د. فاضل حسن شريف
عن شبكة الكفيل العالمية في ذكرى وفاته اطلاله على صاحب الكرامات القاسم بن الإمام الكاظم عليهما السلام: تمرّ علينا هذا اليوم ذكرى حزينة على قلوب الموالين ألا وهي ذكرى وفاة صاحب الكرامات القاسم بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام الذي وافاه الأجل في الثاني والعشرين من جمادى الأولى عام (192هـ). هاجر الإمام القاسم عليه السلام من مدينة جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله صوب العراق مع القوافل التجارية تخفّياً من بطش العتاة الذين ضاقوا ذرعاً بوجود الإمام الكاظم عليه السلام لما يمثّله من امتدادٍ لبيت النبوّة ومعدن الحكمة ومنهل العلم وأبوّةٍ ورحمةٍ للمؤمنين، فقد تعقّبوا العلويّين للتخلّص منهم بأيّة طريقة كانت ممّا دفع أولاد الإمام الكاظم عليه السلام الى الانتشار في بقاع الأرض للتمويه على شخص الإمام الرضا عليه السلام وفي مقدّمتهم القاسم عليه السلام المعروف بغزارة علمه ورجاحة عقله وشدّة ورعه. كان سلام الله عليه جليل القدر وفرعاً زكيّاً من فروع النبوّة ونفحةً قدسيةً من نفحات الإمامة، ووحيد عصره في صلاحه وتقواه ومحنته وبلائه بعد أخيه الإمام الرضا عليه السلام ويكفي في منزلته وشأنه ما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني قدّس سرّه في كتاب الكافي في باب النصّ: عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن يزيد بن سليط عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكّة أنّ الإمام قال له: (أخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي فأوصيتُ إلى ابني فلان وأشركت معه بني في الظاهر وأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله عزّوجلّ يجعله حيث يشاء). توفّي القاسم عليه السلام بعد مرض شديدٍ ألمّ به عام (192هـ) في أرض سورى عند حيّ باخمرا، حيث مرقده الطاهر ومشهده المقدّس الآن بقبّته الذهبية ومنائره الشاخصة وأنواره القدسية وكراماته الباهرة التي شهد بها القاصي والداني حتى لهجت بتبجيله الألسن وصدحت بمدحه الحناجر وأجلسه الناس على منبر الفخر في سويداء القلوب. وكان من وصيته سلام الله عليه لعمه شيخ الحي الذي تزوج من احدى بناته قوله: (ياعم إذا مت غسلني وكفني وادفني، وإذا صار وقت الحج،حج أنت وابنتك وابنتي هذه،فإذا فرغت من مناسك الحج، اجعل طريقك على المدينة فإذا أتيت باب المدينة، انزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي وامشي انت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب عالية فتلك الدار دارنا، فتدخل البيت وليس فيه إلا النساء وكلهن ارامل). وفي السنة الثانية من وفاة القاسم سلام الله عليه حج شيخ الحي مصطحبا بنت القاسم سلام الله عليه معه فكان كما قال القاسم سلام الله عليه حيث طرقت ابنته الباب ففتح لها، فأجتمعت حولها الهاشميات يسألنها عن اسمها ومن ابوها فبكت فلما خرجت ام القاسم سلام الله عليها ونظرت الى شمائلها جعلت تنادي: واولداه واقاسماه…والله هذه يتيمة القاسم ثم اخبرتهن البنت بوقوف جدها وامها عند الباب، وقيل ان ام القاسم مرضت حين علمت بما حدث لأبنها فلم تمكث سوى ثلاثة ايام حتى ماتت. روى الشيخ الكليني قدّس سرّه أيضاً عن سليمان الجعفري أنّه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام عندما احتضر أحد أولاده يقول لابنه القاسم: (قم يا بنيّ فاقرأ عند رأس أخيك “والصّافّاتِ صفّا” (الصافات 1) حتّى تستتمّها، فقرأ فلمّا بلغ قوله تعالى: “أهم أشدّ خلقاً أم من خلقنا” (الصافات 11) قضى الفتى)، فيظهر من هذين الخبرين كثرة عناية وتوجّه الإمام عليه السلام الى القاسم. وفي فضل زيارته عليه السلام قرن السيّد ابن طاووس في كتابه مصباح الزائر زيارة القاسم بن الإمام الكاظم سلام الله عليهما بزيارة أبي الفضل العباس بن الإمام أمير المؤمنين وعلي الأكبر بن الإمام الحسين عليهم السلام، حيث قال: (ذكر زيارة أبرار أولاد الأئمّة عليهم السلام إذا أردت زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم والعباس بن أمير المؤمنين أو علي بن الحسين المقتول بالطفّ عليهم السلام ومَن جرى في الحكم مجراهم، تقف على المزور منهم.، وهناك حديثٌ مسموعٌ مستفيض عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: (مَن لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم).
