ضرب إسرائيل لقطر كان أدانته في أوربا وأمريكا كعتب العشاق.. واختراق مسيرة روسية لبولندا أدانته وكانه يوم القيامة !!؟

صباح البغدادي

ساعات قليلة كان هو الفارق بين حدثين الأول تمثل بالاستهتار والبلطجة إسرائيلية لضرب العاصمة القطرية الدوحة والحدث الثاني اختراق مسيرات روسية للأراضي البولندية … ولكن كيف كان شكل الانتقاد لهذا الحدثين من قبل دول الاتحاد الأوربي وبريطانيا والبيت الأبيض !!؟.

(*)عندما اخترقت مسيرة روسية سماء بولندا: زلزال من التهديدات والعقوبات.. وعندما قصفت “إسرائيل” الدوحة: همسات لعاشقين بعلاقة حميمية جمعتهما على سرير السياسة! أو لنقل أكثر وضوحآ من هذه العبارة وعندما حلّق ذباب مسير روسي في سماء بولندا: هاج وثارَ الغربُ بأسره، ورأيتَ القيامة قد قامت على شاشاتهم، وتكالبتْ حكوماتهم كالمجانين تُطلق وعيدَ الحربِ والعقوباتِ التي تُزلزلُ الأرضَ، وكأنّ نارَ العالمَ قد اشتعلتْ من جناحِ طائرةٍ!وبينما عندما نفّذت ‘إسرائيل’ جريمةً إرهابيةً مبيّتةً في قلبِ العاصمةِ القطريةِ (الدوحة)، لم نسمع سوى همساتٍ مائعةٍ، وهمهماتٍ غراميةٍ مشبوبةٍ في أسرّةِ السياسةِ الدافئة، وكأنّ الانتقادَ لا يعدو أن يكونَ ‘عتبَ عشاق’ على إثرِ غضبةٍ عابرةٍ… فالقصفُ ‘غير ملائم’، أمّا انتهاكُ السيادةِ وإراقةُ الدماءِ فهو – في قاموسِهم الأخلاقيّ المُقعَد – ‘حلالٌ’ بل ومُبارَكٌ!”

المشهد مكشوف، واللعبة لم تعد تخفى على أحد. العالم لا يدور حول مبادئ، بل حول مصالح. لا حول سيادة الدول، بل حول لون بشرتها وعناوين مضاربها المالية. فشَمّرت أوروبا وأمريكا عن ساعد التهديد والوعيد، وأطلقت عظائم الأمور عندما لامس جناح طائرة مسيرة روسية – عن طريق الخطأ كما أُعلن لاحقًا – أجواء بولندا. لكن عندما نفذت “إسرائيل” عملية إرهابية مخططة بضوء أخضر أمريكي، مخترقةً أجواءً عربيةً، لتبيد أرواحًا في عاصمة عربية (الدوحة)، لم نسمع سوى همسات خجولة، أشبه “بعتب بين عشقين في سرير النوم”، وكأنها ضربة “غير ملائمة” يجب أن تمر دون أن تفسد متعة اللعبة الكبرى.

1. ازدواجية المعايير: مكيالان.. بل ألف مكيال!

المبدأ واحد: انتهاك سيادة دولة. لكن الردّين ينتميان إلى كوكبين مختلفين.

  • السيناريو البولندي (الكارثة العالمية): فورًا، انعقدت القمم، ورفعت الأصوات، وصُكَّت عبارات من نوعية “خط أحمر” و”هذا لا يُطاق” و”سيكون ثمنًا باهظًا”. لقد عاملوا الحادث وكأنه الهجوم على بيرل هاربر، مسعورين بالغضب الأخلاقي المفاجئ.
  • السيناريو القطري (إزعاج عابر وغير ملائم في الوقت الحالي ): الرد كان فاترًا، باهتًا، مخزيًا. “نحن قلقون”، “ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس”، “هذه الضربة غير ملائمة”. إنها لغة التبرير، لا الإدانة. لغة من يحاول ألا يغضب حليفه في تل أبيب، بينما يمسح دماء حليفه في الدوحة بمنديل من حرير.
  •  انتهاك السيادة جريمةٌ يعاقب عليها القانون الدولي فقط إذا كان الفاعل من “نادي الأعداء”. أما إذا كان من “نادي السادة”، فالجريمة تُمنح صفة “حق الدفاع عن النفس” وتُكافأ بالصمت والتطبيع!

2. لماذا الصمت؟ الجواب في سرير المصالح لا في قاعات المبادئ!

هذا الاختلاف الجوهري في رد الفعل ليس صدفة. إنه محسوب بدقة البراغماتية القذرة:

  • بولندا: بيضاء، أوروبية، مسيحية. حمايتها هي حماية “حرمة الغرب” ونظامه الأمني. دعمها هو دفاع عن “القيم”!.
  • قطر: عربية، إسلامية، غنية بالنفط والغاز. هي سوق أسلحة، ومحطة عسكرية، وشريك تجاري. يمكن التضحية بسيادتها على مذبح المصالح الإسرائيلية-الأمريكية، طالما أن تدفق النفط لم يتوقف، والعقود لم تُلغَ.

الرسالة واضحة: الدم العربي أرخص، والسيادة العربية أوهى، والكرامة العربية مجرد شعار للاستهلاك المحلي. أوروبا التي تصرخ من أجل سنتيمتر واحد من أجوائها، تسكت عن انتهاك كيلومترات فوق أجواء العرب.

3. الرد الأوروبي: خيانة صامتة تحت غطاء الدبلوماسية

لا تُسمى هذه الاستجابة “دبلوماسية”. إنها جبن مغلف ببلاغة فارغة. كلمات مثل “غير ملائمة” هي إهانة للذكاء وللضحايا. إنها تعني بشكل غير مباشر: “نحن نعارض الطريقة، لكننا لا نعارض الفعل نفسه إذا تم بتنفيذ أكثر أناقة!”.

هذا الصمت هو ضوء أخضر مستقبلي. هو يشجع “إسرائيل” على تكرار الجريمة في الدوحة أو في غيرها، لأنه يثبت أن الغرب لن يفعل أكثر من “العتب”. إنه يرسل رسالة مفادها: “احتلوا، اغزوا، انتهكوا.. لن تكون العواقب أكثر من بيان استنكار نكتبه على عجل”ولقد سقطت الأقنعة. لقد انكشفت حقيقة النظام العالمي الذي تديريه واشنطن وبروكسل: إنه نظام قائم على العنصرية والكيل بألف مكيال. إنه نظام يشرعن العدوان بناءً على هوية الجلاد. اليوم، الدم القطري هو الثمن الذي دفعه العالم ليرى أن “القيم الغربية” التي تُصدّر لنا بالطنّ مجرد وهم. أن حقوق الإنسان والإنسان العربي خارج نطاق الخدمة. أن السيادة مقدسة فقط إذا كانت السيادة غربية. الغرب لا يملك أي شرعية أخلاقية لانتقاد أي انتهاك للسيادة في أي مكان في العالم بعد اليوم. لقد دفنوا تلك الشرورية بأيديهم في أرض الدوحة، بينما كانوا يهمسون بعتب العشاق لجلادها.