الكاتب : الدكتور ابو عبد الدليمي
—————————————
الدين… علاقة لا مؤسسة
بقلم: د. أبو عبد الدليمي
في جوهره، الدين يشبه الحب… ليس كيانًا ماديًا أو مؤسسةً تُدار بأنظمة ولوائح، بل هو علاقة حميمية، داخلية، بين الفرد وربّه. علاقة لا تُقاس بعدد الطقوس ولا تُحدّدها القوانين، بل تُوزَن بصدق القلب، وعمق التوجّه، وحرارة الإيمان.
كما لا يمكن تحويل الحب إلى قانون يُفرض، لا يمكن للدين أن يتحوّل إلى منظومة قسرية تُدار من فوق، دون أن يفقد روحه. الحب حين يُقيّد بالقواعد، يصبح تمثيلاً. والدين حين يُحوّل إلى سلطة، يتحوّل إلى عدوان.
حين نُخضع الدين للمؤسسات، نضع بين الإنسان وربّه وسطاء، ومصالح، وأجندات. وعندها يفقد الدين جوهره الروحي، ويتحوّل إلى أداة للسيطرة والتقسيم. هنا يبدأ الصراع، لا باسم الطغيان، بل باسم “الله”. وهنا تصبح الكلمات المقدسة وقودًا للحروب، لا نورًا للقلوب.
الدين، في حقيقته، دعوة للتحرر لا للخضوع. دعوة للتأمل لا للتلقين. هو ليس حزبًا سياسيًا، ولا ذراعًا للدولة، ولا مظلةً لأصحاب المصالح. وإذا ما استُخدم في غير وجهته، فإن نتائجه تكون مدمّرة: استبدادٌ باسم الشريعة، قمعٌ باسم العقيدة، وتكفيرٌ باسم النقاء.
من هنا، علينا أن نعيد الدين إلى مكانه الحقيقي: القلب. إلى حيث النقاء الإنساني، والإيمان الحر، والمحبة الصادقة. الدين لا يحتاج إلى مؤسسات لتدافع عنه، بل إلى أرواح صادقة تُجسّده. ولا يحتاج إلى أنظمة تفرضه، بل إلى ضمائر حيّة تفهمه وتعي رسالته.
إن أخطر ما يُمكن أن يصيب الدين هو أن يُستخدم، لا أن يُعتنق. وأن يتحوّل إلى سلعة تُباع وتُشترى في أسواق السياسة، لا إلى علاقة تُعاش بصدق بين العبد وخالقه. فالدين، كالحب، لا يُفرض… بل يُولد في القلب، ويزهر في السلوك.