رياض سعد
المسافر الذي خان الطريق
لم يكن ثمّة ما يدعو للبدء والمسير .
لا نداء… لا وجهة… لا قطار ينتظر… لا حبيب …
فقط خريطةٌ مهترئة ورجفةٌ خفيّة في صدر “المسافر” الذي كان يومًا يُدعى باسمه.
كان يملك دليلًا ذات يوم، أعطاه إياه أستاذه في المدرسة عندما كان فتى يافعا :
((سرْ على الخط المستقيم… لا تلتفت… لا تسأل كثيرًا…))
لكن الخط المستقيم تكسّر تحت قدميه ،والأستاذ غاب في الثرى …
والمسافر وجد نفسه يسير في طريقٍ لا يعرف إن كان اختاره… أم اجبر على السير فيه .
كان الطريق صامتًا… أكثر مما ينبغي ، والأشجار تحني رؤوسها كأنها لا تجرؤ على النظر إليه او تتحاشى ذلك .
البوصلة تعطلت يوم تعطل فيه قلبه عن تصديق البدايات.
ولمّا سأل نفسه: “إلى أين أمضي؟”
ضحكت الريحُ وقالت: “إلى اللاشيء… حيث يسكن الحيارى …
وقد جد بالسير حثيثا لا لكي يصل بل لأنه نسى الوقوف في الطريق الموحش … ؛ حتى تعب منه الطريق…
نعم، تعب الطريق من خطواته المبعثرة والمسرعة والمثقلة بكل انواع الهموم … ؛ فتوقف الطريق ، وتركه وحيدًا في مفترقٍ لا إشارات فيه ولا دلالات .
عندها، قرر أن يخون الطريق…, وأن يتخلّى عنه ؛ ويرتمي في حضن “الدروب “… ؛ ولم تكن الدروب مستقيمة كالطرق ايضا …، بل متشظية ، تنبت من الصخر والحفر وتؤدي إلى المهالك والكهوف المظلمة والابار العميقة المعطلة …
وفي أحدها، وجد شجرة تشبه أمه… ،وفي آخر، بيتًا بلا نوافذ يشبه طفولته… ،
وفي دربٍ ثالث، رأى وجهه مرسومًا على المرآة لكنه مقلوب… ؛ ضحك، وبكى، وسكر من دون خمر… ؛ وهمس قائلا :”فما أطولَ الأملَ، وما أقصرَ الحياة!
وما أضيقَ الطريقَ حين يكونُ بلا عشق!”
وفجأة، سمع صوتًا من قلبه…؛ كأنه صوت عمر الخيام يرنّ كناي في المساء:
“لبستُ ثوبَ العدمِ يومًا،
وقلتُ: يا كأسَ الهوى، عبِّني بلا ندمٍ…
ما العمرُ إلا سُكرٌ،
وما الموتُ سوى صحوٍ سخيفٍ لا طَعمَ فيه.”
عندها، صنع من الدروب مملكة، ومن الضياع معبدًا، ومن الزمن صديقًا لا يُعاتب.
وكتب رسالة وعلقها في الهواء , وقال فيها : ” إلى الذين ينتظرون الدليل ،
لا تنتظروا…
فمن ضاع باكرًا، عاش أكثر.”