اسم الكاتب : جبار عبد الله الجويبراوي
كان غياب التعليم الحكومي أو محدوديته سبباً في نشوء المدارس الأهلية في مدينة العمارة فقد أنشئت مدرسة التهذيب ومدرسة الهدى ومدرسة الأنصاري ومدرسة سوق النجارين والمدرسة الباقرية ومدرسة محمد جواد جلال ومدرسة جامع باقرون ومدرسة التكية الرفاعية ومدرسة جامع العمارة الكبير. .
وفي كل قضاء وناحية أنشئت مدارس أهلية يشرف عليها (الملالي) وخلفاتهم وأشتهر منهم الشيخ أمين أفندي المدرس في جامع الحاج سالم محمود المهدي الذي استقدم من بلاد الشام والشيخ مصطفى أفندي ومحمد سليم المفتي والملا إكريم وولده عطا والشيخ علي محمد اللامي ومحمد دعدوش ومطشر صادق الملية والشيخ باقر زاير دهام.
وعندما دخل الإنكليز العمارة افتتحت أول مدرسة في قضاء قلعة صالح عام 1917م وفي قضاء علي الغربي أسست أول مدرسة فيه عام 1918م وفي المجر الكبير افتتحت أول مدرسة هناك عام 1919م فيما احتفل أهالي العمارة بافتتاح أول مدرسة في مركز العمارة في أواخر عام 1919م ولهذا التأخير أسباب سياسية واجتماعية ودينية.
وعلى أية حال فقد افتتحت في العام الدراسي 1933/1934 في أرياف العمارة ست مدارس : في ريف الكحلاء مدرستان هما المدرسة المحمدية في مقاطعة الشيخ محمد العريبي والمدرسة الفالحية في مقاطعة الشيخ فالح الصيهود وفي ريف المجر الكبير فتحت المدرسة المجيدية في مقاطعة الشيخ مجيد الخليفة وهم شيوخ قبيلة البو محمد وفي ريف المجر الصغير (الميمونة فيما بعد) فتحت المدرسة الشوائية في مقاطعة الشيخ شواي الفهد والمدرسة السلمانية في مقاطعة الشيخ سلمان المنشد وهما شيخا آل ازيرج وفي ريف كميت فتحت المدرسة الحاتمية في مقاطعة الشيخ حاتم غضبان البنية شيخ بني لام.
وتسمية المدارس بأسماء شيوخ عشائر العمارة ظاهرة لم يسبق لها مثيل كما أن تلك التسميات لم تطلق من قبل وزارة المعارف (التربية) على المدارس التي افتتحت في مدينتي الناصرية والبصرة لأن شيوخ العمارة كانوا أكثر من غيرهم يحملون فكرة معارضة إقامة تلك المدارس في مقاطعاتهم لذلك جاءت التسمية تشجيعاً لهم وضماناً لحماية تلك المدارس من العبث والفضل يعود إلى أعضاء الهيئات التعليمية الذين مارسوا التعليم في تلك المدارس إذْ استطاعوا وبسرعة اقناع الشيوخ بأهمية التعليم في المجتمع الريفي والدليل على ذلك التحاق أبناء الشيوخ وبناتهم في تلك المدارس.
وأما تعليم البنات فإن مدارس البنين كانت مفتحة الأبواب لكلا الجنسين إلاّ أن السكان الريفيين لم يرسلوا بناتهم إليها وذلك لنظرة المجتمع الريفي المتخلفة إلى المرأة بالرغم مما تقوم به من مجهود كبير في مشاركة الرجل في كل الأعمال التي تتطلبها المعيشة في تلك البيئة. فمثل تلك المجتمعات تسيطر عليهم التقاليد العشائرية والقبلية التي لا تقر تعليم المرأة بل هنالك قاعدة واضحة هي أنه كلما ارتفعت نسبة سكان الأرياف قلت نسبة تعليم البنات (أي يكون التناسب عكسياً) بالرغم من انتشار وارتفاع نسبة تعلم الذكور. ومن جهة أخرى فإن الأجزاء الكبيرة في كل من الأقضية والنواحي تمثل قسماً من المستنقعات حيث تشرف على الأهوار أو تكون جزء منها ولذا فإن العبء الأكبر يقع على الإناث في تربية الجاموس وبيع منتجاته مما يشكل عائقاً آخر أمام تعليم الإناث.
