
اعداد وتحليل وتقديم صباح البغدادي
تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية خلال الساعات الماضية تصريحات الرئيس دونالد ترامب خلال اجتماعه مع رجال الأعمال والمليارديرات مقربين منه في البيت الأبيض، حيث أشار إلى أرباح هائلة حققها بعضهم (900 مليون دولار و1.5 مليار دولار في يوم واحد) من خلال تداول الأسهم، أثارت موجة من التساؤلات حول قانونية هذه الأنشطة وتداعياتها السياسية. هذه التصريحات تأتي في أعقاب قرار ترامب المفاجئ بتعليق التعريفات الجمركية لمدة 90 يومًا على معظم دول العالم، باستثناء الصين، بعد أن تسبب إعلان التعريفات الأولي في اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية. التساؤل المطروح هو: هل سيستغل الديمقراطيون هذه التصريحات للمطالبة بتحقيق فدرالي قد يصل إلى مثول ترامب أمام المحكمة، معتبرين أن هذه الأفعال قد تشكل تلاعبًا غير قانوني بالأسواق؟
التحليل القانوني: هل هناك أساس لتحقيق فدرالي؟
التلاعب بالأسواق المالية، بما في ذلك التداول بناءً على معلومات داخلية غير علنية (insider trading) أو التأثير المتعمد على الأسواق بطرق مضللة، يُعتبر جريمة فدرالية خطيرة في الولايات المتحدة بموجب قوانين مثل قانون الأوراق المالية والبورصات لعام 1934 وقانون STOCK Act لعام 2012، الذي يحظر على المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك الرئيس وأعضاء الكونغرس، استخدام معلومات غير علنية لتحقيق مكاسب مالية. تصريحات ترامب، التي تُظهر علمًا مسبقًا بأرباح ضخمة حققها أفراد مقربون منه، قد تُفسر على أنها تلميح إلى وجود معلومات حساسة تم تسريبها أو استغلالها قبل إعلان تعليق التعريفات.
لكي يتم فتح تحقيق فدرالي، يجب أن تكون هناك أدلة أولية تشير إلى:
وجود معلومات غير علنية: أن ترامب أو أشخاص في إدارته شاركوا معلومات حول قرار تعليق التعريفات قبل الإعلان العام. واستخدام هذه المعلومات: أن أفرادًا (مثل المليارديرات المذكورين) قاموا بتداولات في الأسواق بناءً على هذه المعلومات. والنية أو التأثير المتعمد: أن ترامب كان يدرك أن تصريحاته أو قراراته ستؤثر على الأسواق بطريقة تخدم أفرادًا محددين.
تصريحات ترامب في الاجتماع، إذا كانت دقيقة، قد تُعتبر بمثابة “إشارة” غير مباشرة إلى احتمال وجود تلاعب. لكن إثبات ذلك قانونيًا يتطلب أدلة ملموسة، مثل سجلات اتصالات، رسائل بريد إلكتروني، أو شهادات تشير إلى تسريب معلومات أو تنسيق مسبق. هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) أو وزارة العدل هما الجهتان المسؤولتان عن التحقيق في مثل هذه القضايا، لكن أي تحقيق سيتطلب دعمًا سياسيًا قويًا نظرًا للطبيعة الحساسة لاستهداف رئيس حالي.
التحليل السياسي: هل سيستغل الديمقراطيون الفرصة؟
الديمقراطيون في الكونغرس، وخاصة في مجلس النواب حيث لديهم نفوذ كبير على اللجان الرقابية، لديهم دوافع سياسية قوية لاستغلال هذه التصريحات. ترامب، منذ عودته إلى الرئاسة في 2025، واجه انتقادات حادة من الديمقراطيين بسبب سياساته الاقتصادية المثيرة للجدل، وتصريحاته العلنية حول أرباح المليارديرات قد تُعتبر “هدية” سياسية لهم. هناك عدة عوامل تجعل من المرجح أن يسعى الديمقراطيون لفتح تحقيق:
الضغط العام: ردود الفعل الشعبية على انهيار الأسواق ثم ارتفاعها المفاجئ بعد تعليق التعريفات أثارت شكوكًا واسعة حول نزاهة الإدارة. الديمقراطيون قد يستغلون هذا الغضب لتصوير ترامب كرئيس يخدم النخبة على حساب المواطن العادي.
السوابق التاريخية: الديمقراطيون سبق أن طالبوا بتحقيقات ضد ترامب في ولايته الأولى (2017-2021)، بما في ذلك قضايا تتعلق بتضارب المصالح. تصريحاته الحالية قد تُنظر إليها كفرصة لإعادة فتح ملفات مماثلة.
