
اعداد وتقديم وتحليل صباح البغدادي
مع دخول المواجهة بين إسرائيل وإيران يومها الرابع، استهدف الطيران الإسرلئيلي مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي في طهران، وأظهرت مقاطع فيديو لحظة قصف أحد استديوهات التلفزيون خلال بث مباشر.وأفادت وسائل إعلام إيرانية بمقتل عدد من الموظفين بالتلفزيون الإيراني جراء الاستهداف، وأكدت إعادة بث قناة خبر الإيرانية بعد دقائق من تعرضها للقصف الإسرائيلي.وفي وقت سابق، أفاد مراسل الجزيرة بعد ظهر اليوم الثلاثاء 16 حزيران 2025 بسماع أصوات انفجارات شديدة وتفعيل الدفاعات الجوية غربي طهران. وقالت وكالة فارس إن المقاتلات الإسرائيلية تستهدف قاعدة عسكرية في المنطقة نفسها.”انتهى الاقتباس”.
في خضم الحرب المستعرة بين إسرائيل وإيران، التي دخلت منعطفًا خطيرًا مع تصعيد غير مسبوق، برز الإعلام كسلاح استراتيجي لا يقل أهمية عن الصواريخ والطائرات. القصف الإسرائيلي الأخير لمبنى التلفزيون في طهران، الذي أودى بحياة عدد من العاملين، وتزامنه مع تهديدات إسرائيلية بـ”إسكات صوت إيران وبوقها الإعلامي”، يكشف عن معركة موازية تُخاض على الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي. في هذا السياق، تتجلى قدرة الإعلام على تحويل الخسائر العسكرية إلى انتصارات زائفة، أو العكس، عبر الدعاية الحربية وصناعة الرواية. هذا المقال يحلل دور الإعلام في هذه الحرب، وكيف يُستخدم من قبل إيران وحلفائها لمواجهة الضغط الإسرائيلي، مع تسليط الضوء على استراتيجيات الدعاية وتأثيرها على حسابات النصر والخسارة.
وفي صياغة تحليلنا لهذا القصف سوف نستعرض الدور الحيوي الذي سوف يقوم بها الاعلام الرسمي العراقي والحزبي والتابع للفصائل الولائية المسلحة وجيوشهم الالكترونية في تعزيز الخطاب الرسمي الايراني والترويج له بكثافة ومن خلال عدة محاور ومن اهمها :
تجنيد الإعلام العراقي الرسمي والحزبي والجيوش الإلكترونية لدعم أجندة الحرس الثوري الإيراني
خلال الساعات القادمة، من المتوقع لدينا والاكيد أن نشهد حملة إعلامية مكثفة منظمة تهدف إلى تعزيز الرواية الإيرانية في مواجهة التصعيد العسكري مع إسرائيل. الحرس الثوري الإيراني، استجابةً للضربات الإسرائيلية الأخيرة، بما في ذلك قصف مبنى التلفزيون في طهران، سيُجند كافة القنوات الإخبارية والإذاعية التابعة له وحلفائه في المنطقة، خاصة في العراق، مثل قنوات “العهد” و”النجباء” الممولة من الفصائل الموالية وغيرها من القنوات الاخبارية . هذه القنوات، إلى جانب البرامج الحوارية السياسية، وكذلك سوف تقوم هيئة الاعلام والاتصالات العراقية بالطلب واصدار الاوامر الى القنوات الاخبارية والاذاعية داخل العراق بتعزيز الخطاب الايراني الموجه وحتى فرض وصاية على البرامج الحوارية الاخبارية للقنوات التي لا تتناغم مع ايران واذا رفضت سوف يتم اغلاقها وفرض الوصاية الاعلامية عليها وستركز على:
- بث خطابات دعائية تُبرز “صمود إيران” وتُصور الضربات الإسرائيلية كـ”عدوان صهيوني”، مع تضخيم الإنجازات العسكرية الإيرانية.
- نشر بيانات عسكرية تُؤكد على قدرة الحرس الثوري على “الرد الموجع”، حتى لو كانت هذه البيانات مبالغ فيها أو غير مدعومة بأدلة.
- تعبئة الرأي العام من خلال قصص “الشهداء” والتأكيد على الوحدة الوطنية لمواجهة الضغوط الخارجية.
بالتوازي، ستُفعّل الجيوش الإلكترونية الإيرانية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وتليغرام، لنشر محتوى مكثف يشمل مقاطع فيديو مُعدلة، هاشتاغات مثل #إيران_قوية أو #المقاومة_مستمرة، وتقارير مضللة عن خسائر إسرائيلية. هذه الحملة تهدف إلى تحويل الخسائر العسكرية إلى “انتصارات رمزية”، وتعزيز الدعم الإقليمي لإيران، خاصة في العراق ولبنان وسوريا، مع إضعاف الرواية الإسرائيلية. هذه الاستراتيجية الإعلامية تُظهر مدى قدرة إيران على استخدام الإعلام كسلاح لتعويض الضعف العسكري، لكن نجاحها يعتمد على مدى فعالية التنسيق مع حلفائها وقدرتها على مواجهة الدعاية الإسرائيلية المدعومة غربيًا.
المحور الأول: الإعلام كأداة لصناعة النصر الزائف
1. تحويل الهزيمة إلى انتصار
في الحروب الحديثة، لا يُقاس النصر بالسيطرة على الأرض أو تدمير الأهداف العسكرية فحسب، بل بقدرة الطرف المتحارب على فرض روايته على الرأي العام. إيران، التي تُعاني من خسائر عسكرية وبنيوية كبيرة نتيجة الضربات الإسرائيلية، تسعى عبر إعلامها الرسمي وقنواتها التابعة إلى تحويل هذه الخسائر إلى “انتصارات رمزية”. على سبيل المثال، قد تُروج وسائل الإعلام الإيرانية لفكرة أن “صمود طهران في وجه العدوان الصهيوني” هو بحد ذاته انتصار، حتى لو كانت الخسائر المادية هائلة.
2. استراتيجيات الدعاية الإيرانية
- التركيز على الخطاب العاطفي: تستخدم القنوات الإيرانية، مثل “برس تي في” و”العالم”، خطابًا عاطفيًا يُركز على “العدوان الإسرائيلي” و”الشهداء” لتعبئة الرأي العام داخليًا وإقليميًا. هذا الخطاب يهدف إلى تحويل الخسائر إلى قصص بطولة ومقاومة.
- تضخيم الإنجازات العسكرية: حتى لو كانت الضربات الإيرانية محدودة التأثير، فإن الإعلام يُبالغ في وصفها كـ”ضربات موجعة” لإسرائيل، مثل الإعلان عن إصابة أهداف عسكرية حساسة دون تقديم أدلة ملموسة.
- إخفاء الخسائر: تتجنب وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية الإفصاح عن حجم الخسائر في المنشآت النووية أو القواعد العسكرية، وتُركز بدلاً من ذلك على “الوحدة الوطنية” و”قوة الردع”.
3. التأثير على الرأي العام
هذه الاستراتيجيات تُساعد إيران على الحفاظ على التماسك الداخلي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية. كما تُعزز من دعم حلفائها في “محور المقاومة”، الذين يعتمدون على الرواية الإيرانية لتعبئة أنصارهم.
المحور الثاني: استهداف الإعلام الإيراني: ضربة إسرائيلية استراتيجية
1. قصف مبنى التلفزيون في طهران
الضربة الإسرائيلية على مبنى التلفزيون الإيراني ليست مجرد هجوم عسكري، بل محاولة لتعطيل قدرة إيران على التحكم في الرواية الإعلامية. الإعلام الإيراني، بما في ذلك قنوات مثل “IRIB” ووكالة “فارس”، يُعد أداة مركزية لنشر دعاية الحرس الثوري وبث خطاب المقاومة. استهداف هذه البنية التحتية يهدف إلى:
- إضعاف القدرة على تعبئة الرأي العام داخليًا وإقليميًا.
- تعطيل التنسيق الإعلامي بين إيران وحلفائها، خاصة في العراق ولبنان.
- إرسال رسالة رمزية بأن إسرائيل لن تتسامح مع “البوق الإعلامي” الذي يُروج للعداء ضدها.
2. الرد الإيراني: تجنيد الإعلام الإقليمي
ردًا على هذا الاستهداف، ستُكثف إيران وحلفاؤها استخدام الإعلام الإقليمي التابع لهم، خاصة في العراق، حيث تُسيطر فصائل موالية لإيران على قنوات مثل “العهد” و”النجباء”. هذه القنوات ستصبح منصات لبث بيانات الحرس الثوري، وخطابات قادته، وتقارير مبالغ فيها عن “الانتصارات” العسكرية. كما ستُستخدم البرامج الحوارية السياسية لتعزيز الرواية الإيرانية، مع استضافة شخصيات موالية لتبرير التصعيد وشيطنة إسرائيل.
3. الجيوش الإلكترونية: معركة التواصل الاجتماعي
ستُجند إيران “جيوشها الإلكترونية” على منصات مثل تويتر، تليغرام، وإنستغرام لنشر محتوى دعائي مكثف. هذه الجيوش، التي تُديرها وحدات متخصصة في الحرس الثوري، ستركز على:
- نشر مقاطع فيديو وصور مُعدلة تُظهر “إصابات دقيقة” لأهداف إسرائيلية.
- إطلاق هاشتاغات مثل #إيران_تنتصر أو #المقاومة_مستمرة لتعبئة الرأي العام.
- مهاجمة الرواية الإسرائيلية عبر نشر تقارير مضللة عن خسائر إسرائيلية مبالغ فيها
المحور الثالث: الإعلام الإسرائيلي: قلب الحقائق وتضخيم النصر
1. استراتيجية الإعلام الإسرائيلي
إسرائيل، التي تتمتع بإعلام متقدم ومنسق، تستخدم وسائلها الإعلامية، مثل “كان” و”جيروزاليم بوست”، لتضخيم إنجازاتها العسكرية وتقليل خسائرها. على سبيل المثال:
- تُروج لضرباتها على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية كـ”إنجازات تاريخية” تُعيد تشكيل التوازن الإقليمي.
