اسم الكاتب : رياض سعد
لم تتعرض أمة من الامم للهجوم والتشويه والتسفيه كما تعرضت الامة العراقية الاصيلة , ولم ينتقد شعب بالحق والباطل كما تم انتقاد واستهداف الشعب العراقي النبيل ؛ وهذه الهجمات المنكوسة والحملات الشرسة لا تستهدف تاريخ شعب العراق وحاضره فحسب ؛ بل وجوده ايضا ؛ ومما تقدم تعرف ان هويتنا الوطنية وعراقيتنا الاصيلة كانت ولا زالت معرضة للخطر الدائم والمستمر ؛ وهوية كل بلد تعتمد بالدرجة الاولى على سكانه الاوائل ومواطنيه القدامى ؛ وبما ان الاغلبية العراقية الاسلامية الشيعية العربية تمثل البوتقة الوطنية التي انصهرت فيها اقوام بلاد الرافدين الغابرة واديان وطوائف وثقافات العراق القديمة … ؛ اضحت الاغلبية العراقية تساوق مفهوم الامة العراقية ؛ وهذا لا يعني خروج الاخرين من دائرة مفهوم الامة العراقية ؛ فأثبات الشيء لا ينفي ما عداه ؛ فنحن هنا نتكلم عن النسب الوطنية في التركيبة السكانية العراقية وتأثيرها على التاريخ الوطني والثقافة العراقية والهوية الشعبية ؛ اذ مما لا شك فيه ان نسبة الاغلبية عالية جدا , ولا تقارن بها اية فئة او مكون او مجموعة اخرى , مما جعلها تتصدر المشهد العراقي طوال التاريخ ؛ ولعل هذه المقولة المنسوبة لصدام تكشف لنا حقيقة الامر ؛ فقد نقل احدهم في احدى البرامج المتلفزة ؛ انه قال لصدام : لماذا تحاربون شعائر الدين الشيعية كالتطبير ولا تحاربون طقوس الدروشة والدراويش ؛ فأجابه صدام : ان الاولى واسعة الانتشار وتمثل ثقافة العراق و لسان حال الوطن ؛ بينما الظاهرة الثانية محدودة ومحصورة ولا تعكس ثقافة الشعب العراقي …!! ؛ فوجود الهوية العراقية يعتمد اعتمادا كليا على وجود هوية الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ فكلاهما وجهان لحقيقة واحدة ؛ و من ذلك نتعرف على ان الوحدة الشيعية العراقية سبيل للوحدة الوطنية العراقية ؛ فهي تفضي اليها فيما بعد , و وحدة الشيعة ليست صمام امان للأغلبية الوطنية الاصيلة فحسب ؛ بل هي صمام امان وقارب نجاة للامة العراقية جمعاء … ؛ وعليه لا يمكن ان نحقق الاهداف الوطنية والسيادة العراقية الا من خلال التأكيد على هوية الاغلبية العراقية الاصيلة و العمل على وحدتها الوطنية ورص صفوفها الجماهيرية … ؛ فنحن اليوم معنيون بفتح ابواب الحوارات الشيعية المختلفة والتي تفضي الى وحدة الاغلبية العراقية لاسيما فيما يتعلق بثوابت الهوية العراقية والسيادة الوطنية والثوابت السياسية … , وعلينا مقاطعة ومكافحة الذين يغردون خارج السرب الشيعي العراقي الوطني ؛ فلابد من العمل الدؤوب من اجل ان يكون جميع ابناء الطائفة الشيعية العربية العراقية تحت مظلة وحدة الاغلبية العراقية والتي تمثل وجه العراق الحقيقي والبهي … ؛ ومن هنا تعرف ان دونية الشيعة وحمقى وجهلة و مرتزقة الاغلبية العراقية الاصيلة ضررهم لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال الهوية الوطنية والامة العراقية برمتها … ؛ فمن العار ان تتدعي انك مواطن عراقي اصيل وعربي شيعي نبيل اولا ؛ وصاحب انتماءات اخرى ثانيا ؛ ولا شغل لك سوى الانسياق خلف الدعايات والافتراءات المنكوسة , والسيناريوهات المفبركة التي يبثها اعداءك واعداء بني جلدتك … ؛ ونقد التجربة السياسية الديمقراطية بشتى الطرق القانونية وغيرها , بل والعمل على اسقاطها جملة وتفصيلا , والدعوة الى العودة الى زمن التسلط التكريتي والاجرام البعثي والرعب الصدامي … , بالإضافة الى حصر ظاهرة النقد الهدام وحملات التسقيط والتخوين والقدح والاستهزاء والسخرية داخل دائرة الاغلبية العراقية فحسب … ؛ فإلى متى يستمر هذا القيء السمج , وجلد الذات , والقيح المليء بالدونية وفقدان الهوية والغيرة الوطنية الشيعية الاصيلة ؟!
وهذا لا يعني ترك النقد البناء وعدم بذل الجهود الوطنية المخلصة لتصحيح الامور وبالطرق الذكية والوسائل السلمية والادوات العلمية والواقعية ؛ وذلك من خلال تمكين شرفاء واحرار وغيارى وكفاءات وشخصيات الاغلبية والامة العراقية سياسيا , وتشجيعهم على تبوء المناصب الحساسة والمهمة , ودفعهم للسيطرة على كافة مرافق الدولة الاقتصادية والثقافية والعامة , و مراكز القرار الديني والاجتماعي والاعلامي … الخ .
ولعل خطورة المواقف الدولية وتربص الاعداء بنا , وشدة بأس خصومنا واجرامهم ؛ يجعلنا نغض الطرف عما جرى بين بعض فصائل وجماعات وفئات وشخصيات واحزاب الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ ونغفر لهم اخطاءهم وهفواتهم احيانا ؛ بل ونصبر على حماقات البعض منهم وتصرفات وقرارات البعض الاخر السلبية … ؛ وندعو الى حلحلة المشاكل والملفات الشائكة من خلال الحوار الودي فيما بيننا ؛ وذلك تجنبا للصدام الدموي او الانزلاق نحو مستنقع الحروب الاهلية والصراعات الداخلية المدمرة ؛ فلا سبيل للنهوض بالعراق والاغلبية والامة العراقية الا من خلال تفعيل ادوات الحوار الحضاري بين ابناء الاغلبية العراقية ومن ثم بين ابناء باقي مكونات الامة العراقية الاخرى … .
ومن اعظم الاخطاء التاريخية الفادحة التي اعترضت طريق احرار وغيارى الامة العراقية ؛ الخلط المقصود والفكر المنكوس الذي طالما ربط بين وجود الشيعة كوجود بشري قديم ومكون اجتماعي اصيل وبين المدارس والعقائد الدينية التي تتدعي تمثيل الشيعة والتشيع , وتختزل سكان العراق الاصلاء ؛ بفكرة دينية واحدة ومدرسة مذهبية فاردة .
و ظلت بعض الحركات الإسلامية الشيعية العراقية على مدى عقود من الزمن ؛ تحشد التعاطف الجماهيري وتوسع القاعدة الشعبية المساندة لمشروعها الهلامي ؛ وبوسائل بدائية وادوات بسيطة ؛ وتستجدي الدعم المادي من هذا وذاك ؛ والذي لا يوظف بصورة صحيحة لخدمة الاغلبية العراقية بل يذهب بجيوب بعض العوائل الدينية والشخصيات الاسلامية ذات الاصول غير العراقية ؛ ومع كل هذه السلبيات والخطوات المتعثرة ؛ حققت بعض التأييد الشيعي العراقي والدعم الجماهيري ؛ لا لكونها اهلا لذلك , او جاء هذا التأييد نتيجة للجهود المنظمة الحثيثة ؛ بل لفراغ الساحة العراقية الشيعية من غيرهم , ولاندفاع الاغلبية العراقية وراء كل صوت معارض حتى وان كان تافها وسطحيا واجنبيا وغريبا ومنكوسا , وتصديقهم بالأدعياء من اشباه القادة والرجال وانصاف المتدينين , والخطباء المأجورين و (الروزخونية ) النفعيين … ؛ والمصيبة ان هؤلاء يدعون ادعاءات اكبر من حجمهم وفكرهم الضحل ؛ ويبشرون بمشاريع وبرامج سياسية واجتماعية وثقافية واخلاقية واقتصادية … ؛ تكون بديلة عن المشاريع والرؤى الحضارية والمدنية والسياسية التي تبشر بها الاحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية … ؛ وعندما يعرضون بضاعتهم الكاسدة والفاسدة على الجماهير البسيطة ؛ يربطون بينها وبين الاسلام ؛ ويتشدقون بأن الحل يكمن في الاسلام والاسلام فحسب , وهم يقصدون بذلك اسلامهم المشوه والمقلوب ؛ فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشهيد المطهري : ( انا احب الاسلام بشرط ان اكون انا حجة الاسلام ..!! ) … فهم يعتقدون انهم باب الله , وفكرهم يمثل شرع الله , ومن خالفهم ؛ حلت عليه لعنة الله …!! .
وعلى الرغم من تسنم البعض منهم المسؤولية العامة واحتكارهم للأموال السياسية والدينية الطائلة ؛ واعتمادهم على المخزون الروحي العراقي والذي يشكل اساسه الاسلام العلوي – ان جاز التعبير – … ؛ وتسلم بعضهم زمام السلطة بعد العام 2003 ؛ الا انهم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق امال الشيعة وتطلعات الاغلبية العراقية الاصيلة في الحياة الكريمة والعيش الرغيد … ؛ ولا زالوا والى هذه اللحظة يخلطون بين تعاليم الاسلام النبيلة وبين سلوكيات احزابهم وتنظيماتهم السياسية الفاسدة والمشبوهة والمنكوسة ؛ ولأنهم يدعون التدين , ويتكلمون نيابة عن المتدينين ؛ صارت هذه الحركات والاحزاب والتنظيمات جزءا من الدين وتعبيرا عنه ؛ فلا يؤخذ الدين من سواهم ؛ وان الحقوا به افدح الاضرار المعنوية وشوهوا سمعته التاريخية .
فقد كرست بعض الحركات الإسلامية الشيعية لدى عموم العراقيين الاصلاء فكرة احتكارها للدين وأن المخرج من حالة الاستبداد والفقر والجهل والظلم … ؛ هو تطبيق الشرع والذي قد يبيح لهم سرقة اموال الشعب والوطن بذرائع وحجج مختلفة … ؛ ومن المعلوم ان هذه العوائل الدينية والحركات الاسلامية القشرية فقدت بريقها وشعبيتها ابان حراك الشيوعيين واليساريين والقوميين والبعثيين والعلمانيين والمثقفين في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم … حتى ان اغلب ابناء العوائل الدينية وقتذاك ؛ ارتموا في احضان تلك الاحزاب المعارضة للدين جملة وتفصيلا ؛ الا ان اجرام النظام البعثي التكريتي ودموية السلطة آنذاك , واضطهادها لمختلف المعارضين وانقلابها على الشيوعيين … ؛ دفع الاغلبية العراقية للتعاطف مع تلك الحركات والاحزاب ولو بصورة محدودة ؛ واستثمرت تلك الاحزاب والحركات هذا الامر ؛ ومارست دور الضحية , والاغلبية تتعاطف مع ضحايا الحكومات الطائفية بصورة عفوية ولا ارادية … ؛ وبهذه الثنائية السياسية السلبية , حصدت تلك الاحزاب والحركات ثمارا لم تزرعها قط , وانما جادت بها يد القدر . (1)
وعليه لابد لنا من وضع دستور وطني وعرف عراقي متفق عليها بين كافة الفصائل والحركات والاحزاب والشخصيات والتوجهات الشيعية وبغض النظر عن عقائدها الدينية واراءها الاسلامية ؛ اذ اننا في هذا المقام نتحدث عن اغلبية سكانية ومكون اجتماعي لا عن طائفة دينية او مجاميع من الملتزمين دينيا بهذه المدرسة الدينية او تلك … ؛ ويمثل كافة مصالح وتطلعات وتوجهات ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ بما يضمن حرية الرأي وسيادة الهوية الوطنية العراقية الاصيلة ؛ وهذا الامر يتطلب من الجميع التنازل عن بعض مطالبهم الشمولية ونظرتهم الدوغمائية وآرائهم الجزمية , و وضع قواعد سياسية وطنية واقعية وعلمية وركائز ثقافية تسود المشهد العراقي ؛ ولا يحق لأي شخص او جهة او فئة الخروج عليها … ؛ كي نسدل الستار على صفحات الاتهام بالعمالة والتخوين , والتراشق بالسباب والشتم , ورفع الشعارات الطنانة والتشدق بالخطب والعبارات الرنانة ؛ ونعمل بروح الفريق الواحد … .
…………………………………………….
- عن مقالتي : لا تحتكروا التشيع العراقي .