الأعداد عند العلامة الطباطبائي (ثالث ثلاثة، رابعهم، سادسهم، الخامسة)

د. فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن خمسة “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” ﴿المجادلة 7﴾ الاستفهام إنكاري، والمراد بالرؤية العلم اليقيني على سبيل الاستعارة، والجملة تقدمه يعلل بها ما يتلوها من كونه تعالى مع أهل النجوى مشاركا لهم في نجواهم. قوله تعالى: “ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم” ﴿المجادلة 7﴾ إلى آخر الآية النجوى مصدر بمعنى التناجي وهو المسارة، وضمائر الإفراد لله سبحانه، والمراد بقوله: “رابعهم” و”سادسهم” جاعل الثلاثة أربعة وجاعل الخمسة ستة بمشاركته لهم في العلم بما يتناجون فيه ومعيته لهم في الاطلاع على ما يسارون فيه كما يشهد به ما احتف بالكلام من قوله في أول الآية: “أ لم تر أن الله يعلم” ﴿المجادلة 7﴾ إلخ، وفي آخرها من قوله: “إن الله بكل شيء عليم” ﴿المجادلة 7﴾. وقوله: “ولا أدنى من ذلك ولا أكثر” ﴿المجادلة 7﴾ أي ولا أقل مما ذكر من العدد ولا أكثر مما ذكر، وبهاتين الكلمتين يشمل الكلام عدد أهل النجوى أيا ما كان أما الأدنى من ذلك فالأدنى من الثلاثة الاثنان والأدنى من الخمسة الأربعة، وأما الأكثر فالأكثر من خمسة الستة فما فوقها. ومن لطف سياق الآية ترتب ما أشير إليه من مراتب العدد: الثلاثة والأربعة والخمسة والستة من غير تكرار فلم يقل: من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا أربعة إلا هو خامسهم وهكذا.

ويستطرد العلامة السيد الطباطبائي قائلا في تفسيره الآية المجادلة 7: وقوله: “إلا هو معهم أينما كانوا” ﴿المجادلة 7﴾ المراد به المعية من حيث العلم بما يتناجون به والمشاركة لهم فيه. وبذلك يظهر أن المراد بكونه تعالى رابع الثلاثة المتناجين وسادس الخمسة المتناجين معيته لهم في العلم ومشاركته لهم في الاطلاع على ما يسارون لا مماثلته لهم في تتميم العدد فإن كلا منهم شخص واحد جسماني يكون بانضمامه إلى مثله عدد الاثنين وإلى مثليه الثلاثة والله سبحانه منزه عن الجسمية بريء من المادية. وذلك أن مقتضى السياق أن المستثنى من قوله: “ما يكون من نجوى” ﴿المجادلة 7﴾ إلخ، معنى واحد وهو أن الله لا يخفى عليه نجوى فقوله: “إلا هو رابعهم” ﴿المجادلة 7﴾ “إلا هو سادسهم” ﴿المجادلة 7﴾ في معنى قوله: “إلا هو معهم” ﴿المجادلة 7﴾ وهو المعية العلمية أي أنه يشاركهم في العلم ويقارنهم فيه أو المعية الوجودية بمعنى أنه كلما فرض قوم يتناجون فالله سبحانه هناك سميع عليم. وفي قوله: “أينما كانوا” تعميم من حيث المكان إذ لما كانت معيته تعالى لهم من حيث العلم لا بالاقتران الجسماني لم يتفاوت الحال ولم يختلف باختلاف الأمكنة بالقرب والبعد فالله سبحانه لا يخلو منه مكان وليس في مكان. وبما تقدم يظهر أيضا أن – ما تفيده الآية من معيته تعالى لأصحاب النجوى وكونه رابع الثلاثة منهم وسادس الخمسة منهم لا ينافي ما تقدم تفصيلا في ذيل قوله تعالى: “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ” (المائدة 73).

وعن دلالة وحدانية الله جل جلاله يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان: من أن وحدته تعالى ليست وحدة عددية بل وحدة أحدية يستحيل معها فرض غير معه يكون ثانيا له فالمراد بكونه معهم ورابعا للثلاثة منهم وسادسا للخمسة منهم أنه عالم بما يتناجون به وظاهر مكشوف له ما يخفونه من غيرهم لا أن له وجودا محدودا يقبل العد يمكن أن يفرض له ثان وثالث وهكذا. وقوله: “ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة” ﴿المجادلة 7﴾ أي يخبرهم بحقيقة ما عملوا من عمل ومنه نجواهم ومسارتهم. وقوله: “إن الله بكل شيء عليم” ﴿المجادلة 7﴾ تعليل لقوله: “ثم ينبئهم” ﴿المجادلة 7﴾ إلخ، وتأكيد لما تقدم من علمه بما في السماوات وما في الأرض، وكونه مع أصحاب النجوى. والآية تصلح أن تكون توطئة وتمهيدا لمضمون الآيات التالية ولا يخلو ذيلها من لحن شديد يرتبط بما في الآيات التالية من الذم والتهديد.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن خمسة “وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ” ﴿النور 9﴾ قوله تعالى: “والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم” إلى قوله “من الكاذبين” أي لم يكن لهم شهداء يشهدون ما شهدوا فيتحملوا الشهادة ثم يؤدوها إلا أنفسهم، وقوله: “فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله” أي شهادة أحدهم يعني القاذف وهو واحد أربع شهادات متعلقة بالله إنه لمن الصادقين فيما يخبر به من القذف. ومعنى الآيتين: والذين يقذفون أزواجهم ولم يكن لهم أربعة من الشهداء يشهدون ما شهدوا – ومن طبع الامر ذلك على تقدير صدقهم إذ لو ذهبوا يطلبون الشهداء ليحضروهم على الواقعة فيشهدوهم عليها فأت الغرض بتفرقهما فالشهادة التي: يجب على أحدهم أن يقيمها هي أن يشهد أربع شهادات أي يقول مرة بعد مرة: “أشهد الله على صدقي فيما أقذفه به” أربع مرات وخامستها أن يشهد ويقول: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين. قوله تعالى: “ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد” (النور 8) إلى آخر الآيتين، الدرء الدفع والمراد بالعذاب حد الزنا، والمعنى أن المرأة إن شهدت خمس شهادات بإزاء شهادات الرجل دفع ذلك عنه حد الزنا، وشهاداتها أن تشهد أربع مرات تقول فيها: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ثم تشهد خامسة فتقول: لعنة الله علي إن كان من الصادقين، وهذا هو اللعان الذي ينفصل به الزوجان.