أبريل 19, 2025
download (2)

الكاتب : ضياء ابو معارج الدراجي
—————————————

ضياء ابو معارج الدراجي

لا نريد أن نعيد التذكير بصلح الحديبية بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكفار قريش، ذلك الصلح الذي ظنه البعض ضعفًا لكنه في الحقيقة كان انتصارًا استراتيجيًا مهّد لدخول الإسلام مكة سلماً لا حرباً. ولا نريد أن نُذكّر من لا يقرأ التاريخ بصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية لعنه الله، الذي أنقذ به دماء شيعته وفتح باب الوعي أمام الأجيال، كما لا ننسى قبول الإمام الرضا عليه السلام بولايـة العهد في زمن المأمون العباسي لعنه الله، رغم علمه بمكر ذلك الزمان ودهائه، لكنه قبِل بالموقع ليزرع بذرة العقيدة في قصر الحُكم نفسه.

ولا نريد أن نُذكّر أيضًا بطلب نبي الله يوسف عليه السلام أن يُولّى على خزائن الأرض في حكومة فرعون مصر، رغم أنه نبي من أنبياء الله، وذلك الفرعون لم يكن يومًا من أهل الإيمان، والغاية حفظ الأمة وصون الدين وتثبيت الحق في موضع القرار.

كل تلك المواقف لم تكن خضوعًا، بل دهاءً إلهيًا، وفقهًا في موازين القوى والمرحلة، وهو ما فعلته الجمهورية الإسلامية في إيران خلال العقود الأربعة الماضية. فمنذ انتصار الثورة عام 1979 وحتى يومنا هذا، حافظت على مبادئها رغم الحصار والتآمر والحروب. صحيح أنها فاوضت الولايات المتحدة، خصمها التاريخي، لكن التفاوض لم يكن خنوعًا ولا نسيانًا لدماء الشهداء، بل كان جزءًا من معركة أوسع، فيها السياسة امتداد للرصاصة، والحنكة سلاحٌ آخر.

فالدولة الشيعية التي قاومت الاستكبار العالمي، وصمدت أمام الحصار والعدوان على مدار ٤٥ عاما فقط، لم تدخل إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف، بل جعلت القوى العظمى تأتي إليها راكعة، تخشى برنامجها النووي، وتخطب ودها. إيران لم تتخلَ عن شهدائها، لكنها اختارت أن تستثمر دماءهم في بناء قوة ردع علمية واقتصادية، حتى صار التفاوض معها شرفًا تتسابق إليه الدول الكبرى.

أما الإسلام الدموي الذي غزا البلدان بالسيف قبل ١٤٠٠ عام، ذلك الذي رفع راية “الفتح” على جماجم الأبرياء، فإنه اليوم يتوسل الدعم من واشنطن وتل أبيب، ويتبع أوامرهم حرفًا بحرف، رغم أنه لطالما كان يزعم أنه الأقوى. ذاك الإسلام الورقي، أصبح اليوم ذليلاً، لا حول له ولا قوة.

إيران لم تنسَ الشهداء، لكنها تعرف أن الوفاء لهم لا يكون بالبكاء فقط، بل ببناء دولة، وتصنيع سلاح، وإجبار العالم على احترام هيبتها. لقد فهمت درس التاريخ، وكتبت صفحتها الجديدة بمداد من الدم والصبر والعلم، وهذا هو نهج أهل البيت الحقيقي، لا نهج من باع الشهداء بثمن الخنوع.

ضياء ابو معارج الدراجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *