محمد شياع السوداني يعرقل اتفاقية خور عبد الله- بين الجغرافيا والتاريخ والقانون والسيادة

الكاتب : الدكتور ابو عبد الدليمي
—————————————
محمد شياع السوداني يعرقل اتفاقية خور عبد الله- بين الجغرافيا والتاريخ والقانون والسيادة

بقلم: د. أبو عبد الدليمي

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كانت الحدود مع الجوار تمثّل إحدى أبرز القضايا السيادية التي شهدت توترًا بين فترات الاستقرار النسبي. وتُعد قضية خور عبد الله من أبرز هذه الملفات، كونها تمسُّ سيادة العراق الجغرافية والبحرية، وتمثل عقدة تاريخية وسياسية لم تُحل بعد، رغم تعاقب الحكومات. واليوم، يعود هذا الملف إلى الواجهة مجددًا، بعد أن أبدى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني موقفًا يبدو أنه يناقض قرار المحكمة الاتحادية العليا، وذلك عبر محاولته عرقلة إلغاء الاتفاقية التي أضرت بالمصالح الوطنية العراقية.

أولًا: الخلفية الجغرافية – ما هو خور عبد الله؟
خور عبد الله هو ممر مائي استراتيجي يقع في الجزء الجنوبي من العراق، ويفصل شبه جزيرة الفاو العراقية عن جزيرة بوبيان الكويتية. ويُعد هذا الخور المنفذ البحري الوحيد تقريبًا للعراق نحو الخليج العربي، عبر ميناء أم قصر، مما يجعله ذا أهمية بالغة في المجال التجاري والسيادي.
بعد حرب الخليج الثانية 1991، وما تبعها من صدور قرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار 833 لعام 1993، تم ترسيم الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت، وتم بناء الاتفاقية استنادًا إلى هذا القرار الذي أثار جدلًا واسعًا داخل العراق، واعتُبر في نظر كثير من الخبراء أنه جاء في ظرف قسري وظالم.

ثانيًا: التطورات السياسية والقانونية – من الاتفاق إلى الإلغاء
في عام 2013، وقّعت الحكومة العراقية بقيادة نوري المالكي مع الجانب الكويتي ما سُمّي بـاتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، وصادق البرلمان العراقي عليها، لكن سرعان ما ثارت موجة اعتراضات، خصوصًا من المحافظات الجنوبية التي شعرت بتنازل بغداد عن حقوق العراق السيادية لصالح الكويت.
في أيلول 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارًا بإلغاء التصويت البرلماني على الاتفاقية، معتبرة أن المصادقة عليها كانت غير دستورية، لأنها لم تمر عبر استفتاء شعبي أو تصويت ثلثي أعضاء البرلمان كما ينص الدستور في مثل هذه الاتفاقيات السيادية.
ورغم هذا القرار القضائي الأعلى، أبدى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ترددًا في تنفيذ الإلغاء عمليًا، بل وظهر في مواقف داعمة للتفاهمات السابقة، ما فسّره البعض بأنه محاولة لإرضاء الكويت والجهات الإقليمية الداعمة لها، على حساب السيادة الوطنية العراقية.

ثالثًا: الأبعاد السيادية والمخاطر الاستراتيجية
إن أي تفريط في خور عبد الله لا يعني فقط خسارة ممر بحري، بل خسارة القدرة البحرية والتجارية للعراق لعقود مقبلة. فخور عبد الله هو شريان الملاحة الرئيس المؤدي إلى الموانئ العراقية، مثل ميناء أم قصر وميناء الفاو الكبير (قيد الإنشاء). وإذا ما تم تقنين السيادة الكويتية على الخور، فإن العراق سيكون بحاجة لـ”إذن عبور” من الكويت، ما يُعد خرقًا صريحًا لسيادته وكرامته الوطنية.
وعليه، فإن إصرار السوداني على تجاهل قرار المحكمة، أو تأجيل تنفيذه، يمثل تحديًا للقضاء والدستور، ويُفهم بأنه تنازل سياسي ضمني في ظرف دولي ملتهب، قد يعيد إنتاج الوصاية الإقليمية والدولية على القرار العراقي.

رابعًا: بين الاعتراف الدولي وحق الدفاع الوطني
صحيح أن بعض الاتفاقيات تُبنى على قرارات أممية، لكن من حق الشعوب مراجعة تلك الاتفاقيات إذا ثبت أنها أبرمت في ظروف استثنائية أو بالإكراه، والقرار الأممي 833 نفسه لا يمنع العراق من المطالبة بإعادة النظر بالحدود البحرية، بل إن الأمم المتحدة تقر بمبدأ “المراجعة الدورية للحدود” وفقًا لمبادئ السيادة والعدالة التاريخية.

خامسًا: ما المطلوب؟
1. تنفيذ فوري لقرار المحكمة الاتحادية بإلغاء الاتفاقية.
2. فتح تحقيق برلماني حول الجهات التي وقّعت وتنازلت دون ضمان المصلحة الوطنية.
3. تشكيل لجنة وطنية من خبراء الجغرافيا والسياسة والقانون الدولي لصياغة ورقة موقف دبلوماسية تُعرض في الأمم المتحدة والمحافل الدولية.
4. التحرك شعبيًا ونقابيًا لحماية الموانئ والسيادة البحرية.
5. إشراك إقليم كردستان والقوى الوطنية في هذا المسار لتقديم جبهة عراقية موحدة.

إن قضية خور عبد الله ليست مجرد نزاع حدودي، بل اختبار حقيقي لمدى التزام الحكومة العراقية الحالية بمبدأ السيادة، واحترامها لمؤسسات الدولة، وعلى رأسها القضاء الدستوري. وإن استمرار محمد شياع السوداني في المماطلة أو الالتفاف على القرار القضائي، سيفتح الباب أمام تصعيد سياسي وشعبي، وربما إعادة النظر بشرعية حكومته نفسها.
خور عبد الله هو امتحان العراق في قراره الوطني… فإما أن نكون دولة ذات سيادة… أو مجرد ممر للتنازلات.

د. أبو عبد الدليمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *