رياض سعد
بسمِ الخالقِ الذي نسجَ من الألمِ قصائدَ.. وبعثَ في الروحِ أنينَ المزاميرِ..
لم أكنْ من أهلِ الملذات العابرة والعلاقات السطحية منذُ بدأتُ… ؛ نشيدي غريبًا على مسامعِ الوجودِ… ؛ أسبحُ في فضاءاتِ الذرّةِ وأحترقُ في مجرّاتِ اللانهايةِ.. أيامي ثقالٌ … ؛ كأنّي أحملُ في أعماقي جبالاً من أسئلةٍ… ؛ وأزفِرُ كونًا كاملاً في وحدتي… .
ثمّ جاءتْ… و كانتْ كالنسيمِ الذي يهبُّ على روحٍ غريقٍ في ظلامِ اليقينِ… ؛ هي الأوكسجينُ الذي علّمني كيفَ أتنفّسُ بهدوءٍ… ؛ كنتُ كلّما اقتربتُ منها.. أبصرتُ في عينيها بحرًا من الأزلِ.. وأسمعُ في ضحكتها ترنيمةَ الخلودِ..
كانتْ فرعًا يضمُّ الأصلَ.. وجذورًا تتدفّقُ في سماءٍ من نورٍ.. هي سرُّ الشموخِ.. وعنوانُ الكبرياءِ.. وفي حناياها.. اختبأتُ من صخبِ الدنيا وزيفِ الأسماءِ..
لكنّ الدوامةَ التي أخرجتني منها.. عادتْ لتبتلعَ بريقَ عينيها.. عاداتٌ.. كالسيوفِ الباليةِ.. وتقاليدُ.. كأغلالٍ صدئةٍ.. جرّفتْها إلى حيثُ لا عودةَ..
رأيتُها.. كفراشةٍ تتهادى بينَ يدَيِ القدرِ المُظلمِ.. تقرأُ القرآنَ.. وكلماتُ الآياتِ تذوبُ على شفتيها كندىً أخيرٍ.. تتألمُ في صمتٍ.. وتبتسمُ لي خلفَ ستارِ الألمِ.. كي لا أذوبَ..
وفي ليلةٍ.. كان التعبُ قد أنهكني.. فرقدتُ كالسجينِ بينَ حلمٍ وكابوسٍ.. حيةٌ سوداءُ تلسعُ روحي.. وتزحفُ في شرايينَ من نارٍ..
ثمّ.. صوتُ أخي يقطعُ الحلمَ.. كسيفٍ.. “انهضْ .. فقد حانَ الرحيلُ”..
هربتُ إلى الشارعِ.. أصرخُ: “يا بنتي .. يا روحَ روحي.. لمْ ترحلي.. ؛ قد انشقّ القلبُ وانطوى الزمنُ.. وصارَ كلُّ شيءٍ.. عدا ذكراكِ.. غبارًا..”
وها انا الآنَ.. أعيشُ على هامشِ الحياةِ.. أحملُ في جيبي قيثارةً حزينةً.. وأسقي النجومَ بقصائدَ من أشلاءِ روحِي..
هي رحلتْ.. ولكنّها.. كالنجمِ.. كلّما أغلقَ الليلُ أبوابَه.. أضاءتْ جراحي.. وعلّمتني.. أنَّ الفقدَ.. هو أعلى مراتبِ الحبِّ.. وأقسى دروسِ الوجودِ..
…………………………..
*سأعيد صياغة المراثي مرارا ؛ حتى يجف حبر روحي , وتفنى كلمات قلبي المصاب بجراح الدهر وحراب الزمن .