اسم الكاتب : رياض سعد
من أهم واجبات الحكومات حماية ثروات الوطن وخيرات البلد واموال المواطنين , وذلك من خلال تشريع القوانين الصارمة والعادلة والمفيدة والتي تصب في مصلحة الوطن والمواطن , ومن ثم تنفيذها بقوة القانون وتطبيقها على ارض الواقع , ومحاسبة المقصرين ومعاقبة المخالفين ؛ بل ومراعاة التطورات الاقتصادية العالمية بما يضمن استمرارية مصالح الوطن والمواطن .
ومن خلال ما تقدم تعرف عزيزي القارئ ؛ عظم المصيبة التي نعيشها في العراق ؛ فالكل يعمل ويشتغل اناء الليل واطراف النهار ؛ و وفقا لخطط مدروسة ومؤامرات منكوسة ؛ واحداث واجراءات وقرارات متسلسلة ؛ من اجل تطبيق النظرية الامريكية ( الفوضى الخلاقة ) وتحويل بلاد الرافدين الى احدى محطات الرأسمالية الاستكبارية البشعة , وهذه الخطوات الشيطانية تهدف الى نهب ثروات العراق وافلاس العراقيين , وافقار الامة العراقية , كي لا تقوم لها قائمة .
وبدأت اولى فصول المسرحية التخريبية الاستعمارية والاستكبارية المنكوسة : بالفرهود ( الحواسم ) , فبعد إسقاط حكم البعث الجائر وأصنام الدكتاتور، قام الجياع بعمليات الفرهود (النهب) لمؤسسات الدولة انتقاماً منها، لأن الحكومات الهجينة المتعاقبة جعلتهم يشعرون أن هذه الدولة ليست دولتهم بل عدوة لهم، لذا حان الوقت للانتقام منها، والمؤسف أن القوات الدولية بقيادة أمريكا سمحت لعمليات الفرهود والتدمير التي طالت حتى المتحف الوطني والمكتبات الوطنية التي أشعلوا فيها النيران … ؛ ومن ثم بدأ الفصل الثاني او المرحلة الثانية : مرحلة تفشي الفساد والرشوة بين الموظفين، وقيام بعض المسؤولين، وزراء ونواب وغيرهم ، بنهب الثروات والاموال العامة والفرار بها إلى الخارج من أمثال : وزير الدفاع السابق حازم الشعلان (مليار دولار)، ووزير الكهرباء أيهم السامرائي (300 مليون دولار) وصفقة القرن …الخ ؛ ثم المرحلة الثالثة : حيث تم منح رواتب خيالية للوزراء والنواب تفوق رواتب نظرائهم في أغنى دولة في العالم، ويتمتع هؤلاء عند تقاعدهم بـ 80% من تلك الرواتب حتى ولو خدموا في مناصبهم لأسابيع قليلة، وبعض النواب لم يحضروا جلسات البرلمان أصلاً، بل يقيمون في عمان وبلدان أخرى، إضافة إلى الامتيازات الخيالية من رواتب الحماية، والمستشارين، وصرفيات المكاتب التي تقدر بالملايين من الدولارات … ؛ ثم المرحلة الرابعة : مرحلة نهب ثروات وخيرات البلاد عن طريق عقد مقاولات مع شركات وهمية تقدر بالمليارات من الدولارات … ؛ و من ثم المرحلة الخامسة : اذ قاموا بتهريب العملات الصعبة إلى الخارج بمعدل مليار دولار أسبوعياً ، وادعى بعض الاقتصاديين المرتزقة والمأجورين : أن التحويلات الخارجية هذه تؤدي إلى دعم ورفع قيمة الدينار العراقي … ! ؛ بينما الذي نعرفه من خبراء الاقتصاد الحريصين على مصلحة الوطن، أن قيمة الدينار تعتمد على حجم الاحتياطي من العملات الصعبة في البنك المركزي وليس بيعها أو تهريبها ؛ مما ادى فيما بعد الى تدهور قيمة الدينار … ؛ واخيرا المرحلة السادسة وهي المرحلة الحاسمة والقاضية : حيث يتم التحضير لتبديد الثروات النفطية والخيرات الوطنية بذريعة الخصخصة والاستثمارات الاجنبية وعجز الدولة عن القيام بوظائفها … الخ . (1)
وقد سرب الكاتب سمير عبيد معلومات خطيرة حول الاوضاع الاقتصادية المستقبلية ومشكلة الجفاف والامن الغذائي في احدى لقاءاته ؛ قائلا – ما معناه – : (( ان الامريكان وحلفائهم لهم علاقة بمشكلة الجفاف ؛ فالأتراك لا يستطيعون قطع الماء عن العراق لولا موافقة هذه الدول الكبرى , وهم يعملون على تجفيف الاراضي العراقية اولا ؛ كي يتم الاستيلاء عليها فيما بعد من قبل الشركات الرأسمالية العالمية الكبرى , وعندها تعود المياه الى مجاريها , وترجع المياه الى نهري دجلة والفرات والاهوار , ولكن بعد سيطرة تلك الشركات على هذه الموارد الطبيعية العراقية , وعندها يعمل الفلاح العراقي عند تلك الشركات الاجنبية بأجر معلوم وبسيط بالكاد يؤمن له قوت يومه ؛ حتى اصطياد الاسماك لا يتم الا بشروط مجحفة واستغلال للصياد العراقي … الخ )) .
