أعداد وتحليل وتقديم صباح البغدادي
عند قراءتي لبنود هذا الاتفاق المبرم بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والرئيس أحمد الشرع، يتكون لدى المرء انطباع بأن الصياغة جاءت متسرعة وعشوائية إلى حد ما، مما يثير تساؤلات حول عمقها ودقتها. كان من الممكن أن تكون النقاط الثماني التي شملها الاتفاق أكثر شمولية وتأصيلاً واقعياً، لتعكس تعقيدات المشهد السوري بصورة أوضح. ومع ذلك، يمكن تفهم هذا التسرع إذا أخذنا في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي أحاطت بالحكومة الانتقالية، حيث كانت تواجه وضعاً بالغ الحراجة والخطورة والحساسية. فلو لم تُبادر الحكومة إلى عقد هذا الاتفاق بسرعة، لربما تدهورت الأمور نحو منحى أكثر سوءاً، قد يصل إلى حد الاقتتال الداخلي بين الطوائف ومكونات النسيج الاجتماعي السوري المتنوع، وهو ما كان سيُشكل تهديداً وجودياً للوحدة الوطنية.
في ضوء ذلك، يبرز لنا وحسب متابعتنا ورؤيتنا بانه سيكون درس جوهري للحكومة السورية في المستقبل: في مثل هذه اللحظات المفصلية، يصبح من الضروري الاستعانة بمستشارين متخصصين في القانون والدستور، يتمتعون بخبرة واسعة وكفاءة عالية وسمعة طيبة في النزاهة. هؤلاء المستشارون يمكن أن يشكلوا دعامة أساسية، تساعد على صياغة اتفاقيات أكثر تماسكاً ومتانة، تحمي مصالح الجميع وتجنب البلاد مخاطر التفكك أو الانزلاق إلى هاوية الصراعات الداخلية.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر سوف نستعرض الفقرة الاولى من هذا الاتفاق والتي اتت بهذه الصيغة التالية :” ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية”. ولكن نحن نرى بان هذه الفقرة تكون صيغتها كالاتي:” ضمان تمتع جميع السوريين بحقوقهم الكاملة في المشاركة والتمثيل العادل في كافة المؤسسات الوطنية، على أساس الكفاءة والجدارة المهنية، دون أي تمييز يستند إلى الخلفيات الدينية أو العرقية أو الثقافية، بما يعكس التعددية الاجتماعية للشعب السوري ويرسخ مبدأ المواطنة المتساوية كأساس للحكم والإدارة”.
لذا فان في تشخيصنا للتسرع والارتجالية ومن حيث شكل الاتفاق وصياغته العامة، لكن يمكن أيضاً النظر إلى هذا التسرع كضرورة استراتيجية فرضتها الظروف، وليس فقط كعيب في التخطيط. الاختبار الحقيقي سيكون في مرحلة التنفيذ، حيث ستظهر مدى جدية الدراسة التي سبقت هذه الخطوة – أو غيابها.
ومن خلال رؤيتنا الى ناحية، النص الرسمي للاتفاق كما نُشر (على سبيل المثال، في بيان الرئاسة السورية ) يتضمن نقاطاً عامة مثل “ضمان حقوق جميع السوريين” و”دمج المؤسسات المدنية والعسكرية” و”وقف إطلاق النار”، دون الخوض في تفاصيل تنفيذية واضحة أو آليات محددة. هذا الغموض قد يشير فعلاً إلى أن الاتفاق جاء كاستجابة سريعة لضغوط اللحظة، مثل تفادي التصعيد العسكري أو الاضطرابات الطائفية، بدلاً من كونه نتاج مفاوضات معمقة ومدروسة.
ومن ناحية أخرى، يمكن بتصورنا بان السياق السياسي والعسكري الذي أحاط بالاتفاق يظهر أن سوريا كانت في مرحلة انتقالية حرجة، مع تهديدات داخلية (مثل الاشتباكات في اللاذقية) وخارجية (مثل الضغوط التركية والأمريكية) وهذا قد لنا يبرر التسرع كخطوة ضرورية لتثبيت الأوضاع، مما يجعل القرار مفهوماً حتى لو كان ناقصاً في العمق ، ولكن ذلك لا ينفي لنا أن الإعداد السريع قد ترك ثغرات قد تعيق التنفيذ لاحقاً.
