منظمة عراقيون ضد الفساد
في رأينا المتواضع تبقى ودون شك بان الثقة المهنية هي رأس مال الصحفي أو الكاتب في كشف مختلف خفايا وخلفيات الأحداث السياسية التي تجري في العراق وفي العمل الصحفي الاستقصائي، لا تقلّ أهمية بناء الجسور عن أهمية هدم الجدران . فثقة المصادر من واقع العمل الوظيفية والمسؤولية الملقاة على عاتقهم بالكاتب وخاصة تلك التي تتحرك في اورقة دوائر صنع القرار وتطلّع على خفايا الأحداث تشكل رأس المال الحقيقي للصحفي والكاتب . وهذه الثقة المتبادلة التي تكتسب بمرور الوقت ليست منّة أو هبة، بل هي في حقيقة الأمر تترجم إلى رصيد يتراكم مع الوقت ومن خلال مناقشات وحوارات متعددة، وتبادل للرؤى، وتواصل مهني قائم على المصداقية والاحترام المتبادل. وهي علاقة لا تنشأ بين ليلة وضحاها، بل تتشكل عبر محطات متتالية من النقاش الجاد، والالتزام بآداب المهنة، والحرص على الدقة في النقل والتحليل والإيضاح. ومع مرور الوقت، تتحول هذه الثقة إلى جسر متين يمكن العبور من خلاله إلى مناطق حساسة وكانت مغلقة سابقاً، وفهم تعقيدات كانت غامضة في السابق. وهي التي تتيح للصحفي الوصول إلى تلك الزوايا الخفية التي تكتمل بها الصورة، وتتضح فيها الحقيقة. ففي النهاية، ليست الثقة وحدها مجرد علاقة شخصية، بل هي أداة مهنية تخدم العمل الصحفي الجاد، وتثري المحتوى الإعلامي، وتسهم في تقديم رؤية أعمق وأشمل للجمهور الرأي العام وهذا ما نعمل عليه بدورنا بصفة جدية طوال ما يقارب من ثلاث عقود في العمل العلامي والصحفي.
في التاسع من تموز، ظهر زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في تسجيل مصور لأول مرة منذ اعتقاله عام 1999، وأعلن صراحة “طي صفحة الكفاح المسلح” ودعا في الوقت نفسه إلى “التوجه الكامل نحو السياسة الديمقراطية واحترام سيادة القانون”. وكترجمة لهذا السلام على ارض الواقع فقد كان يوم الجمعة 11 تموز 2025، الرمزية لترسيخ مفهوم مبدا السلام حيث انطلقت مراسم تسليم الأسلحة في مدينة السليمانية، حيث أعلن الناطق باسم حزب العمال الكردستاني أن مجموعة من المقاتلين ستقوم بتدمير أسلحتها تحت إشراف مؤسسات مدنية، وأن بعض الأسلحة الخفيفة ستحرق بشكل رمزي “لطمأنة الأتراك بأن السلام لا رجعة فيه”.
وفي أعقاب الاتفاق السلامي المُعلن بين تركيا والحركة الكردية، والذي يُوصف بأنه “تاريخي ولا رجعة فيه”، تتحرك في الخفاء أطراف متعددة لتحويل هذا السلام إلى ورقة رابحة في صفقة أسلحةٍ يُحكى عنها همساً وكمشروع ومقترح تم مناقشته بين قادة الفصائل الولائية المسلحة وقيادات من الحشد الشعبي . وتحقيقنا الاستقصائي هذا، وبناءً على معلومات من مصادر خاصة داخل مؤسسات عراقية ” الحشد الشعبي ” لتحليل أنماط الصراع في المنطقة، ويسلط الضوء على مقترحٍ خطيرٍ يجمع بين المصالح المتضاربة والوعود السلمية وأجندات خفية، قد تُعيد تموضع الأسلحة في مسارٍ جديد يهدد استقرار المنطقة.
تروج لها ومقترحات داخل “الحشد الشعبي” لفكرة شراء الترسانة الاستراتيجية الهائلة التي يمتلكها حزب العمال الكردستاني (PKK) والتي تشمل على مختلف الأنواع لمعدات عسكرية وأعتدة والسلاح الخفيف والمتوسط ولكن الأهم احتواء هذه الترسانة العسكرية على صواريخ “ستريلا” المُضادة للطائرات، وطائرات مسيّرة مفخخة، إلى جانب الصواريخ الحرارية المضادة للدروع. المقترح المقدم بمثابة الواجهة الإنسانية وهو الهدف المُعلن لتمويل منح مالية ضخمة لمقاتلي الحزب السابقين، لمساعدتهم على الاندماج في الحياة المدنية والسياسية، والقطع نهائيا مع الماضي المسلح الذي تعود وعليه طيلة الأربع عقود الماضية . وهو بمثابة الحل أو لنقل “الربح للجميع” ويُعرض معها هذا المقترح وكحلٍّ ثلاثي المكاسب: إنهاء “إشكالية” الـ PKK للأتراك، وتأمين مستقبل المقاتلين الأكراد، وإظهار الحشد الشعبي كطرف فاعل في صنع السلام.
ولكن ما وراء الكواليس أو بين التفاصيل يمكن الشيطان وتتشابك خيوطها مع الشبكة الإقليمية والمصالح الخفية وهنا يبدأ معه التحليل الاستقصائي من قبلنا واستنادا على المعلومات التي سربت ألينا خلال الساعات الماضية من بعض السادة المسؤولين الأفاضل والذين تم خصها حصرا “للمنظمة” وفي كشف الطبقات العميقة لهذه الصفقة ومنها الأتي :
- الطرف الإيراني دخل على هذا الخط بقوة ودعم ومن خلال السفارة الإيرانية في بغداد والهدف الاستراتيجي الحقيقي من وراء مساندة هذا المقترح لشراء الأسلحة وتطبيقه على ارض الواقع ومن خلال ميزانية الحشد الشعبي يتمثل بالاتي :
- التسليح البديل: تشير ألينا هذه المصادر إلى أن الوجه الحقيقي للصفقة هو توجيه هذه الأسلحة إلى “الفصائل المسلحة الموالية لإيران” داخل العراق وسوريا.