والا بماذا تفسر حرق المحاصيل الزراعية واتلافها بحجج واهية , وعدم دعم الفلاحين العراقيين , والمماطلة في شراء الحنطة والشعير والرز وباقي المحاصيل من العراقيين وكذلك في دفع مستحقاتهم المالية ؛ علما انها اجود وارخص من المنتجات الزراعية المستوردة … ؛ بالإضافة الى عجز الحكومة عن ايجاد حلول لمشكلة المياه او اقامة دعاوى قانونية ضد دول الجوار التي تمنع المياه عنا … ؛ وحال الصناعة هو الاخر لا يسر عدو ولا صديق ؛ فالعراق لا يصنع عود ثقاب حاليا , واما السياحة فهي الاخرى معطلة بل ان السياحة الدينية احيانا تستزف ثروات الوطن والمواطن بحجة اقامة الشعائر الدينية … ؛ والتجارة ايضا بائسة فالعراقيون ليسوا وكلاء اقليميين او دوليين كما هو حال الإماراتيين وغيرهم … ؛ حتى الصناعات النفطية على قلتها وشحتها لا تشغل اليد العاملة العراقية فهي تستعين بالعمالة الاجنبية , بل ان الحكومات العراقية تعمل على نقل المصافي النفطية والصناعات التكريرية الى دول الجوار بحجة الاستثمار ؛ كي تعمل شعوب المنطقة ويبقى العراقي يعاني الفقر والبطالة … الخ .
وفوق كل هذا البلاء والبؤس والخراب الاقتصادي ؛ سمحت الحكومة بدخول العمالة الاجنبية بشكل خطير ويهدد الامن الوطني وكذلك الامن الاقتصادي العراقي ؛ فهؤلاء العمال الاجانب يرسلون سنويا مليارات الدولارات الى الخارج ؛ بينما خزائن العراق تتجه نحو الافلاس .
والعراق اصبح سوقا لكل المنتجات الممنوعة والمحرمة و ( الاكسباير ) منتهية الصلاحية ؛ فلا توجد حماية للمستهلك العراقي ؛ وامواله تذهب هباءا منثورا … ؛ بل وغضت الحكومات العراقية الطرف عن عمليات غسيل الاموال وعمليات النصب والاحتيال الالكتروني وتشغيل الاموال بحجة ( الفايز والربح السريع ) والتجارة الالكترونية , وتشغيل الرأسمال العراقي في الخارج وادخار اموال العراقيين في البنوك والمصارف الدولية والإقليمية … ؛ مما أدى الى خسارة العراقيين لعشرات المليارات وضياع اموالهم وذهاب جهودهم بلا مقابل … ؛ فالحكومات التي لا تسطيع حماية المواطن في الداخل كيف تستطيع حمايته وهو في الخارج …؟!
بل واضحى الوطن مقرا لعصابات الفساد ومافيات المخدرات والاتجار بالأعضاء البشرية والرقيق الابيض والجنس ؛ ومركزا للشركات الامنية المشبوهة , و وكرا للمخابرات العالمية والاقليمية ؛ وكل هؤلاء اتفقوا على الحاق الضرر والاذى بالاقتصاد العراقي ونهب الخيرات وسلب الثروات الوطنية , وتبديد وتدمير الطاقات البشرية العراقية .
واحتار المواطن العراقي في كيفية حصوله على الرزق الحلال , وتحصيله للقوت اليومي او تأمين مستقبله الاقتصادي ؛ فأينما يولي وجهه الابواب مغلقة امامه حتى شاع بين العراقيين نكهة تعبر عما وصل اليه حال الشباب العراقي : ((العامل بنگالي والكابتن مصري والكاشير سوري والشيف لبناني .. والمجدي بالباب عراقي !! ) .
