المسلسل المشؤوم وقراءة نصف التاريخ فحسب !!

الكاتب : احمد مكتبجي
—————————————
حدث في صبيحة الـ 14 تموز / 1958،انقلاب عسكري دموي في العراق وكان بالإمكان جمع العائلة المالكة وترحيلها بكل تقدير واحترام الى الأردن حيث يقطن ويحكم أبناء عمومتهم هناك ، فإن شاؤوا قضوا بقية حياتهم فيها، وأن أرادوا سافروا الى واحدة من الدول الاوروبية، تماما كما حدث مع الملك فاروق قبلها بمصر في 23 تموز / 1952 وقد تم ترحيله على متن اليخت الملكي المحروسة الى ايطاليا، وتوتة توتة خلصت الحدوتة، ويا دار ما دخلك شر ، الموقف الذي احتسب للضباط الاحرار والانقلابيين لاحقا ،وكانوا يمثلون الذراع الاميركي لحظة قيام الثورة وبدعم منهم ضد النفوذ البريطاني المتراجع آنذاك وبشدة في كل من العراق ومصر والسودان،قبل أن يغتاله بخطة وضعها شبيه ناظم كزار العراقي ، وأعني به رئيس المخابرات المصرية الاسبق ” صلاح نصر” بمساعدة كارسون المطعم وهو من أصول عربية مصرية وقد دس السم في كأس عصير الجوافة الخاص بالملك فاروق وذلك عندما كان آخر عنقود أسرة محمد علي ، يتناول طعامه الدسم داخل مطعم إيل دي فرانس، بصحبة الحسناء الايطالية ايرما كابيتش ، في روما عام 1965 وفقا لتصريحات ابنته الأميرة فريال !
وكان بالإمكان ترحيل النساء من قصر الرحاب وإعفاء الخدم وتسريحهم ، مقابل تقديم الامير عبد الاله ، والملك فيصل الثاني ، ورئيس الوزراء نوري السعيد ، الى محاكمة علنية عادلة وتحت إشراف أممي على أقل تقدير لنفهم هل كانوا خونة وعملاء وفسقة وسراق مال عام بحق كما يزعم معارضوهم ، أم أنها مجرد ادعاءات وأكاذيب وتهويلات يراد من ورائها تلميع الأذرع الأمريكية التي قامت بالثورة ضد الأذرع البريطانية التي أسدل عليها الستار منذ ذلك الحين ؟! وبما يصدق عليها القول المنسوب للباشا : ” إن الواقع السياسي المأزوم عبارة عن منهول = صرف صحي ، وأنا الغطاء المعدني، فإذا ما أزيح هذا الغطاء فعليك أن تعد العدة لأسراب لا تحصى من الصراصير التي ستظهر الى السطح وعلى حين غرة !” .
كما كان بالإمكان تحويل قصر الرحاب بتحفه وأثاثه ولوحاته النفيسة النادرة الى متحف تاريخي يرتاده العراقيون والسياح الاجانب على سواء لتبقى “دار السيد مامونة” على رأي نوري باشا السعيد الذي قتل وسحل في اليوم التالي للانقلاب قبل أن تدفن بقاياه في مقبرة الكرخ …أما الوصي عبد الاله – خال الملك – فهذا قد تم سحله في شوارع وطرقات وأزقة بغداد بالحبال والتمثيل بجثته كالكلب العقور قبل حرق النزر اليسير الذي تبقى منها !!
ولاشك أن إبادة العائلة المالكة في العراق داخل قصر الرحاب عن بكرة أبيها بنسائها ورجالها وخدمها وحشمها وبهذه الطريقة البشعة والتي أعقبتها أعمال سلب ونهب -طبقية – طالت كل أثاث القصر الملكي ومحتوياته، وبما يشبه الى حد بعيد ابادة أسرة رومانوف،على يد البلاشفة في روسيا في 16–17 تموز 1918 (الرجاء مطابقة التواريخ مع بعضها للمقارنة وللأهمية القصوى ) كله قد أعطى انطباعا بأن مسلسل إهراق الدماء الزكية المعصومة قد بدأ حرفيا ولاسيما وأن العائلة المالكة في العراق تحديدا لم تتورط بدماء المعارضين السياسيين إلا لماما وذلك بخلاف الأنظمة التي جاءت بعدها وقد غاصت ببرك الدماء الزكية الى الأعناق وزيادة ، هنا سيقول بعضهم جريا على العادة ، ولكن العائلة المالكة كانت عميلة لبريطانيا ، نيووو !! ولاشك أن ردي وجوابي الوحيد والأوحد سيكون على طريقة بعض الممثلين في الأفلام التاريخية السخيفة : هاهاهاها ، وبما يذكرني بالقبر الذي زاره تشرشل ذات يوم فضحك وقهقه عاليا هاهاها حين قرأ عبارة مكتوبة على شاهد القبر خلاصتها “هنا يرقد السياسي المحنك ،والرجل الصالح فلان بن علان ” فقال تشرشل ” إنها المرة الأولى في حياتي كلها التي أعثر فيها على رجلين مدفونين في قبر واحد !” ولا سالفتنه، لأنني لم أجد في تاريخ حكام الشرق الأدنى والأقصى والأوسط الحديث كله من لم يكن منهم عميلا للأجنبي،شرقيا كان هذا الأجنبي أم غربيا…فـ :