- بدورنا ومن وجهة نظرنا نحن نعتقد بان كان يجب أن يكون اعلانآ واضحآ حول اتفاقًا أوليًا موقعآ بالاحرف الاولى ؟
بأن يُعلن الاتفاق كـ”اتفاق أولي بالأحرف الأولى” لانه بنظرنا يحمل منطقًا استراتيجيًا. فلو تم تقديمه كخطوة تمهيدية تليها مفاوضات أعمق خلال أيام أو أسابيع، لكان ذلك ربما منح الفرصة لاستشارة مختصين في القانون الدولي، والسياسة، والاقتصاد، فضلاً عن تمثيل أوسع للمكونات السورية المختلفة. هذا النهج كان سيسمح بصياغة بنود أكثر وضوحًا وواقعية، خاصة فيما يتعلق بآليات تنفيذ الدمج العسكري والمدني، وتوزيع الموارد مثل النفط والغاز، ومعالجة مخاوف الأطراف الإقليمية مثل تركيا التي لا تزال تعتبر “قسد” تهديدًا أمنيًا.
في الواقع، غياب التفاصيل التنفيذية في النص المعلن قد يثير مخاوف من أن الاتفاق يظل مجرد إعلان نوايا، وليس خطة عمل ملزمة. على سبيل المثال، كيف سيتم دمج مقاتلي قسد في الجيش السوري؟ هل سيكون ذلك كأفراد أم كوحدات منظمة؟ وما مصير السجون والمرافق التي تسيطر عليها قسد حاليًا؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة لضمان نجاح الاتفاق على أرض الواقع.
ولا يمكن تجاهل أن التوقيع جاء بعد أيام قليلة من أعنف المواجهات منذ سقوط نظام بشار الأسد في ك1 2024، حيث شهدت الساحل السوري اشتباكات دامية بين قوات الأمن وموالين للنظام السابق. هذا السياق ربما دفع الحكومة الانتقالية لتسريع الخطوات نحو توحيد البلاد، خاصة مع دعم دولي ملحوظ من الولايات المتحدة وتركيا لهذا الاتفاق، وكما ذكرنا من خلال توقعاتنا في المقال السابق فانه فعلا حدثت جميع ما طرحناه حيث :”أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان. لكن هذا الدعم الخارجي قد لا يكفي إذا لم يترافق مع توافق داخلي مدروس”.
ومن منظورنا الصحفي والتحليلي، كان من الأفضل لو أُعلن عن لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الحكومة الانتقالية و”قسد”، إلى جانب خبراء مستقلين، لمراجعة النقاط الثمانية وتطويرها خلال فترة زمنية محددة – ربما أسبوعين أو شهر – لضمان أن يكون الاتفاق النهائي أكثر شمولية واستجابة للواقع السوري المعقد. هذا كان سيُظهر جدية في التعامل مع المرحلة الانتقالية، ويقلل من مخاطر الارتجال التي أشرت إليها اعلاه في سياق رؤيتنا لهذا الاتفاق .ومن الناحية الاخرى ، يمكن القول إن هذا الانطباع قد يكون له ما يبرره. ففي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها سوريا – من تصاعد العنف الطائفي في الساحل السوري مؤخرًا، حيث قُتل مئات المدنيين حسب تقارير حقوقية، إلى جانب التحديات الاقتصادية والسياسية الهائلة التي تواجه الحكومة الانتقالية – قد يكون التوصل إلى اتفاق بهذه السرعة يعكس حاجة ماسة لتهدئة الجبهات الداخلية وتوحيد السيطرة تحت مظلة الدولة. لكن هذه السرعة قد تكون أيضًا على حساب التخطيط الدقيق والتفاصيل التنفيذية التي تتطلبها مثل هذه الخطوة المصيرية.
هذه وجهة نظرنا وقد نكون القينا عليها الضوء بصورة مختصرة وليست متشعبة ونترك الباقي لاصحاب الاختصاص لكي يكون هناكلك راي لهم حول ما طرحناه من هذا الموضوع اعلاه وتبقى وجهة نظر من متابع لا اكثر ولا اقل ؟
وهي قراءة اولية لنا حول هذا الموضوع وسيتم مناقشتها بصورة اوسع من قبلنا خلال الدعوة بعد الافطار لهذا اليوم الاربعاء الموافق 12 اذار 2025 ان شاء الله في احد منتديات الصالون السياسي ومن قبل دعوة احد الشخصيات المتميزة للجالية السورية الكريمة بالمهجر… وسوف نوسع هذا الموضوع على قدر الامكان ليغطي جميع الجوانب هذا الاتفاق واعتمادآ ومنطلق لما جاء اعلاه من قبلنا !