صباح البغدادي
هذا هو السؤال بالغ الأهمية ويقطع قلب الموضوع. مسار الطائرات الإسرائيلية لم يكن ممكناً دون تخطيط دقيق وتنسيق مسبق يشير إلى تواطؤ مباشر أو غير مباشر من أطراف عربية، وليس فقط الضوء الأخضر الأمريكي.
الطائرات الإسرائيلية لم تكن لتمتلك “عباءة إخفاء” تخولها الطيران لمسافة آلاف الكيلومترات فوق أراضي دول معادية أو محايدة تقليدياً دون أن يتم رصدها واعتراضها. تحقيق ذلك يتطلب أحد سيناريوهين، وكلاهما كارثي بنفس القدر:
السيناريو الأول (الأكثر احتمالاً): الطيران عبر الأجواء العربية “الصديقة”
هذا هو السيناريو الأكثر إثارة للقلق، لأنه يكشف عمق التطبيع الخفي والتعاون الأمني الذي يتجاوز العلاقات العلنية. المسارات المحتملة كانت:
- المسار الجنوبي (الأكثر أماناً لإسرائيل):الإقلاع من جنوب إسرائيل، عبور الأجواء السعودية (شمال المملكة أو الخليج) أو الأجواء الأردنية ثم السعودية، ثم الانقضاض على الدوحة من الغرب. هذا المسار يعتمد على تنسيق مسبق وسري مع الرياض وعمان. الأردن، بحكم حدودها الطويلة مع إسرائيل وعلاقتها الأمنية الوثيقة، غالباً ما تُجبر على السماح بعبور الطائرات. أما السعودية، فسماحها بالعبور سيكون صفعة كبرى للموقف العربي الرسمي ويفتح باباً خطيراً للغاية.
- المسار الشمالي (أقل احتمالاً ولكن ممكن وهو المرجح جدآ اكثر من الأول ): عبور الأجواء السورية والعراقية. هذا أقل احتمالاً لأنه أكثر خطورة على الطائرات الإسرائيلية لعدم وجود أنظمة دفاع جوي وبيئة اقل عدائية ، حتى لو كانت متقطعة. لو حدث هذا، فهو إهانة مباشرة وتحدٍ صارخ لهذه الدول، ويظهر أنها غير قادرة حتى على الدفاع عن أجوائها وبالأخص الأجواء العراقية المباحة حيث تم التزود بالوقود جوا أثناء مسار الذهاب وحتى مسار العودة والإياب ثم الدخول الأجواء السورية ومن هناك عودة الطائرات إسرائيلية إلى قواعدها الجوية التي انطلقت منها أو اتخاذ مسار ألأدرن ثم العراق ثم الكويت ثم السعودية للوصول إلى الدوحة .
()السيناريو الثاني: الطيران البحري الطويل (احتمال ضعيف) الطيران جنوباً فوق البحر الأحمر، ثم الالتفاف حول اليمن والدخول إلى المجال الجوي الخليجي فوق المياه الدولية.* هذا مسار طويل جداً يتطلب التزود بالوقود جواً (مما يكشف طبيعة العملية المخطط لها بدقة) ويجعل الطائرات عرضة للرصد من قبل قوى إقليمية أخرى. حتى في هذا السيناريو، فإن الاقتراب من الدوحة يتطلب الاقتراب من المجال الجوي السعودي أو البحريني أو الإماراتي، مما يعني أن هذه الدول كانت على علم، أو أن الطائرات اخترقت أجواءها دون إذن (وهو عمل حربي بحد ذاته).
الدور الأمريكي: أكثر من مجرد “تنسيق”… هو “تسهيل” وكذلك توفير الطائرات للتزود بالوقود جوا من خلال الدعم اللوجستي لتزويد الطائرات إسرائيلية بالتزود بالوقود جوآ
الدور الأمريكي هنا لم يكن مجرد “إعطاء إشارة بالموافقة”. كان دوراً تمكينياً مباشراً: - مشاركة المعلومات الاستخباراتية:** تقديم بيانات استخباراتية دقيقة في الوقت الحقيقي عن مواقع الدفاعات الجوية العربية، ومساراتها الآمنة، وأفضل التوقيتات للاختراق.
- التوسط السري:** التحدث مع الحلفاء العرب (مثل السعودية والأردن) للضغط عليهم أو ترتيب “تجاهل” مرور الطائرات، ربما “مكافحة التهديدات الإيرانية المشتركة” أو بوعود سياسية.
- التغطية الإلكترونية والحرب الإلكترونية:** استخدام الطائرات الأمريكية أو السفن في المنطقة لتشويش الرادارات العربية أو توفير غطاء إلكتروني يخفي تحركات الطائرات الإسرائيلية، أو على الأقل التأكد من أن أنظمة الدفاع الجوي “ستظل عمياء” بشكل مريب.
الخلاصة: الثمن السياسي والاستراتيجي
القدرة على الطيران عبر آلاف الكيلومترات فوق الأراضي العربية هي في حد ذاتها رسالة سياسية مدمرة من إسرائيل والولايات المتحدة:
- للدول العربية: “سيادتكم (اسمية). نحن نتحكم في أجوائكم. يمكننا اختراقها متى شئنا، وبموافقة بعضكم أو صمته.”
- لقطر: “حتى كونك حليفاً أمريكياً واستضافتك لأكبر قاعدة أمريكية في المنطقة لا تحميك. أنت في متناول أيدينا.”
- لإيران والفصائل المقاومة: “لا يوجد مكان آمن. نحن نصل إلى أي مكان.”
الاعتراف بأن الطائرات الإسرائيلية حلقت فوق أراضي دول عربية رئيسية للوصول إلى قطر هو اعتراف بتفكك النظام العربي الرسمي وتحوله إلى مجرد شرطي لأجندة أمنية تهيمن عليها واشنطن وتل أبيب. هذا السيناريو لا يقل خطورة عن الضربة نفسها، لأنه ي انتهاك السيادة ويجعل من العواصم العربية كلها محتملاً (أهدافاً محتملة) في المستقبل.