الكاتب : د. ابو عبد الدليمي
—————————————
مسرح اللاعبين في الشرق الأوسط: تصعيد محسوب أم تمثيلية كبرى؟
بقلم: د. أبو عبد الدليمي
لا يحتاج المتابع المتخصص في الشأن السياسي إلى كثير من التدقيق ليدرك أن ما يجري اليوم من “تصعيد” عسكري بين الولايات المتحدة وإيران – مرورًا بإسرائيل وقطر – لا يخرج عن كونه مسرحًا جيوسياسيًا محكماً، تدار فيه الأدوار أكثر مما تُخاض فيه المعارك.
ففي ظل الضربات الأميركية على مواقع نووية إيرانية، وردّ إيران بـ”قصف صاروخي محسوب” على قاعدة العديد في قطر، وتزامن كل ذلك مع تصريحات تدعو إلى “السلام وتجنب التصعيد”، تتضح ملامح لعبة أكبر مما هو ظاهر في الأخبار.
أولاً: لماذا نقول إنها تمثيلية؟
1. الضربة الأميركية… من أجل الصورة، لا النتيجة
ضربت أميركا “مفاعلات نووية إيرانية”، رغم علمها مسبقًا أن المواد النووية الحساسة قد نُقلت منها منذ أشهر. فلم تُسجل أي انفجارات ثانوية، ولا تسرب إشعاعي، بل حتى الصور الجوية كانت تشير إلى ضرب “منشآت فارغة جزئيًا”.
السؤال: هل من المعقول أن تجهل واشنطن هذه التفاصيل؟
الإجابة: مستحيل. بل الأرجح أنها تعمدت الضرب دون الإضرار الحقيقي، لتُسجل موقفًا سياسيًا يرضي اللوبيات، ويحفظ ماء وجهها أمام الداخل والخارج.
2. الرد الإيراني… مسرحية بدون دماء
إيران أطلقت صواريخ على قاعدة العديد الأميركية في قطر، وهو ما بدا وكأنه هجوم انتقامي قوي.
لكن الغريب أن:
• القاعدة كانت قد أُبلغت مسبقًا،
• الصواريخ اعترضت بالكامل تقريبًا،
• لم تسجَّل إصابات أو أضرار حقيقية،
• بل حتى قطر نفسها أكدت أنها كانت على علم بالضربة.
بمعنى آخر: كان الرد الإيراني أكثر ما يكون استعراضًا سياديًا موجَّهًا للجمهور المحلي، لا فعلًا عسكريًا ذا أثر.
خريطة اللاعبين وأدوارهم في المسرح الحالي
الولايات المتحدة
• الدور: المخرج والمنتج التنفيذي.
• الهدف: ضبط التوازن، تهدئة إسرائيل، إشغال إيران، ومنع الانفجار الكامل.
• الرسالة: “نحن موجودون، لكن لا نريد حربًا شاملة”.
إيران
• الدور: الممثل الرئيسي الذي يبدو غاضبًا، لكنه ملتزم بالنص.
• الهدف: تعزيز هيبة النظام داخليًا، الرد على إسرائيل شكليًا، وتجنب مواجهة مفتوحة مع أميركا.
• الرسالة: “نردّ، لكن بحدود اللعبة”.
إسرائيل
• الدور: اللاعب العصبي، الذي يدفع للتصعيد الحقيقي.
• الهدف: تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل.
• الرسالة: “ما تفعلونه غير كافٍ”.
قطر
• الدور: المسرح نفسه – ومنصة العرض.
• الهدف: الحفاظ على دور الوسيط، وإثبات أهميتها الاستراتيجية لكل الأطراف.
• الرسالة: “نحن جسر التواصل، وليس ساحة الصراع”.
إذاً، ما الغرض الحقيقي من هذا التصعيد؟
الغرض الحقيقي…. و من يخدمه؟
إعادة ترتيب النفوذ في المنطقة… يخدم / (أميركا وإيران وتركيا)
تسويق النفوذ الداخلي للإيرانيين…. يخدم / النظام الإيراني
تهدئة الحلفاء الإقليميين…. يخدم / (الخليج + إسرائيل) واشنطن
فتح الباب أمام مفاوضات جديدة بشروط أقوى ….. يخدم / الجميع تقريبًا
الخلاصة: حين يكون الصاروخ رسالة، لا سلاحًا
ما نراه اليوم ليس حربًا حقيقية… بل عرضًا مسرحيًا استخباراتيًا عالي المستوى، تديره العقول لا البنادق. كل لاعب يعرف موضعه، و”يصرخ” في لحظته دون أن يُطلق رصاصة حقيقية، والكل يحرص أن لا تخرج القصة عن نصها المكتوب مسبقًا.
في هذا المسرح، قد يُصاب بعض الحضور بالذهول من المشهد، لكن الحقيقة خلف الستار تظل واحدة:
في الشرق الأوسط… ليست كل الضربات حربًا، وليست كل الدماء حقيقية، لكن كل شيء له هدف سياسي محسوب.
بقلم: د. أبو عبد الدليمي
كاتب ومحلل في الشؤون السياسية