
عزيز الخزرجي
مقياس الجّمال في تحديد القوانين عبر الفلسفة الكونيّة
سبق و إن عرضنا بعض المقدمات عن حقيقة الجمال و ماهيته في الفلسفة الكونية, و هنا سنقدم لكم معلومات أخرى في إطار الفلسفة و رأي الفلاسفة و ختام النظريات التي حدّدناها بآلفلسفة الكونية العزيزية.
الفلسفة تشير إلى أنها علم يرتبط بطبيعة الإنسان و الخلق و علاقتهم بآلوجود و رغبتهم في معرفة المعرفة لكشف الممكن من خفايا الوجود و إسراره.
و كلمة (فلسفة) هي كلمة يونانية المنشأ مشتقة من جزئين، (فيلو) و تعني (المحب)، و(سوفيا) وتعني (الحكمة), وبالتالي، تعني الكلمة (المحب للحكمة), و يعادلها في الأسلام (علم الكلام) كما ورد في مناظرات المعتزلة و الأشاعرة و مدارسهم المختلفة, و أصل كل ذلك يعود إلى كتاب الله و النصوص التي وردت في أحاديث الأئمة العظام.
تمّ تعريف الفلسفة بطرق مختلفة عبر التاريخ؛
في البداية، كانت تُركز على التفكير و البحث في منشأ و جذور الوجود و الخالق و مكونات الكون!
ولكن بعد إتهامها بالتضليل للإنسان و مخالفتها للعقائد؛ تغير تعريفها و مسارها بعض الشيئ!
بدأ التغيير منذ أيام سقراط بآلتزامن مع النصوص السماوية التي نزلت في ذلك العهد, عندها أصبحت الفلسفة نوعاً من التفكير و البحث في طبيعة الإنسان و إيمانه بالخالق و إثبات وجوده بواسطة العقل, و التوصل إلى نظريات لكشف المعارف و الأسرار, و قد رافق تطور خطير, حيث تمّ حذف الكثير من الملاحم و القصص التي عاشها الأنبياء, بعد ما نسبوها للملوك و جعلوها بمثابة ملاحم و قصص خارقة, لتعظيم شؤونهم, لذلك فقدنا الكثير من الحقائق التأريخية والفلسفيّة.
تعتمد الفلسفة على العقل والمنطق, و بما أنه لا يوجد تعريف محدّد للفلسفة بذاتها؛ لذا يمكن تعريفها على أنها المعرفة و حب الاستطلاع و الرغبة في اكتشاف أسرار الحياة من حولنا.
لذلك سعينا إلى تثبيت أسس الفلسفة و قوانينها بنظرية خاتمة أسميناها بـ (نظرية الفلسفة الكونيّة العزيزيّة),و التي منها حدّدنا تعاريف أساسيّة للمسائل المصيرية التي ترتكز عليها الحياة و القيم و العلاقات و السعادة و إرتباطنا بأصل الوجود.
فمثلا ً.. تعريف الجّمال الذي تنوع فيه آراء الفلاسفة سواءاً المشتقة من النصوص أو الإبداعية, قد حدّدناها في الفلسفة الكونيّة بكون أصله يرجع إلى الكلمة اليونانيّة، التي تشير إلى العلم المتعلّق بالإحساس و آلتعرف على الأشياء من خلال الحواس, و يُطلق عليه أيضًا اسم (الإستاطيقا) و (فلسفة الفن).
بينما تعريفنا للجمال قد تحدد من خلال أبعاد أخرى تتعدى مجرد الحواس و الماديات و الشكليات إلى مسائل أعمق تتعلق بآلبصيرة!
و قد قدم (هربرت ريد) تعريفًا للجمال يعتبره (وحدة العلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا), أو ما يعبر عنه بـ: الهارمونيك .. أو التناسب.
في الماضي، كان الجمال فرعًا من فروع الفلسفة، حتى جاء الفيلسوف (بومجارتن) و فرَّق بين علم الجّمال وباقي المعارف, و قد إعتمد على تعاريف الفلاسفة القدماء و فلاسفة العصر الوسيط.