ولعل تصريح وزير المالية الفاسد ( علاوي) و المستقيل من حكومة رئيس الوزراء ( الكاظمي ) الافسد ؛يكشف لنا جزءا من خيوط المؤامرة الكبرى ؛ اذ قال : (( تعمل شبكات سرية كبيرة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل للسيطرة على قطاعات واسعة في الاقتصاد وتسحب مليارات من الدولارات من الخزينة العامة وهذه الشبكات محمية من قبل الأحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون وحتى القوى الأجنبية ولقد وصل هذا الاخطبوط الهائل من الفساد والخداع إلى كل قطاعات الاقتصاد في الدولة ومؤسساتها ويجب تفكيكه مهما كان الثمن إذا كان مقدرا لهذا البلد ان يبقى على قيد الحياة …)) .
وسأذكر لكم موضوعا واحدا من مئات المواضيع المالية والاقتصادية التي تؤدي الى تبديد ثروات العراق وحرق اموال العراقيين ؛ من باب المثال ليس الا : بدأت ظاهرة انشاء البنايات الكبيرة والعالية بعد سقوط الصنم الطائفي عام 2003 بالانتشار بين العراقيين ؛ اذ أنشئت ابنية شاهقة وعمارات عالية تتكون من عدة طوابق ؛ لم تكن مألوفة في العراق فيما سبق ؛ وهذه الظاهرة جيدة لو انها طبقت بشرطها وشروطها ؛ فالظواهر والعمليات والانشطة الاقتصادية مرتبطة بعضها ببعض ؛ ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض ؛ اذ كلها تخضع للقوانين الاقتصادية والنظريات العلمية المالية ؛ كنظرية العرض والطلب وغيرها ؛ الا ان هذه الظاهرة اضحت فاشلة لأسباب عديدة ؛ ولعل هذا النشاط الاقتصادي ؛ اشبه بمن يعمل على زراعة شجرة في الصحراء من دون توفير المياه لها او اعتناء الفلاح بها ؛ فالنتيجة الحتمية موت الشجرة لا محالة ؛ وبعض هذه البنايات أنشئت بطريقة الاستثمار ؛ لأجل نمو الأموال وزيادتها وتنشيط الحركة التجارية أو السياحية أو السكنية ونحوها من الاغراض … ؛ الا انها فشلت لان اغلب العراقيين لا يستسيغون السكن في الشقق فضلاً عن تلك الكائنة في الطوابق العالية من الرابع وما فوقه (2)؛ ولأنهم يعرفون جيدا ان هذه البنايات تحتاج الى توفير الخدمات المستمرة والرعاية والصيانة الدائمة كضرورة توفر المصاعد والكهرباء والماء طوال اليوم , والتشجير والمساحات الخضراء وغيرها ؛ و وضع العراق كما يرون …؟!
قطعا سوف تخلو هذه البنايات من السكان ؛ وذلك للأسباب التالية : عدم توفر الخدمات الكاملة والضرورية , وعدم ثقة العراقيين بالحكومة او المستثمر في توفير ضروريات السكن المريح والامن , وارتفاع اسعار تلك الوحدات السكنية , وغلاء ايجارهن … الخ .
هذا بالنسبة للسكن اما ما يخص استخدام تلك الوحدات للعمل او السياحة او الاستراحة والترفيه ؛ فهي لا تنجح ايضا ؛ وللأسباب الاتية : اغلب السواح ولاسيما فيما يخص السياحة الدينية يقضون اوقاتهم في المساجد والوقفيات الدينية او في بيوت الاصدقاء , واما من يذهب منهم الى تلك البنايات والفنادق العالية فهو يدفع لهم القليل ؛ وذلك لان ادارة العتبات والجهات الدينية تفرض على اصحاب تلك الفنادق والبنايات اسعارا محددة لا تتجاوز ال 10 دولارات كما نقل البعض ؛ مما يؤدي الى خسارة هؤلاء لان تكلفة الكهرباء والضرائب الحكومية باهظة… ؛ بالإضافة الى ان السياحة والعمل والترفيه في البنايات العالية تتطلب قوانين واجراءات وبيئة اجتماعية تتساهل مع ممارسة الحريات الشخصية وهذا الامر لا يتوفر في اغلب مناطق العراق المحافظة والمنغلقة والمتعصبة … الخ ؛ ومن المعلوم ان الطوابق العالية مكلفة بإضعاف الطوابق الدنيا كما هو معروف عند أهل الاختصاص من المهندسين والمقاولين، وهي أموال طائلة مجمدة بل يمكن وصفها بالميتة أو المحترقة إذ لا فائدة مرجو منها الا في حالات نادرة كما لو دعت الحاجة الى هذه الطوابق المرتفعة في مناسبات قليلة سنوية وهي لا تسد جزء يسيراً من كلفة انشائها , مما قد يضطر صاحبها الى عرضها للبيع وإذا بيعت مع قلة الرغبة إليها فقيمتها قد تهبط الى الثلث أو النصف على افضل تقدير … ؛ وقد شاهدنا بأم العين : كيف ان ( المول ) الفلاني قد اغلق ابوابه بوجه الناس واعلن افلاسه , وتحول الى بناية مهجورة , والكثير من البنايات اصبحت طوابقها العالية مقرا للأوساخ و مكبا للنفايات من قبل البعض … ؛ والاغرب في الامر ان اموال الاستثمار – المحترقة – بعضها حكومية لا من جيب المستثمر ولعمرك هذا من العجب ... ؛ بل وصل الامر الى ان تسجل اموال ومؤسسات الاوقاف الدينية بأسماء اشخاص عاديين ومن دون علم الحكومات العراقية .