لا تنه -أغاتي-عن خلق وتأتي مثله ..عار عليك إذا فعلت عظيم

واسمحوا لي أن أكرر هاهنا ما سبق لي التحذير من مغبة الإطلاع على نصف تاريخ فحسب لأنه وببساطة شديدة = جهل مطبق بصناعة وحركة التاريخ كله ، فنحن نقرأ ونلقن ونتعلم ونحفظ نصف تاريخنا فقط لا غير، أما نصفه الآخر فمحجوب وممنوع من – المعرفة والعرض والصرف- ولأسباب سياسية بحتة ولأن التاريخ كتبه إما المقربون من القصر، وإما المقربون من المعارضة، وكلاهما لم يكتب التاريخ يوما بموضوعية وانصاف كما ينبغي له أن يكتب ، وبالتالي فنحن لم ولن نفهم التاريخ يوما قط إلا إذا قرأناه بشقيه،الشق الذي كتبه المعارضون، والشق المغاير كليا الذي كتبه القصر، لنعمد وبعد قراءة الشقين معا على اخضاعهما للتحليل الموضوعي والى النقد البناء لكتابة شق ثالث جديد من التاريخ من شأنه أن يضع بعض النقاط على بعض الحروف ..لأن من يقرأ نصف تاريخه كمن يشاهد فيلما سينمائيا داخل الصالة بعد ربع ساعة من بدء العرض ليخرج منها قبل نصف ساعة من نهاية الفيلم وبما لايحق له وبعد هذا التفريط المتعمد نقد الفيلم ، أو تقريظه ، ولا حتى الحديث عنه وبأي حال من الأحوال ،لأنه لم يفهم شيئا من الفيلم ، وبما يصدق فيه قولهم ” لاحظت برجيلها ،ولا خذت سيد علي ” .

وأضيف بأن لا شيء في أحداث التاريخ الكبرى إلا فيما ندر يشبه نهايات الأفلام المصرية والهندية السعيدة إلا فيما ندر ،ولا بخواتيم قصص الأطفال الشهيرة ما قبل النوم لينتهي كل شيء بـ”وعاشوا عيشه سعيدة ..ولو بيتكم قريب كان جبنالكم حمص وزبيب” ، وعلى المفكرين والباحثين والوعاظ والكتاب والمؤرخين والأكاديميين كافة عدم اجتزاء وقائع من التاريخ وتصويرها – للغافلين الذاهلين المساكين – على أنها نهاية المأساة أو نهاية تاريخها لأن بعض ما توهمون الناس بنهايته السعيدة هو وفي حقيقة الأمر وعند البحث والتقصي الدقيق المتأني من مصادره ومراجعه ومظانه المعتمدة قد بدأ للتو ، ولا أريد الخوض بالتفاصيل لأن بعضها محبط للغاية ولاسيما ما يتعلق منها بمنطقة – الشرخ – الأوسط الكبير ،ماضيا وحاضرا ومستقبلا لذا اقتضى التنويه ، وعلى المتلقي وعلى الدوام المبادرة بسؤال الشك وعدم التسليم المطلق بشأن القصص التاريخي البشري وليبادر فورا بالسؤال “ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟” لأن هذا الـ بعد هو الذي سيكشف له بأن بعض ما حدث عقب الذي صُور له على أنه” نهاية المأساة ” هو أسوأ مما كان قبله و بمراحل .أودعناكم اغاتي