جليل هاشم البكاء
ملف الاستثمار في العراق، وبالخصوص في قطاع الإسكان وما يشابهه، لا يزال واحدًا من أكثر الملفات تعقيدًا ونفورًا للمستثمر الأجنبي، ومرهقًا ومؤذيًا للمستثمر المحلي. هذا البلد، الذي مرّ بسنوات طويلة من الدكتاتورية، شهد خلالها مصادرة الأراضي بشكل مزاجي وظالم، وبتشكيلات قانونية هشّة، من المستحيل أن تمر تلك المرحلة دون أن تترك وراءها تركة ثقيلة تتوارثها الأجيال.
اليوم، مع محاولات إنعاش الاقتصاد واستقطاب رؤوس الأموال، لا يمكن لهيأت الاستثمار أن تكتفي بتقديم نفسها كجهة إدارية دورها ينتهي عند إصدار التراخيص، أو تبرر التجاوزات والاضطرابات بحجة موافقة مالك الأرض، سواء كانت الدولة أو القطاع الخاص. الواقع يؤكد أن هيأت الاستثمار ليست جهة محايدة بل هي جزء أصيل من القرار، وعليها مسؤولية مضاعفة في تهيئة البيئة القانونية والإدارية الجاذبة، وليس الطاردة.
المستثمر الأجنبي لا يبحث فقط عن عائد مالي، بل يحتاج إلى طمأنينة قانونية، وضمانات حقيقية تحميه من النزاعات المتراكمة على الأراضي، والضبابية في ملكيتها، والتجاوزات التي تظهر فجأة بعد بدء المشروع. إذا أرادت هيأت الاستثمار أن تكون فعلاً بوابة التنمية، فعليها أن تضع لمساتها القانونية والإدارية بدقة عالية، وتبتعد عن الأساليب البيروقراطية أو المواقف الضعيفة التي تُفسّر وكأنها تواطؤ أو إهمال.
في المقابل، لا ينبغي لأصحاب الأراضي المصادرة في الفترات السابقة، أو أولئك المتضررين من سياسات مصادرة سابقة، أن يواجهوا المستثمرين بشكل مباشر أو أن يحوّلوا المشاريع إلى ساحات صراع. الطريق القانوني هو الضامن الوحيد للحقوق،
وعلى الجميع احترامه. على المتضررين أن يلجؤوا للقضاء لا إلى المواجهة الميدانية، وعلى الدولة وهيأت الاستثمار أن تتحملا كامل المسؤولية في تصفية النزاعات قبل طرح أي مشروع استثماري، وأن تتحملا أيضًا تبعات أي خسارة يتكبدها المستثمر أو أي جهة أخرى نتيجة إهمال أو تقصير في معالجة الأوضاع القانونية للأراضي.
القضية ليست إجراءات ورقية فقط، بل هي جزء من معركة ثقة تحتاج إلى حسم واضح، وإلى قرارات شجاعة تضمن أن يكون العراق بيئة آمنة ومحترمة للاستثمار، لا ساحة معارك قانونية وأرضًا مشحونة بالإرث السلبي.
جليل هاشم البكاء