- جودة العتاد: ترسانة الـ PKK التي راكمها على مدى 4 عقود تشمل أسلحة نوعية مثل الصواريخ المضادة للطائرات، ومضادات الدروع الحرارية، والطائرات المسيرة القتالية – وهي أسلحة تغير موازين القوى المحلية.
- السؤال المحوري: لماذا الآن؟ هل هو تعويض لفصائل إيرانية عن خسائر محتملة ؟ أم تحضير لمواجهات مستقبلية قد تندلع في قادم ألأيام وبالأخص المواجهة المحتملة بين إسرائيل وأيران ما تزال رمادها ساخن ؟ أم انه فقط مجرد استغلال فرصة لنقل أسلحة متطورة إلى حلفاء دون تكلفة التصنيع؟
- دور إقليم كردستان: الوساطة ذات الثمن :
- تدخل “قيادة البيشمركة في أربيل” كوسيط أساسي لدفع أموال الصفقة، بدافع حل “المعضلة الأمنية” المزمنة مع الـ PKK في مناطقها، والتي كانت سبباً رئيسياً للتوتر مع أنقرة.ولكن هذا الدور يضعها في موقف بالغ الحساسية: التوفيق بين مصلحتها الداخلية وعلاقتها بأنقرة من جهة، والضغوط والأجندات الأخرى المتداخلة من جهة أخرى.
- الموقف التركي: شكوكٌ لا تموت
- رغم السلام، ترفض أنقرة أي خيار أخر إلا التدمير الكامل والشامل لهذه الأسلحة، وترغب في الإشراف المباشر على هذه العملية. لان سيناريو الرفض التركي وإذا اكتشفت أنقرة أن الصفقة تمت لبيع هذه الأسلحة ، فان خياراتها العقابية؟ قد تكون جاهزة وقد تتمثل بتصعيد عسكرياً ضد مواقع جديدة داخل العراق؟ وفرض عقوبات اقتصادية محتملة على بغداد أو أربيل؟ وحتى قد يكون انهياراً كاملاً للاتفاق السلامي الجديد؟
ولكن يبقى لنا الدور الحكومة العراقية في بغداد الطرف الغائب الحاسم في أتمام هذه الصفقة من عدمها وأين تقف بغداد من هذه المعادلة؟ وحسب مصادرنا الخاصة فان مكتب رئيس الوزراء لغاية حصولنا على المعلومة ليس له أي علم وبأي تفاصيل لهذا المقترح ولان إجراء الصفقة دون علمها سيُعتبر اختراقاً صارخاً لسيادتها، مما يفتح الباب أمام أزمة حكم جديدة؟ ولكن تبقى معضلة اخرى وتتمثل بالثغرة اللوجستية وكيفية وطريقة تنتقل الأسلحة؟ لان نقل ترسانة ضخمة من مخابئ الـ PKK في الجبال إلى الفصائل الإيرانية هو عملية شبه مستحيلة دون أن تكتشفها الأقمار الاصطناعية والاستخبارات التركية والأمريكية. هذه النقطة وحدها قد تكون كفيلة بإفشال الخطة برمتها. وهذه الصفقة هي اختبار حقيقي لمتانة الاتفاق المبرم. إذا أدى السلام إلى تقوية خصوم تركيا عبر تحويل أسلحة الـ PKK، فسيُعتبر ذلك فشلاً ذريعاً للدبلوماسية التركية، وقد يدفعها إلى العودة لخيار القوة العسكرية بشكل أوسع.
ويبقى لنا بان السلام المنشود والمرتقب ، في منطقتنا، نادراً ما يكون نقطة نهاية. إنه غالباً ما يكون محطة لإعادة ترتيب الأوراق وتحويل المسارات مرة اخرى إلى جهات غير مرئية وخافية . مقترح صفقة السلاح ليست مجرد بيع وشراء أسلحة، بل هي اختبار لتحالفات جديدة، ونوايا خفية، وإرادة حقيقية للبناء. السؤال الأكبر الذي تتركه هذه التحقيقات هو: هل سيكون هذا السلام هو من يدفن آخر جمرة للصراع، أم أنه سيكون الوقود الذي يشتعل تحت الرماد ليُنتج حرباً أخرى بأدوات مختلفة وأطرافٍ نفسهم؟وفي ظل هذه التحركات المعقدة، نرى بان الاتفاق المبرم بين الأتراك والأكراد، والذي يُروج له على أنه “سلام لا رجعة فيه”، يواجه اختباره الحقيقي مع هذه الصفقة إذا تم لها . فالمخاوف من أن يؤدي تحويل هذا الكم الهائل من الأسلحة إلى إطالة أمد التوترات الإقليمية تحت ذرائع جديدة، تظل قائمة وتستدعي مزيداً من الشفافية والنزاهة والمساءلة.
تنويه لا بد منه : يسمح بإعادة النشر مع ذكر المصدر والمتمثل بـ ” منظمة عراقيون ضد الفساد ” لان هذا الخبر الصحفي لن يتم أعلانه لغاية الآن على مختلف وسائل الإعلام سواء أكانت ” المسموعة أو المرئية أو المقروءة”.