تاريخ علم الجمال يشير إلى أن فلسفة الجّمال كانت في الأصل مرتبطة بنظريات الكون و اللاهوت, و مع ذلك، اقتربت عبر التاريخ من نظريات المعرفة والأخلاق.
نشأ علم الجمال مع نشوء الفلسفة .. مع الفلاسفة القدماء في اليونان كسقراط و أفلاطون و غيرهم، و لا يمكن فصله عنها؛ حيث يستمد أصوله من المذاهب الفلسفية الأولى التي ظهرت في عهد الفلاسفة السبعة, لكن البعض يُعتبر علم الجّمال علماً نشأ حديثًا بعد فترة طويلة من التأمل الفلسفيّ و مروره بآلمراحل الفلسفية الستة، و الحقيقة هي علم قديم و لكن حديث في نشأته كموضوع أساسي يرتبط بحياة الأنسان و الكون و الوجود، حيث لم يتمّ التعرف عليه بشكل مستقل في الأصل إلا بشكل عام خلال القرون الوسطى، و لكن تمّ التركيز عليه مؤخراً خلال القرنين الماضين نظراً لدوره في تحديد الخير و الحقيقة و تحقيق آللذة.
تاريخياً؛ ظهرت نظريّات الجّمال لدى الفلاسفة بأشكال مختلفة حدّدنا في ستة مراحل ضمن (الفلسفة الكونية العزيزية), إعتماداً على الفلسفة الفيثاغورية، حيث تميّزت بفكرة الثنائية بين الوجود المعقول و الوجود المحسوس، و قد صاغوا الأفكار الفلسفيّة بصيغة رياضيّة لكون الرياضيات أم العلوم, أما نظرية جورجياس، فتركز على دور الجمال الفني في إحساس الإنسان و اللذة الحسّيّة التي يوفرها الفن و الخيال, مشيراً إلى أنّ الفن يستند إلى الوهم و لا يعتمد على الحقيقة, بعكس ما ذهب إليه فيثاغورس!
أما سقراط، بدوره، فقد أولى اهتمامًا أكبر لجمال النفس و الأخلاق بدلاً من الجمال الحسيّ، وأعتبر أنّ الجّمال هو ما يحقق الفائدة الأخلاقيّة و الأدبية, و يخدم الحياة الإنسانية.
أما أفلاطون, فقد ربط الجمال بالحُب الإلهي و رأى أنّ الفنون تستمد جمالها من محاكاتها للطبيعة، و لكنه اعتبر هذه المحاكاة ناقصة لأنها تحاول الوصول إلى العالم المثالي, و هكذا إعتقد أكثر العرفاء فيما بعد كآلشيخ الأكبر إبن عربي و با يزيد البسطامي و الحسين بن منصور و غيرهم.
و قد إعتمدت فلسفتنا الكونيّة في جانب هام منه كأساس على هذه النظريّة الكونيّة التي وحدها عكست الحقيقة الأخلاقية الألهية سواءاً على الخلق أو العلاقات أو المصير أو تحديد القوانين لتنظيم أمور المجتمع, لأن أصل كلّ الوجود بما فيها المجرّات هي ليست ماديّة صرفة و ملموسة ليتم تقنينها كما يعتقد اهل العلم, إنما منشأها و حقيقتها حتى المادية منشأها ذرّي و لو حلّلنا مركبات الذرة المعروفة فأنّ أصل مكوّنات عناصرها العلمية المعروفة الـ 23 عنصر هي غير ماديّة لتعرفها حواسنا لمعرفة طرق التعامل معها؛ فأنها غير ماديّة, و هذه مسألة كبيرة و هامة و في غاية الحسّاسيّة و الخطورة لو أردنا أن نتعامل معها إقتصاديّاً أو إجتماعيّاً أو سياسيّاً لتحديد قوانينها بشكل عادل و دقيق و صحيح لتنتظم الدساتير المثاليّة لإدارة حياة الناس و المجتمعات عبر (مقياس قانون الجّمال), و لعل هذا الأمر المفقود حالياً في دساتير أكثر دول العالم و في دساتير بلادنا خصوصاً, هو السبب في مأساة و محنة الأنسان و ظاهرة العنف و الفوارق الطبقية و الحقوقية.
العارف الحكيم.