البعد الأخر لقراءة سردية قبلة الصدمة والترويع التي اهتزت لها عروش حكومة نتنياهو والمجتمع الإسرائيلي

صباح البغدادي

المشاهد اليوم التي تناقلتها معظم وسائل الإعلام “المرئية والمسموعة والمقروءة” وفي مشهد لافت وغير مسبوق، قبّل جندي إسرائيلي أسير رأس اثنين من عناصر كتائب القسام أثناء تسليم الأسرى للصليب الأحمر في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة والأسرى الذين تم تسليمهم في مخيم النصيرات وسط حشد عسكري وشعبي هم كل من: ” إيليا كوهن، وعومر شيف توف، وعومر فنكرت ” تلك المشاهد العفوية التاريخية لم تكن سناريوهات معدة ومتفق عليها مسبقا لغرض الدعاية استغلالها وإنما كانت تجسد عن مدى ما وصلت اليها العلاقات الإنسانية حتى وان اختلفت الأديان والظروف التي جعلت من هؤلاء الجنود اسرى ويخيل اليك من لغة الجسد وتعابير السعادة والفرح التي ارتسمت على وجوههم بانهم كانوا في ضيافة أبناء عمومتهم وليسوا اسرى وهاذا ما نعكس بصورة إيجابية عن ردة فعل الجندي الإسرائيلي وهو يطبع قبلة من رد الجميل والعرفان على حسن المعاملة التي تلقاها وهو في طوال فترة الأسر من هؤلاء المقاتلين والتي امتدت لأكثر من خمسة عشر شهرآ .

مشاهد الحدث اللافت والتي شاهدناها مباشرة من على شاشات التلفزة والقنوات الإخبارية وتناقلتها معظم وسائل الإعلام “المرئية والمسموعة والمقروءة” الذي شهدته اليوم السبت 22 شباط منطقة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، برز مشهد إنساني غير مسبوق وعلى نطاق واسع. فقد أقدم جندي إسرائيلي أسير، تم الإفراج عنه، على تقبيل رأس اثنين من عناصر كتائب القسام التابعة لحركة حماس، وذلك أثناء عملية تسليم الأسرى للصليب الأحمر. والأسرى المفرج عنهم، وهم كل من:” إيليا كوهن، وعومر شيف توف، وعومر فنكرت “، كانوا محاطين بحشد عسكري وشعبي، وفي لحظة بدت وكأنها تعكس عمق الطبيعة البشرية التي تميل دومًا نحو المحبة والسلام والأخوة، حتى في خضم الصراعات واختلاف العقائد والانتماءات الدينية.

لم تكن هذه المشاهد العفوية مجرد سيناريوهات دعائية معدة مسبقًا، بل كانت في طبيعتها تجسيدًا حيًا للعلاقات الإنسانية التي تتجاوز الحواجز الدينية والسياسية. فقد أظهرت لغة الجسد وتعابير الفرح والارتياح على وجوه الأسرى المفرج عنهم مدى الراحة النفسية التي شعروا بها، وكأنهم كانوا في ضيافة أقارب لهم وليس في ظل الأسر. هذا المشهد يعكس بجلاء كيف يمكن للمعاملة الحسنة أن تؤثر إيجابيًا على النفس البشرية، حتى في أحلك الظروف. وترسل رسائل قوية وصريحة الى الجانب الأخر المعادي لوجودهم على أرضهم التاريخية والتي بدوره يتحين الفرص ويخلق العراقيل والمشاكل في سبيل ان يتم تهجيرهم الى غير رجعة من أرضهم التاريخية وعلى الرغم من أن أمضى هؤلاء الأسرى أكثر من خمسة عشر شهرًا في الأسر، ومع ذلك، بدا أن الجندي الإسرائيلي، من خلال تلك القبلة التي طبعة على الجبين العفوية التلقائية، كأنما يترجم من خلال هذه الحركة ويعبر عن مدى امتنانه وتقديره للمعاملة الإنسانية التي تلقاها خلال تلك الفترة الطويلة.