كما أن هنالك أمراً آخر وهو خلو المناطق الريفية من المدارس الخاصة لتعليم البنات بسبب التقاليد الاجتماعية والعشائرية حيث يحجم السكان عن إرسال بناتهم إلى المدارس الابتدائية التي يكون التعليم فيها مختلطاً. وأخيراً وليس آخراً فإن عدد البنات اللائي التحقن بالمدارس الريفية من عام 1933 إلى عام 1958 بلغ خمسين فتاة فقط.
إن من يتصفح تاريخ الثقافة في مدينة العمارة قبل أكثر من نصف قرن مضى وحتى نهاية الخمسينات فسيلاحظ بصورة جلية أن هناك فارقاً كبيراً بين الواقع الثقافي في الوقت الحاضر والسابق – فقد كانت الثقافة منتشرة على المستوى الشعبي لدى نخبة من المتعلمين من أبناء المدينة البررة الذين أخذوا على عاتقهم النهوض بالمستوى الثقافي بالرغم من انتشار الأمية بنسبة كبيرة بين أفراد المجتمع العماري الذين كان في طليعتهم الشاعر محمد خليل العماري الذي اشترى مطبعة وأصدر العدد الأول من جريدة التهذيب في الأول من آذار عام 1926.
ومن الأمور الجديرة بالذكر أنه في تلك المرحلة بالذات أنشأ السيد عبد المطلب الهاشمي مع الشيخ حبيب المهاجر العاملي مكتبتين أحدهما مكتبة عامة للمطالعة المجانية والأخرى مكتبة لبيع الكتب الثقافية وهما كرد فعل لحركة التبشير التي بلغت ذروتها في تلك المدة إذْ انشأ المبشرون مكتبة إنجيلية لبيع الكتب التبشيرية. وفي عام 1928م تشارك عبد الرحيم الرحماني والسيد عبد المطلب الهاشمي بمكتبة أسمياها بالمكتبة العربية لبيع المجلات العربية والعراقية ومجلة الهدى التي أصدرها الهاشمي في العام نفسه وما أن تغلق جريدة أو مجلة بسبب التمويل المادي تصدر جريدة أو مجلة أخرى واصحاب الامتياز هم أشبه باللاعبين في سباق 400م بريد يصل الأول إلى نهاية الشوط فيبدأ الآخر بمرحلة جديدة وهكذا دواليك.
فمجلة الهدى التي توقفت عن الصدور عام 1931م خلفتها جريدة الكحلاء عام 1932 والتي استمرت بالصدور عدة سنوات وواكبتها مجلة الكمال التي صدرت في أواخر آذار من عام 1938 ثم أعقبتها جريدة (الفرزدق) التي برز عددها الأول في مطلع عام 1939 وعاشت ست سنوات وفي منتصف آذار من عام 1946 صدرت في العمارة مجلتان هما مجلة الجيل ومجلة الميـزان وفي أوائل الخمسينات صدرت (الفيلسوف) وهي جريدة أسبوعية ثم أبدل اسمها إلى (صوت الجنوب) ثم توقفت عن الصدور في 8 شباط 1963.
ومن حسن حظ مدينتنا (العمارة) أنها احتضنت أدباء ومفكرين وظلت كذلك تحتضن كل من لجأ إليها مبعداً أو بحكم الوظيفة أو بحثاً عن الرزق أمثال حسن الجواد وإسماعيل آل ياسين ومحمد حسن الصوري والسيد محمد عبد المحسن الحلو والشيخ محمد حسين الحر العاملي والشيخ محمد حسين المظفر والأستاذ محمد جواد جلال الذي تركت جهوده الأدبية والثقافية آثاراً واضحة في الأدب العماري من أواخر الثلاثينات إلى أوائل الخمسينات.
وقد تعاقب على المجيء إلى هذه المدينة أدباء معروفون أمثال جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وخيري الهنداوي وضياء الدين شكاره والسيد محمد صادق بحر العلوم وسعد صالح النجفي وصالح جواد الطعمة ومرهون علي الصفار والأستاذ محمد الأعسم وعبد المجيد زيدان ويونس الطائي وسعيد شابو ومحمد مهدي الجواهري وأخوه عبد الهادي وبرهان الدين العبوشي الذي لجأ إليها من فلسطين وسعد درويش الذي أنتدب للتعليم فيها من مصر.
ومن الإنصاف حقاً أن نذكر الندوات والمجالس الأدبية المنتشرة في مركز المدينة والتي كانت يقصدها شخصيات عراقية معروفة وكانت تزدهر بالمباريات الثقافية والأدبية وعليه فقد كان لها دور لا يمكن إغفاله في الإسهام في تفعيل الحركة الثقافية والأدبية في العمارة في حقبة الثلاثينات والأربعينات (كمجلس عبد المطلب الهاشمي ومجلس محمد جواد جلال ومجلس محمد حسن الصوري ومجلس الأنصاري ومجلس البدراوي).
