حسن العكيلي
عامان مضت وهدوء الليل مكبل بالظلام . لا القمر يعانق عبق الورد ولا النجوم تسبح بسلام.
عامان تبعثرت ايامها كمسبحة تناثرت حباتها بين الرمل والزجاج المهشم والركام. وانا بين الثواني والدقائق يطحنني الوقت المتبقي حبة قمح ينثرني طحينا فوق الشوك وبين متون الجبال السوامق
ماعدت أطيق صداع الرأس وجع الغربة فاس يحصد احلام الامس . اقلب اوراق الصيف الباهت وثنايا الشتاء الصامت.
عن اوراق ذابت وسط الماء . وحكايا تلاشت اشلاءا وسط لهيب الحر القائض ووخز حراب البيداء..
لن اسمح للغربة ان تمسح سطرا يتشبث بالارض يقاوم اعصار النسيان.. يتكأ فوق نصل الرمح المتوقد بالالم ومجمرة النيران ..
لكني اخشى من سطوة رمل الميناء ان يدفعه الموج العاصف ويعيث خرابا بالاحلام المتطلعة لغد اكثر اشراقا
فالذكرى المنقوشة فوق جذوع الاشجار لن تصمد امام رياح التغيير فوقع حوافر خيل السنين ..قادرة على محو رسوم الذكرى وتغيير ملامح وجه الانسان
عامان مضت من عمري والقمر لايكمل اشراقته والضوء النازل فوق ربوع الافق يعاني اصفرار الوجه وذبول الوجنات
صار اللون الاسود رفيق المكان والميناء الطارد للسفن العاشقة لشم عطور تراب الساحل… ما اصعبها من ايام.. عيني لم يغمض لها جفن. وقلبي قلق كسير اسير الاوهام
ما اكثر كتبي المرسلة اليها .. واجوبتي للبحر عن شغفي وقلقي المفرط عليها. مااكثر ما خط القلم من قصائد شعر ورسائل نثر تتمنى ان تصبح خاتم ذهب بيديها.. او قرطا من فيروز بأذنيها
ولكن صار البحر ستارا يعيق الرؤية.. ويقف كالجبل السامق حتى لا اعرف اخر اخبار الاحباب
اوما سئمت البعد.. وفقدت الرشد. من رحلات لم تجدي نفعا غير الارق ولفح سعير المنفى الموشوم بالغضب في كل الاوقات
كأنك ذائبة ليل الصمت المطبق . والوحدة بين سطوح الاهات.
مقلتك الشاحبة يختبأ تحتها جميع أحزان الشجر. ووجنتك الذابلة توجز تاريخ القهر المختبأ بين ثنايا الواح الطين وفوق سطور الورق اليابس.
منذ زمان لم نحضى برؤية وجهك. وما عادت اذناي تسمع صوتك
ايتها الحاضرة في ذاكرة الزنبق . والمرسومة فوق ضفاف العشق بيتا قلبا يحتضن جميع الناس.
حين تمادى الفراق وراح يعنف ورق الورد المتفاخر بعنفوان شبابه بكيت حتى جفت مأقي العيون.. وانطفات ليال رائعة كانت حبلى بالود ولا تعرف طعم الرتابة .
ياامراة ذابت عشقا بجمال الافق وازرقاق البحر ورقرقة الموج المتلهف للثم شفاه الساحل..
أوما تعبت اجنحة الطير الباحث عن ارض يستأنس فيها يبني فوق الاغصان العالية اعشاش المستقبل . مساكنها تسبح تحت الضوء يحملها البحر فوق يده اليمنى ابريقا من ذهب.. والاخرى طوقا من ياقوت. مرابعها الخضر ليل مزدحم بالالوان ربيع لايعرف شكل الخريف… يزدان بابهى الحلل الساحرة والسماء الصافية وسمفونية زقزقة الاطيار المسحورة بالاجواء.
عامان مضت وانا انظر من خلف الباب من اعلى قمة جبل تلتصق بجسد الساحل. من سطح فنار الميناء الاوحد. امنيتي ان تهبط واحدة من طيور النورس او حمام الزاجل.. يحمل لي خبرا يثلج لي صدري ويحيي الحلم الميت في اعماقي.. لكني لم احضى بصوت هديل الحمائم. ولم اسمع يوما زقزقة صفير البلابل ولم تتوقف واحدة من سفن المعمورة بين ضلوع الميناء . ولم اسمع صوتا انسيا يملأ اجواء القاعة بالفرح العارم
امنيتي ان اعرف سر الغياب وسر الضياع وسط الظلام القاتم
حرام ان يفنى عمرك وسط الغابات المحفوفة بالخطر الدائم
هل ترضي بحياة الذل وسط السجن من دون حراك
عودي سريعا سيدتي …قلبي العليل سيشفى حين يراك