عن المرجع الألكتروني للمعلوماتية عن شذرات من سيرة القاسم بن الامام الكاظم عليه السلام للشيخ عقيل الحمداني: قصة وصول القاسم عليه السلام الى الحلة ووفاته: (شجرة طوبى – الشيخ محمد مهدي الحائري – ج 1 – ص 171 – 174) في بعض الكتب لما أشتد غضب الرشيد جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة ويسمل في الأعين وبنى في الأسطوانات حتى شردهم في البلدان. وصول القاسم مدينه سورا اوشوشه: ومن جملتهم القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر أخذ جانب الشرق لعلمه إن هناك جده أمير المؤمنين جعل يتمشى على شاطئ الفرات وإذا هو ببنتين تلعبان في التراب، أحديهما تقول للأخرى لا وحق الأمير صاحب بيعة يوم الغدير ما كان الامر كذا وكذا، وتعتذر من الأخرى فلما رأى عذوبة منطقها قال لها من: تعنين بهذا الكلام قالت: أعني الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين أبا الحسن والحسين علي بن أبي طالب -عليه السلام- قال لها: يا بنية هل لك أن ترشديني إلى رئيس هذا الحي قالت: نعم إن أبي كبيرهم فمشت ومشي القاسم خلفها حتى أتت إلى بيتهم، فبقي القاسم ثلاثة أيام بعز واحترام. القاسم يعمل ساقيا في بيت الشيخ: فلما كان اليوم الرابع دنى القاسم من الشيخ وقال له: يا شيخ أنا سمعت ممن سمع من رسول الله أن الضيف ثلاثة وما زاد على ذلك يأكل صدقة وأني أكره أن آكل الصدقة وأني أريد أن تختار لي عملا أشتغل فيه لئلا يكون ما آكله صدقة فقال الشيخ: أختر لك عملا فقال له القاسم: اجعلني أسقي الماء في مجلسك فبقي القاسم على هذا إلى إن كانت ذات ليلة خرج الشيخ في نصف الليل في قضاء حاجة له فرأى القاسم صافا قدميه ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد فعظم في نفسه وجعل الله محبة القاسم في قلب الشيخ. الشيخ يزوج القاسم ابنته: فلما أصبح الصباح جمع عشيرته وقال لهم: أريد أن أزوج ابنتي من هذا العبد الصالح فما تقولون قالوا نعم ما رأيت فزوجه من أبنته فبقي القاسم عندهم مدة من الزمان حتى رزقه الله منها ابنة وصار لها من العمر ثلاث سنين.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع سماحة آية الله الشهيد السيد محمد تقي الحسيني الجلالي قدس سره: وما ان استقر الحال بالشهيد قدس سره في مدينة القاسم عليه السلام حتى ترجم قصة القاسم عليه السلاممن مدينة جده صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة إلى أن وصل (حي باخمرا) أو منطقة سورى وفي 15 شوال 1385 هـ وضع حجر الاساس للحوزة العلميّة لتدرّس فيها مقدمات العلوم من فقه واُصول وعقائد ومنطق ونحو وبلاغة وغيرها. والكتب التي تدرّس فيها هي: 1- الفقه: رسالة المرجع، منهاج الصالحين بجزأيه، شرائع الإسلام، شرح اللمعة بجزأيه، مكاسب الشيخ الأنصاري. 2- اصول الفقه: اصول الفقه للشيخ المظفّر، معالم الدين في الاصول، الرسائل، كفاية الأصول. 3- النحو: البداءة في علمي النحو والصرف، المنهاج في القواعد والاعراب، شرح ابن عقيل على الألفية. 4- البلاغة: البلاغة الواضحة، مختصر المعاني. 5- التفسير: البيان للإمام الخوئي، تفسير الفرقان للشهيد الجلالي مخطوط. 6- المنطق: المنطق للشهيد الجلالي، حاشية التفتازاني. 7- الكلام: التربية الدينية، عقائد الإماميّة، شرح الباب الحادي عشر، شرح التجريد. 8- المحفوظات: جزء عمّ، جزء تبارك، ألفية ابن مالك، الباب الحادي عشر، نصوص مختارة حسب السنين الدراسية. 9- التربية: محاضرات في التربية (الدينية، الوطنية، الاجتماعية) الخطابة، التأليف، التصنيف. وقد باشر الشهيد الجلالي قدس سره بتدريس الدروس العليا، وقام بقيّة المدرسين بتدريس الكتب والعلوم الأخرى. وكان تشييد المدرسة الدينية متزامناً مع فكرة إنشاء ضريح من الذهب للمرقد المطهر على غرار ضريح أبي الفضل العباس عليه السلام. وقد مرّ بك عزيزي القارىء ما ظهر من كرامة في اليوم الذي أعلن فيه عن تشييد الضريح الشريف، وقد وصل الضريح خلال الحرب العراقيّة الإيرانيّة عن طريق سوريا، وهو الضريح الوحيد بين الأضرحة الشريفة للعتبات المقدسة في العراق الذي لم يرفع عنه اسم (الإمام الحكيم قدس سره إذ أنّ جميع الأضرحة التي ساهم فيها الإمام الحكيم قدس سره وبالذات الضريح المطهر لمرقد أبي الفضل العباس عليه السلام الذي أحدث ضجّة في بغداد عند وصوله من إيران، وحدثت مشاكل وقتها في منطقة الأعظمية. ولكن النظام العراقي وضع اسم الطاغية على أبواب الأضرحة وبعبارة: (بمساعي الرئيس المؤمن المهيب) ولكن ما وعته القلوب واستقر في الضمائر لا يغيّره تغيير الأسماء وتزييف الحقائق. وللأمانة التاريخية نمتّع أبصارنا بقصيدة المغفور له آية الله محمّد جمال الهاشميقدس سره التي خطّ قسم منها بالذهب على ضريح القاسم عليه السلام وهي خير دليل على زيف ادعاآت الظالمين.
وتخليداً لشاعر أهل البيت عليهم السلام فضلّنا أن نذكر القصيدة بتمامها لتبقى مناراً للأجيال تصرخ بوجه الظالمين (ان العاقبة للمتقين) والخزي للظالمين، واليكم القصيدة: إن رُمتَ أن تحيا وعيشك ناعمُ * فاقصد ضريحاً حلّ فيه القاسمُ تقضى به الحاجات وهي عويصة * ويُردّ عنك السوء وهو مهاجمُ فيه تحل المشكلات فقبره * كالبيت في زواره متزاحمُ مَن كابن موسى نال مجداً في الورى * كالفجر في انواره متلاطمُ مَن جدّه خير الأنام محمّد * من اُمّه امّ الكواكب فاطمُ نسبٌ به كالبدر يزهر حيدرٌ * ويطاول الشمس المضيئة هاشمُ وله مقامٌ في الجهاد مقدّس* تهتزّ منه لهاذم وصوارمُ الظلم طارده فعاش كأنه * طيرٌ بآفاق البسيطة حائمُ حتى لباخمراء جاء فضمّه * جوٌّ بحبّ بني النبوة باسمُ رهطٌ زكى بولاء آل محمّد * فمن الوِلاء له شعارٌ قائمُ دلت على إيمانه حركاته * كالورد نمّ عليه نشرٌ فاعمُ قدم ابن موسى نحوه فهفا له * إيمانه لما أتاه القادمُ دلّت عليه ملامحٌ علويةٌ * وعلائمٌ هي للجلال معالمُ وأجابت البنت البتول سؤاله * والقلب منها بالولاية هائمُ وقضى الحياة هناك يجهل أصله * قطر على تقديسه يتزاحمُ حتى قضى في غربة فغَدا بها * نجماً يشعّ به الظلام الداهمُ وغدت تحج له الألوف تبرّكاً * بضريحه فهو الملاذ العاصمُ وأشاد موقفه الحكيم مشيداً * رمزاً له يعنو الزمان الحاكمُ الآيةُ العظمى الذي فيه انمحت * للغيّ أحداثٌ جرت وعظائمُ. ونعود إلى سير الدراسة في مدرسة القاسم عليه السلام الدينية حيث كان الشهيد يتردد على ناحية القاسم عليه السلام أيام الاربعاء والخميس والجمعة، ويقيم مع عائلته الاشهر الثلاث وهي محرم، وصفر، وشهر رمضان المبارك، وأيام تعطيل الدراسة في النجف الاشرف. ويقضي هذه العطل في التأليف والتحقيق، إضافة لدوره البارز وتحمله بعض المسؤولية في مرجعية الإمام الخوئي قدس سره وهذا ما ستعرفه لاحقاً، وكان قدس سره لا يعرف الكسل والملل.