ومن الجدير بالذكر أن محاولات نشر نتاجات القصاصين العماريين في أواخر الثلاثينات ومطلع الأربعينات ومعظم تلك القصص كانت لا تعني بالقيم الفنية بقدر ما تفيد الباحثين في دراسة المجتمع العماري وخاصة في نواحيه الاجتماعية ومنها قصص الأديب خليل رشيد الذي صور فيها بعض مناحي الحياة على نحو يستهدف النصيحة والإرشاد حيث نشر عدداً كبيراً في الصحف والمجلات منذ الأربعينات وقد جمع قسماً مما كتبه ونشره في الخمسينات في مجموعتين الأولى بعنوان (الحياة قصص) عام 1952 والثانية بعنوان (خمر وغيد) عام 1954 فأنتشر عارفوه على صعيد القطر ثم تناقلت الصحف اسمه على صعيد الوطن العربي والسبب في ذلك الإسهام الكبير والمد الذي ظل يدفع في مجراه نتاجه الجم لقد كان يغذي الصحف والمجلات المحلية والعربية منها مجلة الرسالة للزيات والثقافة لأحمد أمين والقصة العربية الحديثة لسامي الكيالي والعرفان لأحمد الزين وصباح الخير اللبنانية والغري لشيخ العراقيين والبيان للخاقاني والهاتف لجعفر الخليلي والشعاع للعصامي والدليل للأسدي والمعارف للطالقاني.
وخليل رشيد كان حلاقاً وكان صالونه أشبه بنادي أدبي وإذا كان صالون (مي زيادة) قد جمع أعلام الفكر والأدب والفن في مصر في حينه فأدب الخليل وحسن معشره استطاع تحويل الدكان الصغير إلى منتدى يدور فيه حديث شيق عن كل ما يخص الأدب والأدباء.
لم تكن الحياة العلمية والثقافية في العمارة راكدة فقد أصدر وترجم علماؤها وأدباؤها مجموعة من الكتب العلمية وفي مختلف العلوم وكانت مكتباتها تغص بنفائس الكتب إضافة إلى المكتبة العصرية لصاحبها عبد الرحيم الرحماني كانت في العمارة عدة مكتبات منها مكتبة الإرشاد لمحمود جواد الكاظمي ومكتبة ياسر صادق ومكتبة الغد للأخوين شاكر وإبراهيم الهاشمي ومكتبة النجاح للأنصاري ومكتبة التحرر الوطني ومكتبة العروبة.
إن المثقفين العماريين بدأوا يعرضون على المسرح المحاولات التمثيلية الأولى وفعلاً كانت التجارب المسرحية جادة وناضجة منذ تشكيل أول فرقة مسرحية في أوائل الثلاثينات التي ضمت أكفأ المثقفين وأقامت منذ ذلك الوقت دعائم المسرح العماري الذي بدأ مسيرته الناجحة وبدأ الوعي المسرحي يأخذ طريقه نحو التطور واجتاحت المدينة آنذاك خصوبة فنية أثمرت أنجح المسرحيات فكانت اجتماعية هادفة تطورت إلى مسرح واقعي مثلت على خشبته أغلب العروض الجريئة التي تعالج قضايا المجتمع والسياسة. . .
وكانت فرقة أنصار الفن في أوائل الأربعينات التجربة الناجحة الأولى ثم أعقبتها جمعية الطليعة في مطلع الخمسينات التي كانت الأكثر نضجاً من الأولى والأكثر تطوراً. فكانت الخطوط البيانية للحركة المسرحية في تصاعد مستمر فعرضت الدراما والتراجيديا إلى جانب الكوميديا الهادفة.
وفي عام 1947 عندما زار الفنانون المصريون – سراج منير وصلاح أبو سيف وحلمي رفله وفاخر فاخر والممثلة كوكا – العمارة لتمثيل فلم مغامرات (عنتر وعبلة) في ناحية المشرح عرض أولئك الفنانون مساعداتهم والتعاون مع فرقة أنصار الفن العمارية وأكدوا لهم أن المستوى المسرحي في العمارة عالِ جداً وأن الفرقة تعتمد على نفسها بالدرجة الأولى وأكد صلاح أبو سيف وسراج منير أن الحركة المسرحية في العمارة ستفوق الحركة المسرحية في مصر وتكون العمارة من أوائل المدن في العالم العربي تساهم وتطور الحركة المسرحية. كانت تلك المقولة من الفنانين المصريين حقيقة واقعة إذْ تعبر عن طبيعة العمل المسرحي آنذاك لو استمرت وتطورت الحركة المسرحية. وفي فترة الخمسينات انخرط معظم المعلمين والمثقفين في جمعية الطليعة للتمثيل والتي احتلت شهرة واسعة في الحركة المسرحية في العمارة بما قدمته من عروض مسرحية عالمية ومحلية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الأشخاص الذين قدموا العروض المسرحية الأولى إخراجاً وتمثيلاً في أقضية العمارة ومركزها كانوا من أعمدة القوم وأشرافهم ولم يكونوا من خريجي معاهد الفنون المسرحية آنذاك وإنما كانوا متطوعين للعمل المسرحي خدمة للصالح العام في تحقيق الأهداف التربوية والوطنية. فإن أول عمل مسرحي أقيم في قضاء قلعة صالح عام 1917 لجمع أموال لبناء مدرسة القلعة قام بتمثيله الشيخ حسين خلف الخزعلي والشيخ عمران الباوي والحاج علي البهار الظالمي وساهم معهم مجموعة من الناس المعروفين بصدق الأمانة وحسن السلوك.
وفي العمارة أخرج السيد عبد المطلب الهاشمي والأستاذ الأديب محمد جواد جلال مجموعة من المسرحيات وكلاهما أشهر من نار على علم. وقد اختارا طلاباً صاروا فيما بعد من أعلام العراق البارزين نذكر منهم على سبيل المثال الدكتور عبد الجبار عبد الفتاح العماري والدكتور عبد الغني زلزله والمهندس عبد الخالق كرم الوتار وأخيه الدكتور عبد الواحد وغيرهم.
وفي قضاء علي الغربي أشرف السيد جعفر العلاق على العروض المسرحية بنفسه وهو من أبرز الشخصيات الدينية والوطنية المعروفة في قضاء علي الغربي الذي سجن مع قادة ثورة مايس عام 1941 في معتقل العمارة وأمضى بضعة أعوام معتقلاً.
وأما الفتيات اللواتي صعدن المسرح في العمارة وأقضيتها هن بنات المربين الكبار الذين علمونا الحرف العربي لأول مرة في حياتنا ودرسونا آيات القرآن الكريم أمثال ميسون عبد الغني الحكيم وعربية توفيق لازم اللتين صارتا من أعلام العراق أيضاً فميسون اليوم واحدة من أشهر الطبيبات العراقيات في التشخيص بالسونار وعربية أستاذة في تاريخ آداب اللغة العربية ولها عدد من المؤلفات وأشرفت على مجموعة من طالبات الدراسات العليا في جامعات القطر. . والعمارة أنجبت الدكتور فاضل خليل عميد أكاديمية الفنون الجميلة في العراق والدكتور فاضل سوداني الذي أبعدته السلطة الحاكمة فأصبح سفيرنا المتجول هناك.
إن السجاد اللامي والكناني والزوالي والبسط واليزر والغطاوي ذوات الألوان الزاهية والأشكال الجميلة كانت تجمل سوقاً كبيراً في مدينة العمارة منذ العشرينات، وهو سوق السجاد.
وإن أعمال الصياغة والنقش على المعادن الثمينة التي تفنن بها إخواننا أبناء طائفة الصابئة المندائيين كانت تحتم على السياح والزوار الأجانب على اقتنائها مهما كان الثمن غالياً والاحتفاظ بها للذكرى أمثال أعمال الشيخ عنيسي الفياض وهو أستاذ صياغة الميناء والصائغ الخاص للملك واعمال الصائغ زهرون وولده (حسني) اللذين أشار بإعجاب منقطع النظير إلى مهارتهما طبيب الأسرة المالكة آنذاك سندرسن باشا. وقد رافق (زهرون) الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله في سفرة إلى باريس ذات مرة وما زال متحف (اللوفر) محتفظاً بأعمال هذا الفنان الفطري.
ومن الصياغ في فترة الثلاثينات عزيز زهرون وسليم كالوس اللذين اشتهرا بعمل الهدايا من الذهب المحلي بالميناء الملونة.
والصائغ عباس عمارة الذي كان فناناً متألقاً مبدعاً طاف بفنه أمريكا ودول أوربية كثيرة وأشترك في معارض عديدة هو والشيخ عبد الشيخ محيي. . وبنتاجاتهم تلك كان أبناء العمارة يفتخرون إذْ كانا يختمان كل عمل فني ينجزانه بعبارة شغل عمارة (Amara Work) .
