه ثبت أنّ الله يعفو عن عصاة أُمّته ويرحمهم بسبب شفاعته. الرابع: أنّه سأل الله أن يرفع عن أُمّته بعده عذاب الإستيصال، فأجاب الله دعوته ورفع العذاب رحمة. الخامس: أنّ الله وضع في شرعه الرّخص تخفيفاً ورحمة لأُمّته. السادس: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم رحم كثيراً من أعدائه كاليهود والنصارى والمجوس، برفع السيف عنهم، وبذل الأمان لهم، وقبول الجزية منهم. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من آذى ذمّياً فقد آذاني) ولم يقبل أحد من الأنبياء الجزية قبله. السابع: إنّ الله تعالى أخّر عذاب من كذّبه إلى الموت، أو القيامة كما قال الله تعالى: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ” (الأنفال 33) وكلّ نبيّ من الأنبياء قبله كان إذا كذب أهلك الله من كذّبه إلى غير ذلك من الوجوه التي لا تكاد تحصى كثرة. فان قلت: كيف كان رحمة وقد جاء بالسيف وإستباحة الأموال؟ حتّى قال في حديث آخر: (أنا نبيّ الملحمة) أي القتال. قلت: إنّما جاء بالسيف لمن جحد وعاند وأراد خفض كلمة الله ولم يتفكّر ولم يتدبّر، ألا ترى إنّه كان عليه السلام لا يبدأ أحداً بقتال حتّى يدعوه إلى الله وينذره، ومن أسماء الله تعالى الرحمن الرحيم، ثمّ هو المنتقم من العصاة فلا شكّ إنّه عليه السلام كان رحمة لجميع الخلق، للمؤمنين بالهداية وغيرها، وللمنافقين بالأمان، وللكافرين بتأخير العذاب، فذاته عليه السلام رحمة تعمّ المؤمن والكافر.

يقول السيّد محسن  الحسيني الأميني: وروي إنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لجبرئيل لما نزل عليه بقوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء 107): هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم كنت أخشى سوء العاقبة فأمنت إن شاء الله بقوله تعالى: “ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ” (التكوير 20-21). قوله عليه السلام: (وقائد الخير) قاد الدابة قوداً، من باب قال، وقياداً: إذا تقدّمها آخذاً بقيادها وهو خلاف السَوق، ومنه: قائد الجيش لأميرهم كأنّه يقودهم، وجمعه: قادة وقوّاد. وقد يقال للدليل أيضاً: قائد بهذا الإعتبار. و (الخير) قيل: هو شيء من أعمال القلب نوراني زائد على الإيمان وغيره من الصفات المرضية، يدلّ على ذلك ما في حديث أنس: (يخرج من النار من قال: لا إلٰه إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن مثقال ذرّة).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *