محمد حسين المياحي
اللعب بالنار في السياسة ليس بذلك اللعب الذي يمکن لأي طرف يسعى للعب به أکثر من اللازم بل وحتى بصورة شبه مستمرة، أن يأمن من شره وعواقبه، ولاسيما إذا ما إنکشفت لعبته للعيان وأصبح تحت الانظار، وفي کل الاحوال، فإن اللعب بالنار في السياسة الذي يعني فيما يعني إثارة الحروب والازمات أو تنفيذ مخططات تقود الى إحداث فتنة أو حرب أهلية وما إليها، هو مسعى محفوف بالمخاطر وله إرتدادات وعواقب وتداعيات في حال إفتضاح ذلك أو حدوث أخطاء تٶدي الى إنقلاب السحر على الساحر.
لئن کان النظام الايراني طوال أکثر من أربعة عقود، يسعى لما يشبه اللعب بالنار ولاسيما من حيث تدخلاته في بلدان المنطقة وتأسيسه لميليشات وأحزاب عميلة تابعة له تعمل على إخضاع سياسات تلك الدول بسياق يخضع لتوجهاته بل وحتى يستخدم تلك الدول کقواعد لتنفيذ مخططات ضد البلدان الاخرى التي ليست تحت سيطرته، ولکن وبعد الاتفاق النووي عام 2015، توفرت ظروفا وأوضاع غير مسبوقة للنظام الايراني بحيث وسع ورسخ من دائرة نفوذه وهيمنته على بلدان المنطقة.
ولازالت مراکز البحوث والدراسات تشير الى الآثار والتداعيات السلبية لذلك الاتفاق على السلام والامن والاستقرار في بلدان المنطقة وحتى تأثيره على السلام والامن العالمي، لکن، المثير والملفت للنظر، إن النظام الايراني لم يکتف بذلك القدر من توسع نفوذه وهيمنته من جراء سياساته ومخططاته المشبوهة التي قام بتنفيذها في المنطقة والتي کانت لعبا مکشوفا بالنار، بل ظل مواظبا على ذلك وحتى إنه لم يأخذ التغييرات التي طرأت على أوضاعه الداخلية وعلى المنطقة والعالم بل وحتى طفق يسبح ضد التيار، وهذا هو الخطأ النوعي الذي إرتد ولازال يرتد عليه سلبا.
السباحة ضد التيار والاستهانة بالمتغيرات السياسية وحتى عدم بقاء المعادلات السياسية السابقة على حالها، جعل هذا النظام يفقد نفوذه وهيمنته في غزة وسوريا ولبنان، فيما أصبح نفوذه في العراق واليمن في وضع حرج ومعرضا لحدوث تطورات لا تبشر بالخير لطهران، لکن النظام الايراني مع ذلك لا يزال يعمل کلما بوسعه من أجل إعادة الامور الى سابق عهدها بالنسبة له، وهذا هو المستحيل بعينه لأن الفرصة التي واتته في عام 2015، لا يمکن أن تعود خصوصا إذا ما تأملنا في النزاع الحاصل بين البلدان الغربية والنظام الايراني بشأن برنامجه النووي وإجرائ مفاوضات بشأنه، إذ أن سقف المطالب الدولية قد إرتفع کثيرا ولم يعد هناك أرضية أو مجال لإبرام إتفاق نووي شبيه بالاتفاق السابق الذي ثبت عدم إلتزام النظام به وحتى إنه قد قام بإستغلال المکاسب التي حصل عليها في ظلاله لمآرب تزيد الاوضاع تأزما في المنطقة والعالم.
الأسوأ من کل شئ بالنسبة للنظام الايراني، إن أوضاعه الداخلية صارت سيئة أکثر مما يمکن تصوره وإنه أشبه ما يکون ببرکان يغلي ويکاد أن ينفجر في أي لحظة والشعب الايراني قد ضاق ذرعا بالنظام ولم يعد يطيقه کما إن الحديث عن حتمية التغيير في إيران ووجود بديل سياسي له يمکن الاعتداد به والاعتماد عليه، خصوصا وإن التجمع النوعي الذي حدث في بروکسل في ال6 من الشهر الجاري قد کان رسالة واضحة بهذا الصدد للنظام الايراني والمنطقة والعالم تٶکد حتمية التغيير في إيران.