كما أن الآثار واللقى المتنوعة من المصنوعات الفخارية والخزفية المزججة والمزخرفة بأشكال وحجوم مختلفة من أوان وجرار وكسرات وشفقات جرار التي كان يعثر عليها الناس بين فترة وأخرى في (اليشن) وهي بقايا مدن مندرسة منتشرة في كل جزء من أجزاء مدينة العمارة.
كانت تلك إشارات عن الفن التشكيلي الفطري الذي كان له تأثير غير مباشر على فنانينا الذين بدأت تجاربهم تنضج شيئاً فشيئاً عندما فتحت المدارس أبوابها وذلك في منتصف عام 1917م.
وكان من أبرز المعلمين والمدرسين الذين مارسوا تدريس الرسم في المدرسة الابتدائية والمتوسطة آنذاك عبد القادر عبد الرحمن (عبد القادر الرسام فيما بعد، أبو الرسم المعاصر في العراق) وغضبان رومي الناشئ وحسين سالم المراني وناصر سعد وياسين خليل العزي ونعيم رومي الناشئ ورومي فرحان خلاوي وصلحي إبراهيم حقي وعبد الرزاق زامل جبر وعبد الرزاق حلمي عبد الجبار وعيدي عبد الإمام وعبد الحميد موسى وخزعل هاشم الهاشمي وخلف حنون الربيعي.
والمدرس نعمان مهدي لطوف الذي كان مثالاً للفنان المبدع وكان بحق رائداً للحركة الفنية في العمارة من خلال المشاركات العديدة في إقامة معارض فنية مدرسية متميزة وكان لأسلوبه الجذاب في الفن وحثه العديد من طلبته على الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة ببغداد.
كما لا يمكننا نسيان جهود جمعية المعلمين وجمعية أنصار الفن وجمعية الطليعة وزيارة الوفود الفنية في أواخر العشرينات والثلاثينات والأربعينات للعمارة فكلها كانت آفاقاً جديدة رفدت الحركة الفنية التي أتت أُكلها عندما انتظمت مجموعة خيرة من طلاب المدارس ومعلميها أمثال عبد اللطيف ماضي وماهود احمد وشوكت الربيعي وعبد الرحيم البياتي وعبد المنعم مسافر وفؤاد محمود في عقد فني جذاب في إقامة معرض مشترك عام 1956م أبان العدوان الثلاثي على مصر العربية والذي تميزت به لوحة ماهود أحمد وعدت في ذلك الوقت إسهاماً وطنياً مؤثراً مما دفع بالسلطة الحاكمة آنذاك النظر إلى الحركة الفنية بمنظار الريبة والشك لما لها من تأثير إيجابي في تحريك الحس الوطني.
طفل صابئي من العمارة
ونتيجة للدعم المتواصل من قبل جمعية الطليعة للفنانين الشباب الذين ساهموا في المعرض الأول أقدم الفنانون أنفسهم على إقامة معرضهم الثاني في قاعة روضة أطفال العمارة قرب سينما الحمراء سابقاً عام 1957 وهو العام الذي أقام فيه الفنان العراقي ميران السعدي معرضه الأول في مدينة العمارة وعلى القاعة نفسها لقد كان حماس فناني المدينة كبيراً وجاداً في إيجاد صيغ متعددة لتكثيف الجهود وتقوية أواصر العلاقات الودية بينهم حيث كانت المعارض المدرسية تظاهرة فنية وتجمعاً ثقافياً لتبادل الخبرات والاطلاع على كل ما هو جديد وجاد.
مرت خمسة عقود على المعارض التي أقامها طلاب مدارس العمارة الذين بلغ بعضهم الذروة وأصبحوا أعلاماً – فيما بعد – كماهود أحمد وشوكت الربيعي فيما توفي عبد الرحيم البياتي وعبد المنعم مسافر وفؤاد محمود. ولم يبق في العمارة سوى عبد اللطيف ماضي الذي ما زالت ريشته تداعب الألوان برفق ورهافة وتحولها إلى لوحات فنية رائعة تحكي واقع العمارة بأسواقها المزدحمة وشناشيلها الآيلة للسقوط وحرفها الشعبية المحتضرة وقيمها التي تدل على تقديس أهل العمارة لمثلهم العليا. . ونقول كما قال هيجكوك حاكم العمارة السياسي (1917-1927) في كتابه الحاج ريكان : أيكون هذا دليلاً على أن شعب هذه البلاد سيكون في يوم ما أمة عظيمة؟ أم هل هذا هو النفس الأخير لشعب مجيد قد تدهور. . ؟؟.