صرخة محمد… وسقوطنا جميعاً

رياض سعد

صرخة محمد… وسقوطنا جميعاً

1- دار الندم: بداية المشهد

البيت كان رمادياً… حيطانه مأكولة بالرطوبة، وساعته المعلقة توقفت عند لحظة القصف قبل سنوات.

جلس صادق على أريكة ممزقة، كان يرممها بشريط لاصق كما لو أنه يرمم ذاكرته… ,  إلى جانبه جلس حسين، يذرع الغرفة بعينيه، كمن يفتش عن بقية حلم قديم نسي أين دفنه.

صادق:

أتذكر محمد؟ كان يحلم بدولةٍ لا يخاف فيها الفقراء من دقّات الليل، ولا ترتعد الأمهات كلما تأخّر أولادهنّ عند حواجز السيطرات .

حسين (ساخراً بمرارة):

كان يحلم؟… بل كان يُعدُّ نفسه شهيداً مؤجلاً… ؛  نحن جميعاً كنا مشاريع موت، لكننا لم نمت كما يجب، بل عشنا كما لا يليق.

صادق:

كلنا كنا ننتظر السقوط، وكان النظام يسقط فينا كل يوم.

حسين:

وسقطنا نحن قبله… سقطت أخلاقنا حين تقاتلنا باسم الطائفة… ؛  سقطت إنسانيتنا حين استسغنا دم محمد ولم نطالب بحقه…؛  فقط صنعنا له لافتة، ودفناه بصمت.

2- محمد… أكثر من شهيد

صورة محمد كانت لا تزال معلقة في صدر الغرفة، بنظرةٍ بعيدة، لا تتجه لأحد.

هو الذي خرج ذات مساء من الجامع الصغير وهو يهتف ضد الظلم… ؛  لم يكن حزبياً ولا طائفياً ولا مثقفاً، كان فقط “إنساناً” يرى النار تلتهم أهله، ولا يريد أن يصمت.

لكنهم لم يحبّوا محمد… لم يكن مثلهم.

لم يكن يبيع الحلم في خطب طويلة، ولا يهادن العسكر في الحارات الخلفية… ؛  كان واضحًا، واضحًا كالموت.

أبو جعفر، الشيخ الهرم، دخن سيجارته الخفيفة وقال:

“كان محمد يحلم، لكنهم قتلوه لأن الحلم في بلادنا جرم يستوجب العقوبة.”

3- ما بعد السقوط: خراب بلا نهاية

بعد السقوط، لم تفرح الوجوه.

سقط النظام، فظهرت الأنظمة الأخرى: عمائم على الشاشات، وعقائد على المقاصل، وشعارات تتقاتل داخل المسجد الواحد.

قُطعت رؤوس تحت اسم العدالة، وجُوّع الناس باسم المقاومة، وعاد المقاتل السابق وزيراً، والسفاح شيخاً.

صادق (باندفاع):

علينا أن نتفاهم مع القادمين، نأخذ حصتنا من الغنيمة السياسية، لا يمكن أن نظل على الهامش.

حسين (صارخًا):

الغنيمة؟ وهل نُحرّم اللحم على الذئب ثم نُحلله لأنفسنا؟ نحن نتحول إلى نسخةٍ أخرى من الطغيان، فقط بلغة جديدة!

هل دم محمد كان ليساوم عليه؟!

4- رمزية التيه

خرجوا من البيت يتتبعون صوت المظاهرات في ساحة المدينة.

كانت الأصوات تصرخ:

“الموت للطغاة!”

“لا للاحتلال!”

“نعم للهويّة!”

“كلا للفدرالية!”

“نحن أبناء الحسين!”

“نحن أبناء العباس!”

“نحن أهل السنة!”

“نحن الشيعة الأصلاء!”

“نحن القومية!”

“نحن الأمّة!”

لكن لم يقل أحد: نحن الإنسان.

أشار أبو جعفر إلى الجموع، وقال:

“هذه ليست مظاهرة، إنها مرآة مكسورة… كل كسر فيها يرى نفسه كاملاً.”

5- العودة إلى قبر محمد

ذهب الثلاثة إلى المقبرة التي نُسي فيها محمد، لا أحد يزوره.

كانت شجرة توت قد نبتت قرب قبره، وطيور تحوم في صمت.

وضع حسين يده على التربة وقال:

“يا محمد، سامحنا… سامحنا لأننا قتلناك ألف مرة بعد موتك… قتلناك حين استبدلنا الحلم بالحساب البنكي، حين صار المنبر مزاداً، وحين صار الدم تجارةً في السوق.”

صادق (بدمعة):

لو عدتَ يا محمد… هل كنت ستغفر لنا؟

أبو جعفر:

الأنبياء وحدهم يغفرون… أما الشهداء فلا يغفرون إلا حين يرون الأرض التي حلموا بها… وقد تحققت.

6- النهاية… التي لم تكن نهاية

في اليوم التالي، ظهر وجه جديد على التلفاز.

كان يتحدث عن الإصلاح، عن الله، عن الشعب، عن الكرامة.

ضحك حسين وقال:

“ولد طاغيةٌ جديد… ونحن، كالعادة، سنصفق في البداية، ونلعنه في النهاية.”

ثم سكت قليلاً وأضاف:

“لم يمت محمد… لقد انتقل فقط من الشارع إلى الضمير… لكن الضمير هنا ميت سريرياً.”

………………………………………….

*** “لأنّ القصة ذاتُ دلالاتٍ عميقة في روحي، لم ولن أنساها، ولأنّ دماء محمد لا تزال توقظني ليلاً وتحرمني لذّة النوم… سأكتب القصة بصيغة أخرى، علّي أُرضي بها روح محمد، أو أقترب من الحقيقة كما يراها هو، لا كما أراها أنا.”