إذ تكمن أهمية هذه اللحظة في رمزيتها وأبعادها الإنسانية العابرة للحدود، والتي يجب أن تُحفظ في إطارها الأصيل بعيدًا عن محاولات البعض لتسيسها أو جرّها إلى مستنقع الجدل والتكبر على الأخرين، كما نشاهده من خلال متابعتنا عن كثب لما كتب لغاية الإن في معظم مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي. إن هذه القبلة لم تكن مجرد ردة فعل عابرة، بل انعكاسًا لتكوين الشخصية الإنسانية التي تستطيع استيعاب الظروف المعقدة، بل وتحويلها إلى تعبير عن الامتنان والتفهم. ورغم القصف الإسرائيلي المستمر للمنطقة، والذي لم يأبه بمصير الأسرى – سواء عادوا أحياء أم جثثًا – فإن توفير مقومات الحياة من غذاء ودواء لهؤلاء الأسرى من قبل مقاتلي القسام يبرز تناقضًا صارخًا مع الصورة النمطية التي يحاول الإعلام المسيس المتشدد واليمين المتطرف الإسرائيلي الترويج له.

في سياق الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، يبرز لنا تساؤل جوهري يستحق منا التأمل فيه وطرحه للراي العام مفاده بأن: هل توقف القادة الإسرائيليون يومًا ليسألوا أنفسهم عن السبب الذي يجعل أسراهم المفرج عنهم من غزة يعودون دون أن يحملوا في قلوبهم حقدًا تجاه المقاومة الفلسطينية؟ بل إنهم يظهرون حالة من الارتياح النفسي والجسدي والمعنوي، في تناقض صارخ مع المشهد الأخر وما يعانيه الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم من سجون ومعتقلات إسرائيل، حيث نراهم يخرجون مثقلين بأمراض مزمنة وآثار تعذيب واضحة ونفسيتهم محطمة وكأنه منهاج دراسي يأخذونه هؤلاء الأسرى كل يوم من قبل سجانيهم. هذا التباين في مشهد رمزية الصورتين يكشف لنا عن معركة أخلاقية تضع إسرائيل في مرتبة متدنية، تكاد تكون الأخيرة، في سلم الإنسانية.

وتبرز هذه الفجوة الأخلاقية بوضوح في حالة الأسير الروسي / الإسرائيلي ألكسندر تروبنوف، الذي كان يتمتع بتناول الموز – وهو سلعة نادرة وغالية الثمن في غزة المحاصرة – بل ويمارس صيد الأسماك على شاطئها قبل ساعات قليلة من الإفراج عنه. هذه الصورة تعكس مستوى المعاملة الإنسانية التي تلقاها، والتي تتجاوز الحدود الدينية والسياسية، مؤكدة أن الطبيعة البشرية تميل بفطرتها نحو الرحمة والتآخي حتى في خضم الصراع. في المقابل، يصر المسؤولون الإسرائيليون على نهج مغاير، حيث يعلنون بلا مواربة أنهم “لن يغفروا ولن ينسوا”، بل ويذهبون إلى حد طباعة هذه العبارة كشعار على ظهور الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، في محاولة لترسيخ منطق القوة والانتقام.

لكن الرد جاء من عائلات الأسرى الإسرائيليين أنفسهم، التي أعلنت أنها لن تنسى ما تسببت به حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي من معاناة لأبنائها. فقد اتهموا الحكومة بتعمد وضع العراقيل أمام عمليات الإفراج عن الأسرى، خوفًا من أن يؤدي نجاح هذه العمليات إلى زعزعة استقرار كرسي رئاسة الوزراء. هذا الموقف يكشف عن تناقض داخلي عميق، حيث تتجلى الأولويات السياسية على حساب القيم الإنسانية، بينما تظل المعاملة الرحيمة من جانب المقاومة شاهدًا على أن الإنسان، في جوهره، يسعى للسلام والعيش الكريم، حتى في أقسى الظروف.

في هذا السياق، يتعين على الحكومة الإسرائيلية استثمار هذه اللفتة الإنسانية لتحسين صورتها، التي لطالما ارتبطت بممارسات التنكيل والتعذيب وسوء الأوضاع الصحية للأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات. كما ينبغي لعوائل الأسرى والمجتمع الإسرائيلي، بدعم من وسائل الإعلام المحايدة وغير المسيسة، أن يضغطوا على حكومتهم للاستفادة من هذه المشاهد في دفع عملية الإفراج عن بقية الأسرى قدمًا، والالتزام بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين حركة حماس وإسرائيل. ويشمل ذلك التقيد بالمراحل الثلاث للاتفاقية كما أُقرت، لضمان استمرار هذا الزخم الإنساني الذي يعكس جوهر الطبيعة البشرية في السعي نحو السلام والتآخي، بغض النظر عن الاختلافات العقائدية أو السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *