غضب اللهب

حسن العكيلي

كان سعيدا جدا بعمله الجديد في القوات الامنية الذي اخذ بيده الى ضفة الاستقرار النفسي والمادي. فقد مر بظروف بالغة التعقيد لكنه استطاع ان يتجاوزها بكل عزم واصرار فغاب في خضم معركة الحياة ردحا من الزمن لكنه ضل مشرقا كعادته ينير جميع زوايا مملكته التي اثر على نفسه ان يغير ملامحها قدر مايستطيع ويستبدل ثوبها البالي القديم بثوب جديد فمنذ ان استلم راتبه الاول راح يرمم ويعيد ترتيب وضع عائلته التي عاش في كنفها ويعيد البريق لمراة بيته الذي تناهشت حيطانه ارضة الزمن ويستبدل ابوابه المتهالكة وزجاج شبابيكه المهشمة التي ضلت زمنا مشرعة امام برد الشتاء القارص ولهيب هواء الصيف الجاف

كان منتظر حريصا على كل مايحصل عليه لكنه في نفس الوقت لم يكن بخيلا على نفسه او مقترا على عائلته صار كالام يعطي ولاياخذ فلطالما عاش زمنا في قلب دوامة القلق على من يحب فتأخير الخطبة موجة عارمة تزيح كل شي امامها وتحصد الاحلام بمنجل الخراب . فكان يوم زواجه من اسعد الايام التي عاشها في حياته وكا ن يوم ولادة ابنه مؤمل غيمة حبلى بالمطر وفصل ربيع يفيض بالسعادة الغامرة .

كان منتظر انسانا نبيلا وطيبا يحمل قلبا بريئا كقلوب الاطفال وشجاعا ابيا عرفته سوح الوغى لصموده وصبره في معارك العز واصراره على تحقيق النصر وحبه الشفيف لاهله ولوطنه

عندما يحل الليل ضيفا على بيوت مدينته يمسك ببندقيته وعينه على الحدود تراقب السواتر المؤطرة بالاسلاك الشائكة . تتحول الى نواظير تعمل بالاشعة الحمراء تقرب البعيد وتفرز الضار من النافع

رصاصته المنقضة على هدفها انقضاض الصقر على فريسته تخترق جدار المسافة بيسر تمنح المصابين شهادة وفاة . وعندما يعود الى داره يفرح مرتين مرة بخلع تلك المدن التي ظلت سنين ترتدي ثوب اللون الاسود وتنام على اسرة القهر وارتدائها ثوب العزة والكرامة ومرة بعودته الى اسرته التي يكن لها كل الحب والمودة .مدمن وشغوف بالنظر الى طول ولده وهو يكبر كما تكبر الاشجار ذلك الامل المتشرنق بين جذور القلب والملتصق وسط قزحية العين فقد كان يرى في ابتسامته وقهقهاته ان الدنيا لازالت بخير بشمسها المشرقة وبارضها العامرة بالخضرة والبيادر وان العواصف التي كانت تهب بقسوة دافعة معها التراب والدخان وروائح البارود قد ولت دون رجعة وان الطرق باتت سالكة خالية من المنغصات.

فعندما كان يجلس وحيدا في موضعه تتناهبه الافكار تاخذه بعيدا عن مكانه

ليحلق في الاجواء العالية كنسر يعشق الارتفاعات الشاهقة ليكون سيد الفضاء  وامير كل من لديه جناح فيقترب من البيوت التي ضلت تغط في نومها العميق يسمع اصوات عشرات الماذن التي تدعو الناس الى الصلاة والى اصوت البلابل التي راحت تغلف الاجواء برذاذ سيمفونية الجمال الطبيعي فيطمئن على احبته ليعود الى عرينه مكللا بغار الفخر ومتوجا بتاج الطمانية ..

حينما تجاوز رقاص الساعة منتصف النهار بساعتين رن جرس هاتف متظر فوجد ان المتصل هي زوجته سلم عليها وطلب منها ان تسمعه صوت ولده مؤمل الذي راح يعبرعن حبه لابيه بتعابير طفولية انقى من الماء الزلال وطلب من والده الاذن بالذهاب الى المول مع والدته لتشتري له الملابس الجديدة فكان لهم ذلك

عندما وصلت ام مؤمل الى المول ذا الطوابق الخمسة الممتلئ بكل مايحتاجه الانسان . فبالرغم من روعة الاجواء المبهجة داخل فضاءات المكان الذي ارتدت حيطانه ثوبا مزركشا بجميع الالوان المبهرة وبالمتبضعين الذين ارتسمت على وجوههم الفرحة حتى صار المكان ساحة للفرح والسعادة .احست ان فرحتها ناقصة وسعادتها لم تكتمل لعدم وجود زوجها معها وبالرغم من كل ماراته من جمال وروعة لكنها لم تكن مطمئنة البال لتسلل الخوف الى قلبها ومحاصرة انفاسها بالقلق اللامبرر فحملت ابنها على صدرها واسرعت بالنزول الى الطابق السفلي لكنها تفاجئت بالسنة النيران وهي تطوق المكان كجيش مغولي همجي لايفقه شيئا من ابجدية لغة الرحمة . حينما اطبق الظلام بفكيه على مساحة المكان الذي تحول الى مسلخ يذبح فيه الانسان راحت تبحث عن منفذ تلج فيه الى بر الامان ولا امان فقد تحولت النيران الى غول يلتهم كل شي يحصد ارواح الجميع بعد ان تحول الطابق الى فرن  يشوي الوجوه  ويحول الاجساد الغضة الى كومة من اللحم الاسود المتفحم ورغم الصراخ والعويل وصوت النيران المتاججة والحجز الاجباري  وسط سجن سكرت ابوابه واوصدت منافذه لم يجرؤ احد الوصول اليهم فقد مرت الثواني بطيئة تعادل قرونا من العذاب المستطير فسمفونية الصراخ ولسع النيران التي هاجمت طفلها والتي حاولت حمايته بكل مااؤتيت من قوة تعلن ان الموت حتمي ولا مناص منه وبعد ان تمسك اللهب بحبائل ثوبه القابل للاشتعال  راحت تدفع النيران بيديها الفارغتين من كل شي سقطت مغشيا عليها بعد ان تاكدت ان طفلها قد فارق الحياة خنقا وحرقا حاولت ان تصمد بوجه السنة اللهب التي راحت تقضم ملابسها تمكنت من اخراج هاتفها واتصلت بزوجها وطلبت منه براءة الذمة ومسامحتها ويدعو لها وطفلها بالرحمة وابلغته انها كانت تحبه حبا جما وختمت كلامها وكان لسان حالها يقول

بأخر لحضة من عمري والنار التشتعل بيه – ردت صوتك يضل وياي الاخر نفس بيه- ابنك مات بس ياموت ابنك مات بين اديه- سامحني حبيب الروح واذكرني ابكل مغربيه