آيات الحجاب (فاسألوهن من وراء حجاب)

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن ناظرين واناه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا” (الأحزاب 53) قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم” (الأحزاب 53) إلى قوله “من الحق” بيان لأدب الدخول في بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقوله: “إلا أن يؤذن لكم” استثناء من النهي، وقوله: “إلى طعام” متعلق بالإذن، وقوله: “غير ناظرين إناه” أي غير منتظرين لورود إناء الطعام بأن تدخلوا من قبل فتطيلوا المكث في انتظار الطعام ويبينه قوله: “ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم أي أكلتم فانتشروا”، وقوله: “ولا مستأنسين لحديث” عطف على قوله: “غير ناظرين إناه” وهو حال بعد حال، أي غير ماكثين في حال انتظار الإناء قبل الطعام ولا في حال الاستئناس لحديث بعد الطعام. وقوله: “إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم” تعليل للنهي أي لا تمكثوا كذلك لأن مكثكم ذلك كان يتأذى منه النبي فيستحيي منكم أن يسألكم الخروج وقوله: “والله لا يستحيي من الحق” أي من بيان الحق لكم وهو ذكر تأذيه والتأديب بالأدب اللائق. قوله تعالى: “وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن” (الأحزاب 53)، ضمير “هن” لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسؤالهن متاعا كناية عن تكليمهن لحاجة أي إذا مست الحاجة إلى تكليمكم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلموهن من وراء حجاب، وقوله: “ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن” (الأحزاب 53) بيان لمصلحة الحكم. قوله تعالى: “وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا” (الأحزاب 53) إلخ، أي ليس لكم إيذاؤه بمخالفة ما أمرتم في نسائه وفي غير ذلك وليس لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم أي نكاحكم أزواجه من بعده كان عند الله عظيما، وفي الآية إشعار بأن بعضهم ذكر ما يشير إلى نكاحهم أزواجه بعده وهو كذلك كما سيأتي في البحث الروائي الآتي.

وردت كلمة حجاب في القرآن الكريم: حِجَابٌ، حِجَابًا، بِالْحِجَابِ، لَمَحْجُوبُونَ. وجاء في معاني القرآن الكريم: حجب الحجب والحجاب: المنع من الوصول، يقال: حجبه حجبا وحجابا، وحجاب الجوف: ما يحجب عن الفؤاد، وقوله تعالى: “وبينهما حجاب” (الأعراف 46)، ليس يعني به ما يحجب البصر، وإنما يعني ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار، وأذية أهل النار إلى أهل الجنة، كقوله عز وجل: “فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة، وظاهرة من قبله العذاب” (الحديد 13)، وقال عز وجل: “وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب” (الشورى 51)، أي: من حيث ما لا يراه مكلمه ومبلغه وقوله تعالى: “حتى توارت بالحجاب” (ص 32)، يعني الشمس إذا استترت بالمغيب. والحاجب: المانع عن السلطان، والحاجبان في الرأس لكونهما كالحاجبين للعين في الذب عنهما. وحاجب الشمس سمي لتقدمه عليها تقدم الحاجب للسلطان، وقوله عز وجل: “كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون” (المطففين 15)، إشارة إلى منع النور عنهم المشار إليه بقوله: “فضرب بينهم بسور” (الحديد 13).