التوقيت السياسي: مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية في 2026، قد يرى الديمقراطيون في هذه القضية وسيلة لتعبئة قاعدتهم الانتخابية وإضعاف ترامب وجمهوريه.
ومع ذلك، هناك عقبات تحول دون تصعيد الأمر إلى مستوى مثول ترامب أمام المحكمة:
سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ: الجمهوريون، الذين يدعمون ترامب بشكل عام، قد يعرقلون أي تحقيقات في لجان الشيوخ، مما يحد من قدرة الديمقراطيين على دفع الأجندة.
استقلالية هيئة الأوراق المالية: رئيس هيئة الأوراق المالية الحالي، المعين من قبل ترامب، قد لا يكون متحمسًا لفتح تحقيق ضد الرئيس، خاصة إذا لم تكن الأدلة قاطعة.
الحصانة الرئاسية: بينما لا يتمتع الرئيس بحصانة مطلقة ضد الجرائم الفدرالية، إلا أن محاكمته أثناء ولايته تُعتبر مسألة معقدة قانونيًا وسياسيًا، وقد تتطلب إجراءات عزل (impeachment) أولاً.
ولكن خلال الأيام والأسابيع القادمة، يمكن توقع السيناريوهات ومطالبات ديمقراطية بالتحقيق ومن المرجح أن يقدم أعضاء بارزون من الديمقراطيين، مثل النائبة ماكسين ووترز (رئيسة لجنة الخدمات المالية) أو السيناتور آدام شيف (المعروف بمواقفه القوية ضد ترامب)، رسائل رسمية إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات ووزارة العدل تطالب بفتح تحقيق. هذه الخطوة قد تحظى بدعم من أعضاء آخرين مثل إليزابيث وارن أو ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، اللتين أبدتا اهتمامًا سابقًا بقضايا التلاعب المالي.
ولكن قد يختلف رد فعل الجمهوريين، بقيادة شخصيات مثل رئيس مجلس النواب أو زعيم الأغلبية في الشيوخ، سيحاولون تصوير هذه المطالبات كـ”هجوم سياسي” على ترامب، مدعين أن تصريحاته كانت تهدف إلى طمأنة الأسواق وليس التلاعب بها.
ردود فعل الأسواق والخبراء: خبراء اقتصاديون ومحللو أسواق سيواصلون تحليل تأثير قرارات ترامب، مما قد يزيد الضغط على إدارته إذا استمرت التقلبات. إذا ظهرت تقارير تشير إلى أنماط تداول مشبوهة من قبل أفراد مقربين من ترامب، فقد يصبح التحقيق أكثر إلحاحًا. وقد تكون من خلال تحركات قانونية محدودة ولكن من غير المرجح أن يصل الأمر إلى مثول ترامب أمام المحكمة في المدى القريب، لكن قد تُفتح تحقيقات أولية من قبل هيئة الأوراق المالية أو لجان الكونغرس لفحص سجلات التداول والاتصالات بين البيت الأبيض وأطراف خارجية. أو على الأقل يمكن بتصعيد إعلامي ومن خلال وسائل الإعلام الليبرالية والتي بدورها ستضخم القضية، مما قد يؤدي إلى زيادة الضغط الشعبي على الكونغرس لاتخاذ إجراءات. وفي المقابل، ستدافع وسائل إعلام محافظة عن ترامب، مما يعمق الانقسام السياسي.
وما نستنتجه من تصريحات ترامب حول الأرباح الهائلة التي حققها أفراد مقربون منه تشكل مادة سياسية وقانونية قابلة للاستغلال من قبل الديمقراطيين. من المرجح أن يحاولوا فتح تحقيقات للضغط على ترامب وإحراجه سياسيًا، خاصة في ظل الشكوك العامة حول نزاهة قراراته الاقتصادية. لكن إثبات التلاعب بالأسواق يتطلب أدلة قوية، وهو أمر قد يصعب تحقيقه بدون وصول إلى سجلات داخلية أو شهادات مباشرة. في المدى القصير، ستظل القضية ساحة للصراع السياسي أكثر من كونها قضية قانونية واضحة، لكنها قد تترك أثرًا طويل الأمد على صورة ترامب كرئيس.
وإذا ظهرت أدلة تشير إلى تلاعب فعلي، فقد تتحول القضية إلى فضيحة كبرى تضعف موقف ترامب وتؤثر على الانتخابات المقبلة. أما إذا تمكن ترامب من احتواء الأزمة من خلال نفي الاتهامات أو تقديم تفسيرات مقنعة، فقد يتمكن من تحويل الانتباه إلى إنجازاته الاقتصادية المزعومة. النتيجة تعتمد على قدرة الديمقراطيين على جمع أدلة والجمهوريين على حماية ترامب.