والمقترح المعقول والحل يكمن في تشجيع الحكومة ودعمها للبناء العمودي , والعمل على تقليص البناء الافقي , واستغلال المساحات للزراعة والصناعة والسياحة والمرافق العامة , واشاعة ثقافة السكن والعمل والاستراحة والترفيه في البنايات العالية ؛ بمساعدة ومؤازرة منظمات المجتمع المدني , و تحديد اسعار الوحدات بما يناسب اقل دخل للمواطن العراقي ( المتقاعد مثلا ) فصاعدا ؛ وتخفيف الرسوم والضرائب على تلك الوحدات , واقراض المواطنين لأجل السكن فيها ؛ مع الإخذ بالاعتبار رفع اسعار الوحدات والاراضي الافقية وزيادة الرسوم والضرائب عليها , بالإضافة الى تحديد معالم البنايات العالية والمجمعات السكنية وغيرها وفقا للشروط الهندسية الرصينة والنماذج العمرانية والاشكال الهندسية الجميلة و التصاميم الراقية والتي تشرف عليها وزارة التخطيط و دوائر الامانة والمجالس البلدية ؛ كأن يشترط في واجهات تلك البنايات ان تكون من مادة الحجر او المرمر المقاوم للظروف الجوية ؛ او غيرها من المواد القوية والجميلة ؛ بدلا من بعض الواجهات التي تتكون من مواد رخيصة ولا تتسم بالتقنية الحديثة او القوة والرصانة او جودة الصناعة ؛ مما يؤدي الى تلفها وتآكلها سريعا … .
ومن دون اشراك المكاتب الاقتصادية الاستشارية وخبراء الاقتصاد ,وتنفيذ هذه الاجراءات والتعليمات الانفة الذكر ؛ فأن عمليات البناء العمودي العالي الفاشل سوف تستمر , وتستمر معها عمليات هدر ثروات الامة العراقية وحرق اموال المستثمرين العراقيين وضعف اقبال المواطنين عليها … .
بينما لو جاء المستثمر العراقي وتعاقد مع الدولة وفقا للشروط القانونية والبيئية الصحيحة والتي تضمن حق المواطن والمستثمر معا – مثلا- ؛ ومن دون رشاوى و محسوبيات وعمولة وصفقات فساد , وقام ببناء مستشفى تخصصي حديث يتكون من 20 طابقا , ومجهز بأحدث المصاعد , والاجهزة والمستلزمات الطبية والبيئية والامنية الراقية والرصينة , مع توفير كادر طبي تخصصي معروف بالكفاءة والنزاهة والمهنية , بالإضافة الى الاخذ بعين الاعتبار : ضرورة توفير المساحات الخضراء التي تحيط بالمستشفى من جوانبه الاربع , وكذلك ( كراج ) للسيارات , ومهبط في اعلى البناية ( للهليكوبتر ) واماكن استراحة للمراجعين ( كوفي ومطعم وما شابه ذلك ) , في منطقة تجارية او مكتظة بالسكان وخالية من المستشفيات والعيادات الاهلية , وبأسعار مناسبة ؛ لنجح المشروع التجاري الاستثماري بدون ادنى شك .
……………………………………..
- خطط مُبيَّتة لنهب ثروات العراق / عبد الخالق حسين / بتصرف .
- الاستحراق لأموال العراقيين / قاسم الطائي / بتصرف .