وجاء في کتاب معجم الفروق اللغوية بترتيب وزياده للمؤلف أبو هلال العسكري: وقوله ” غير ناظرين إنيه ” (الأحزاب 53) أي نهايته من النضج.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن ناظرين واناه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا” (الأحزاب 53) أي لا تمكثوا بعد الطعام إطلاقا، لا للاستئناس بالحديث ولا لغيره، وإنما ذكر سبحانه الاستئناس بالحديث لأن المكوث في الغالب يكون لهذه للغاية. ويومئ ظاهر الآية إلى أن بعض الصحابة كان يدخل بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير إذن جريا على عادة الجاهلية، وانه كان إذا رأى طعاما يوقد عليه في بيت النبي ينتظره للأكل، وانه كان يجلس بعد الطعام للحديث والسمر.. وليس من شك ان هذا النوع من التطفل وسوء الأدب يؤذي كل إنسان نبيا كان أو غير نبي، ومن أجل هذا أدّب النبي الصحابة وغيرهم بأن لا يدخلوا أي بيت من البيوت إلا بعد الإذن من أهله – وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الآية 28 من سورة النور – وأن لا يقصدوه من أجل الطعام إلا بعد الدعوة على أن يأتوه بعد إعداد الطعام، ولا يتخلفوا بعد الانتهاء منه. ولا يختص ذلك ببيت النبي وحده، وإنما ذكره سبحانه لأنه السبب الموجب لنزول الآية، وقلنا أكثر من مرة: ان سبب النزول لا يخصص عموم الآية. “إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ واللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ” ﴿الأحزاب 53﴾. المراد بالحق الذي استحيا منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقه الشخصي، وهو إخراج الثقلاء والمتطفلين من بيته، سكت النبي عنه حياء منهم، فنبه سبحانه إلى أن بقاءهم بعد العام يؤذي النبي، وكذلك دخولهم على بيته من غير إذن، وفي الحديث: الحياء شعبة من الإيمان، ومن لا حياء له لا إيمان له. وفي حديث آخر: لم يبق من أمثال الأنبياء إلا قول الناس: إذا لم تستح فاصنع ما شئت. وقد جاء في وصف النبي: انه كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وفي نهج البلاغة: لا إيمان كالحياء والصبر، وكان العرب يمدحون العظيم بالحياء، قال الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين عليه السلام: يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا يكلم إلا حين يبتسم. ومن الطريف ما جاء في محاضرات الأدباء للأصفهاني: ان طفيليا عوتب على تطفله، فقال: لقد تطفل بنو إسرائيل على اللَّه، ألا نتطفل نحن على الناس؟. “وإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ”. ضمير “هن” يعود لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما ذكر المتاع فهومن باب المثال، لا من باب التخصيص به ونفي الحكم عن غيره، ويدل على ذلك قوله تعالى: “ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ” حيث يشعر بأن الاختلاط وإزالة الحجاب بين النساء والرجال يؤدي إلى الفساد والفتنة، ومعنى هذا ان الاختلاط محرم، أوان الأولى تركه على الأقل وبهذا يتبين معنا ان الاختلاط سبب لإثارة الغريزة الجنسية، وليس سببا لتهذيبها وكبح جماحها كما يدعي من يقول: قال اللَّه وأقول “ومن أصدق من اللَّه حديثا” (النساء 87). “وما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً” ﴿الأحزاب 53﴾. هذا الحكم من خصائص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحده لأن أزواجه بمنزلة الأمهات للمؤمنين. وفي تفسير الرازي، وروح البيان لإسماعيل حقي: (ان هذه الآية نزلت حين قال طلحة بن عبيد اللَّه التيمي: لئن مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأتزوجن عائشة).

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن الحجاب “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا” ﴿الأحزاب 53﴾ بناءً على هذا فإنّ الإسلام لم يأمر النساء المسلمات بأن يجلسن خلف الستور، ولا يبرحن دورهن، وليس لكلمة (المستورات) أو (المحجّبات) وأمثال ذلك من التعبيرات صفة إسلامية أو بعد إسلامي بالنسبة للنساء، بل إنّ ما يلزم المرأة المسلمة هو محافظتها على الحجاب الإسلامي، إلاّ أنّ نساء النّبي قد أمرن بهذا الأمر الخاص بسبب وجود أعداء كثيرين، ومتتبعين للعيوب والمغرضين، وكان من الممكن أن يصبحن عرضة للتهم، وحربة تقع بيد الإنتهازيين. وبتعبير آخر: إنّ الناس قد اُموروا أن يسألوا نساء النّبي ما يبتغونه من وراء حجاب. خاصّة وأنّ التعبير بـ (وراء) يشهد لهذا المعنى. ولذلك بيّن القرآن فلسفة هذا الحكم فقال: “ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ” ﴿الأحزاب 53﴾.