- تُقلل من أهمية الرد الإيراني، وتصفه بـ”الفاشل” أو “المحدود”.
- تُستخدم تقارير استخباراتية انتقائية لإظهار تفوق إسرائيل العسكري والتكنولوجي.
2. تحويل النصر إلى هزيمة إعلامية
على الرغم من تفوق إسرائيل العسكري، فإنها قد تواجه تحديات إعلامية إذا نجحت إيران وحلفاؤها في فرض رواية مضادة. على سبيل المثال، قد تُستخدم صور ضحايا قصف مبنى التلفزيون في طهران لتصوير إسرائيل كـ”معتدية”، مما يُثير انتقادات دولية ويُضعف دعمها الغربي.
3. التنسيق مع الإعلام الغربي
إسرائيل تعتمد على علاقاتها الوثيقة مع وسائل الإعلام الغربية، مثل “سي إن إن” و”بي بي سي”، لنشر روايتها. هذه القنوات غالبًا ما تُعيد صياغة التقارير الإسرائيلية، مما يُعزز من مصداقيتها لدى الجمهور الدولي. في المقابل، تواجه إيران صعوبة في اختراق الإعلام الغربي، مما يُحد من قدرتها على فرض روايتها.
المحور الرابع: حسابات النصر والخسارة في ميزان الإعلام
1. من يفوز في معركة الرواية؟
النصر في الحرب الإعلامية يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:
- السرعة: الطرف الذي ينشر روايته أولاً غالبًا ما يُشكل انطباع الجمهور. إسرائيل تتفوق هنا بفضل بنيتها الإعلامية المتقدمة.
- المصداقية: إيران تعاني من نقص المصداقية بسبب تاريخها في المبالغة، بينما تستفيد إسرائيل من دعم الإعلام الغربي.
- الانتشار: الجيوش الإلكترونية الإيرانية قد تُحقق انتشارًا واسعًا في المنطقة العربية والإسلامية، لكنها تُواجه قيودًا في الوصول إلى الجمهور الدولي.
2. تأثير الإعلام على المعركة العسكرية
الرواية الإعلامية تؤثر بشكل مباشر على معنويات الجيوش والشعوب. إذا نجحت إيران في تصوير خسائرها كـ”تضحيات من أجل المقاومة”، فقد تحافظ على تماسكها الداخلي. في المقابل، إذا فرضت إسرائيل روايتها كـ”قوة لا تُقهر”، فقد تُجبر إيران على التفاوض من موقع ضعف.
3. المخاطر طويلة المدى
- إيران: الترويج لانتصارات زائفة قد يُعزز المعنويات مؤقتًا، لكنه قد يُؤدي إلى فقدان الثقة في النظام إذا كُشفت الحقائق لاحقًا.
- إسرائيل: الإفراط في تضخيم الانتصارات قد يُثير توقعات غير واقعية لدى الجمهور الإسرائيلي، مما يُعقد الموقف إذا طال أمد الحرب.
المحور الخامس: السيناريوهات المستقبلية للمعركة الإعلامية
- سيناريو سيطرة إسرائيل على الرواية: إذا نجحت إسرائيل في تعطيل البنية الإعلامية الإيرانية وفرض روايتها عبر الإعلام الغربي، فقد تُضعف معنويات إيران وحلفائها، مما يُسرع التفاوض.
- سيناريو تعبئة إيران الإقليمية: إذا استطاعت إيران وحلفاؤها تعبئة الرأي العام العربي والإسلامي عبر قنواتهم ومنصات التواصل، فقد يُؤدي ذلك إلى ضغوط دولية على إسرائيل.
- سيناريو الفوضى الإعلامية: إذا تصاعدت الحرب الإعلامية دون سيطرة واضحة على الرواية، فقد يؤدي ذلك إلى انتشار الأخبار المضللة، مما يُعقد المفاوضات ويُطيل الصراع
الحرب الإسرائيلية-الإيرانية ليست مجرد صراع عسكري، بل معركة إعلامية شرسة تُشكل فيها الرواية سلاحًا لا يقل خطورة عن الصواريخ. قصف إسرائيل لمبنى التلفزيون في طهران يكشف عن استراتيجيتها لإسكات صوت إيران، بينما تجنيد إيران للإعلام الإقليمي والجيوش الإلكترونية يُظهر عزمها على تحويل خسائرها إلى انتصارات زائفة. في هذا السياق، يتجلى دور الإعلام كأداة لصناعة النصر أو الهزيمة، حيث السيطرة على الرواية تُحدد من يُكتب اسمه في سجل التاريخ كمنتصر. مع استمرار التصعيد، يبقى السؤال: من سيفوز في هذه المعركة الإعلامية، وكيف ستُشكل الرواية مصير المنطقة؟