الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى: “إذا جاء نصر الله والفتح” (النصر 1) ظهور”إذا” المصدَّرة بها الآية في الاستقبال يستدعي أن يكون مضمون الآية إخباراً بتحقق أمر لم يتحقق بعد، وإذا كان المخبر به هو النصر والفتح وذلك مما تقر به عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو وعد جميل وبشرى له صلى الله عليه وآله وسلم ويكون من ملاحم القرآن الكريم. وليس المراد بالنصر والفتح جنسهما حتى يصدقا على جميع المواقف التي أيد الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على أعدائه وأظهر دينه على دينهم كما في حروبه ومغازيه وإيمان الأنصار وأهل اليمن كما قيل إذ لا يلائمه قوله بعد: “ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً” (النصر 2). وليس المراد بذلك أيضاً صلح الحديبية الذي سمَّاه الله تعالى فتحاً إذ قال “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً” (الفتح 1) لعدم انطباق الآية الثانية بمضمونها عليه. وأوضح ما يقبل الانطباق عليه النصر والفتح المذكوران في الآية هو فتح مكة الذي هو أُم فتوحاته صلى الله عليه وآله وسلم في زمن حياته والنصر الباهر الذي انهدم به بنيان الشرك في جزيرة العرب. ويؤيده وعد النصر الذي في الآيات النازلة في الحديبية “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً * وينصرك الله نصراً عزيزاً” (الفتح 1-3) فإن من القريب جداً أن يكون ما في الآيات وعداً بنصر عزيز يرتبط بفتح الحديبية وهو نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش حتى فتح مكة بعد مضي سنتين من فتح الحديبية. وهذا الذي ذكر أقرب من حمل الآية على إجابة أهل اليمن الدعوة الحقة ودخولهم في الإِسلام من غير قتال، فالأقرب إلى الاعتبار كون المراد بالنصر والفتح نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش وفتح مكة، وأن تكون السورة نازلة بعد صلح الحديبية ونزول سورة الفتح وقبل فتح مكة.
عن التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى “لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً” (الفتح 27) قال الآلوسى ما ملخصه: «رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية، أنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه، ففرحوا واستبشروا، وظنوا أنهم سيدخلونها في عامهم هذا، وقالوا: إن رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حق، فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين على سبيل التشكيك والاعتراض والله ما حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت هذه الآية.” لَتَدْخُلُنّ” (الفتح 27) أى: والله لتدخلن أيها المؤمنون المسجد الحرام في عامكم المقبل إن شاء الله، حالة كونكم آمنين من كل فزع، وحالة كونكم بعضكم يحلق شعر رأسه كله، وبعضكم يكتفى بقص جزء منه، وحالة كونكم لا تخافون أذى المشركين بعد ذلك.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ” (البقرة 196) أنّ الآية الشريفة تشير إلى أمر آخر من مناسك الحجّ فتقول: “وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ” (البقرة 196). فهل أنّ هذا الأمر يتعلّق بالأشخاص المحصورين الممنوعين من أداء مراسم الحجّ، فهو بمثابة تكميل للأوامر السابقة، أو أنّه يشمل جميع الحجّاج؟ اختار بعض المفسّرين الرأي الأوّل و قالوا أنّ المراد من محل الهدي أي محل الأضحية هو الحرم. و قال آخرون أنّ المراد هو المكان الّذي حصل فيه المانع و المزاحم و يستدلّ بفعل النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم في واقعة الحديبيّة الّتي هي مكان خارج الحرم المكّي، حيث أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد منع المشركين له ذبح هديه في ذلك المكان و أمر أصحابه أن يفعلوا ذلك أيضا.
حين أعتمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بعد صلح الحديبية بعام، كان قد رآهم كفار قريش يطوفون بالكعبة، فقالوا مستهزئين بالمسلمين: يطوفون اليوم بالكعبة قوم أنهكتهم حمى يثرب أي المدينة، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (رحم الله امرئ أراهم من نفسه قوة، واضطبع بردائه) أي أدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن، بحيث يبدي منكبه وعضده الأيمن.
جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن الحديبية: رحلة دينية سياسية: وعند عُسفان، أخبروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ قريشاً ترفض السماح لهم بالدخول إلى مكّة، كما أرسلت كتيبة من أفرادهم بقيادة: خالد بن الوليد، لتنفيذ الأوامر المعلنة، فغيّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طريقه حتى لا يلتقي بخالد، سالكاً طرقاً وعرة حتى وصل الحديبية، التي بركت فيها ناقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنزلوا في ذلك المكان، إلاّ أنّ خالد بن الوليد تمكن من الوصول بكتيبته وأحاط بهم وحاصر موكبهم. ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن قد جاء ليحارب في سبيل دخول مكة، ولم يكن هذا هدفه، ولذا فإنّ التفاوض كان من أفضل الحلول لهذه المشكلة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تدعوني قريش اليوم إلى خُطة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إيّاها”. فبلغ ذلك مسامع الجميع، فقرروا إرسال عدد من أفرادهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للتعرف على هدفه الأصلي من رحلته ومجيئه إلى مكة، فبعثوا إليه بأربعة أشخاص لتفهّم موقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّا لم نجئ لقتال أحد ولكنّا جئنا معتمرين”. إلاّ أنّ المندوبين أكدوا للمسلمين أنّ قريشاً لن تقبل بدخولهم مكة: “يعاهدون اللّه لا تدخلها عليهم عنوة أبداً”. فذهبت كلّ تلك المفاوضات سدى ودون جدوى، ممّا جعل الرسول صلى الله عليه وآله يرسل مندوباً عنه إلى قريش يوضح الصورة الصحيحة لهدفهم، وهو زيارة بيت اللّه وأداء مناسك العمرة، إلاّ أنّ قريشاً -خلافاً لكلّ الأعراف الدولية والاجتماعية- والتي تقضي بحماية السفراء واحترامهم، عمدت إلى عقر الجمل الذي قدم عليه السفير والمندوب النبوي، بل كادوا أن يقتلوه أيضاً، لولا تدخل جماعة من قادة العرب، فخلّت سبيله ليعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كما أنّ قريشاً أرسلت كتيبة لإرهاب الرسول وجماعته وإرعابهم ونهب شيء من أموالهم، إلاّ أنّ الوضع لم يكن في صالحهم، فقد أسرهم المسلمون وكانوا خمسين فرداً، فتدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعفا عنهم وخلّى سبيلهم، ليؤكد لهم أنّه جاء يريد السلام، وأنّ هؤلاء ينشدون الحرب والقتال.