ولو يشاء الله لانتصر منهم

الكاتب : غيداء شمسان غوبر
—————————————
(ولو يشاء الله لانتصر منهم…)

بقلم/غيداء شمسان غوبر
حكمة الابتلاء وقوة الاختيار ولهيب العزيمة الذي يذيب القيود!”(ولو يشاء الله لانتصر منهم…)” كلمات قرآنية جليلة، تحمل في طياتها حكمة إلهية عميقة، وتساؤلا يتردد في النفوس المؤمنة في لحظات الضعف واليأس، حينما يشتد الكرب، ويعظم البلاء، ويتسلط الظالمون. لماذا إذن لم يقم بهذه المهمة بدلا عنا؟ لماذا لم يتدخل القدر مباشرة لإنهاء الظلم ونصرة الحق، وإحقاق العدل، وإزهاق الباطل؟

الجواب يكمن في تتمة الآية الكريمة، وفي فهم سنن الله في الكون، وفي إدراك قيمة الابتلاء والاختبار: “(…ولكن ليبلو بعضكم ببعض)”. فالحياة ليست مجرد مسرح للأحداث الجاهزة، أو ساحة للعرض المجاني، بل هي ميدان للاختبار والابتلاء، ومدرسة لبناء النفوس وصقل العزائم، ومصنع للرجال وصناعة الأمجاد،ولو شاء الله أن ينتصر للمظلومين دون جهد أو عناء، لفقدت الحياة معناها، ولتساوت قيمة المؤمن والمنافق، والمجاهد والمتخاذل، والصادق والكاذب.

إن الابتلاء هو سنة الله في خلقه، يمتحن به الصادق من الكاذب، والمخلص من المدعي، والمؤمن من الفاسق. يمتحن به صبر المؤمن وثباته، وعزيمته وإصراره، وإيمانه ويقينه، وتوكله على الله وثقته بنصره. يمتحن به قلبه هل يتعلق بالله أم بالدنيا، وهل يرضى بقضاء الله أم يسخط عليه، وهل يؤثر الآخرة على الدنيا، أم يفضل العاجلة على الآجلة.

ولكن، لماذا ليبلو بعضكم ببعض؟ لأن الابتلاء ليس مجرد اختبار فردي، أو محنة شخصية، بل هو عملية تفاعلية تبني بها القدرات ، وتستخرج بها الكنوز الدفينة، وتصنع بها المعجزات بمواجهة الظالمين نتعلم كيف ندافع عن الحق، وكيف نصنع النصر، وكيف نحمي أنفسنا ومجتمعنا، وكيف نعلي كلمة الله، وكيف نقيم العدل في الأرض. بمواجهة التحديات نكتشف في أنفسنا قوى لم نكن نعلم بوجودها، ونبدع حلولا لم نكن نتخيلها، ونحقق إنجازات لم نكن نحلم بها.

والأمر لا يتوقف عند بناء القدرات الذاتية، أو تحقيق المكاسب الشخصية، بل يتعداه إلى إلزام الظالمين الحجة أمام الله والتاريخ، وفضح زيفهم، وكشف عوارهم، وإسقاط أقنعتهم، وتعرية مخططاتهم. بقيمنا عند قيامنا، نظهر للعالم أجمع أننا أصحاب حق، وأننا نسعى إلى العدل والسلام، وأننا لا نعتدي إلا على من اعتدى علينا، وأننا نؤمن بالحرية والكرامة والإنسانية. وببأسنا عند مواجهتنا، نثبت أننا لسنا ضعفاء أو مستسلمين، وأننا لسنا عاجزين أو متخاذلين، وأننا قادرون على الدفاع عن أنفسنا وعن أرضنا وعن كرامتنا، وأننا لن نرضخ للظلم، ولن نستسلم للباطل، ولن نتنازل عن الحق وبقسطنا عند نصرنا، نؤكد أننا لسنا طلاب ثأر أو انتقام، بل نحن طلاب عدل وإنصاف، وأننا نسعى إلى بناء مجتمع يسوده السلام والوئام، والتعايش والتسامح، والمحبة والإخاء.

إذن، ـ”(ولو يشاء الله لانتصر منهم…)”، ولكن الله أراد لنا أن نكون شركاء في صناعة النصر، وأن نثبت للعالم أجمع أننا نستحق هذا النصر، وأننا قادرون على الحفاظ عليه، وأننا سنستخدمه في خدمة الحق والعدل والسلام، وفي إعلاء كلمة الله، وفي نصرة المظلومين، وفي إقامة العدل في الأرض، أراد لنا أن نكون أصحاب رسالة سامية، وهدف نبيل، وقضية عادلة، وأن نقدم للعالم نموذجا فريدا في الصمود والتحدي، وفي العزة والكرامة، وفي الإيمان واليقين، وفي التوكل على الله والثقة بنصره.

فلتشتعل في قلوبنا جذوة الإيمان، ولتتقد في نفوسنا شعلة العزيمة، ولتتحد صفوفنا، ولتتضافر جهودنا، ولنعمل جاهدين مخلصين صادقين، من أجل تحقيق النصر، ومن أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل نصرة المظلومين، ومن أجل إقامة العدل في الأرض ولنعلم أن النصر صبر ساعة، وأن الفرج قريب، وأن الله مع الصابرين، وأن العاقبة للمتقين، وأن المستقبل للإسلام.

#اتحاد_كاتبات_اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *