اسم الكاتب : رياض سعد
يشير مفهوم الفئة الهجينة في كتاباتنا الى الشخصيات والعوائل والمكونات الاجتماعية ذات الجذور الاجنبية ؛ ونقصد بالجذور الاجنبية : الاصول غير العراقية , وبغض النظر عن الانتماء الديني والقومي والثقافي لهؤلاء المواطنين غير الاصلاء – اي الذين لا ينتمون للمكونات والعشائر والعوائل والاصول والجذور العراقية العريقة – ؛ فقد يكون المواطن الهجين سنيا او شيعيا او مسيحيا او كرديا … الخ ؛ وهذا القيد الموضوعي يجب تحققه في مصاديق مفهوم الفئة الهجينة كافة ؛ ولعل السمة الثانية التي يتصف بها اغلب ابناء الفئة الهجينة ؛ تنكرهم لأصولهم الحقيقية واخفاء القابهم وجذورهم الاصلية ؛ ومن ثم ادعاء الالقاب العراقية والعناوين الوطنية ؛ زورا وكذبا … ؛ بالإضافة الى سمة ثالثة يتسم بها اغلبية ابناء الفئة الهجينة ايضا الا وهي كره العراقيين الاصلاء وبغض العادات والتقاليد والثقافات العراقية العريقة وعدم تشبعهم بالقيم والمثل الوطنية الاصيلة , وتفضيل الغرباء والدخلاء على المواطنين الاصلاء , والتماهي مع مخططات وثقافات الاعداء .
وتكاثرت الفئة الهجينة في العراق مع دخول الاتراك العثمانيين والانكليز المحتلين ونشوء الحكومات العميلة الهجينة – من عام 1920 والى 2003 – ؛ اذ ازدادت اعداد ابناء وعوائل ومكونات الفئة الهجينة في بلاد الرافدين , والذين دخلوا البلاد كمرتزقة ومقاتلين وغزاة محتلين وموظفين في دوائر الاحتلال والحكومات الهجينة ؛ او الذين جاءوا الى العراق لاجئين ومهاجرين لأسباب اقتصادية ودينية وغيرها , ومن هنا تعرف سبب انتشار ابناء الفئة الهجينة بين اوساط الطائفة السنية الكريمة والقومية الكردية والتركمانية والديانة المسيحية ؛ لان افواج وشراذم الفئة الهجينة دخلوا العراق بمباركة السلطات العثمانية والبريطانية وحكومات الفئة الهجينة ؛ من اجل احداث التغييرات الديموغرافية , والتلاعب بالنسب الدينية والطائفية والقومية للسكان العراقيين الوطنيين, وقلب معادلات القوة وتشويه الهوية الوطنية ومسخ الثقافة العراقية … , من خلال تمدد الغرباء وسيطرة الدخلاء على حساب ابناء الوطن الاصلاء ؛ لدوافع طائفية واستعمارية وسياسية خبيثة ومنكوسة .
ولكن هذا لا يعني خلو الاغلبية العراقية الاصيلة وباقي مكونات الامة العراقية من ابناء الفئة الهجينة ؛ اذ توافد الغرباء والدخلاء الى العراق وقطنوا المدن الدينية الشيعية للزيارة او الدراسة الدينية او غيرهما ؛ لذا تراهم يكثرون في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية ؛ وهذا الامر لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يشمل السنة ايضا ؛ اذ طالما جاء الزوار من الهند ودول اسيا والقوقاز وغيرها لزيارة مرقد الكيلاني وغيرها , وطاب لهم المقام وقطنوا بغداد فيما بعد , لذا تشاهد نسبة عالية من الهنود وغيرهم يلقبون بالشيخلي نسبة لباب الشيخ في بغداد .
ولعل احدكم يسأل ويقول : توجد في بعض دول العالم جاليات اجنبية ويتوافد عليها الغرباء والدخلاء الاجانب ؛ الا ان نسب المقيمين والمهاجرين واللاجئين والمجنسين تختلف من بلد لآخر … ؛ وهم يعيشون مع ابناء البلد الاصلاء بحب و وئام ؛ فما الضير في ذلك ؟!.
وللإجابة عن هذا السؤال ؛ نقول : ان اعداد وتحركات وفعاليات وانشطة المهاجرين والجاليات الاجنبية المختلفة في اغلب الدول مسيطر عليها وخاضعة للقوانين الوطنية الصارمة ؛ وعند صدور اي تقاطع او تعارض بين الفئتين ؛ تقدم مصلحة الفئة الوطنية على الفئة المهاجرة , ولا يستطيع المهاجرون والغرباء والدخلاء من منافسة او ازاحة ابناء البلد الاصلاء , بل قد يطرد المهاجرون وتسقط الجنسية عنهم في حال تعرض الامن القومي لهذا البلد او ذاك للخطر من قبل الجاليات الاجنبية اولا … ؛ وثانيا لا يمثل هؤلاء الغرباء والدخلاء هوية البلد الثقافية ولا يتحكمون بمصيره السياسي او الاقتصادي او الديني … الخ ؛ بل قد يشكلون حيزا هامشيا او يمثلون دورا ثانويا في هذا البلد او ذاك ليس الا .
فمن سابع المستحيلات ان يمثل المواطن العراقي والحاصل على الجنسية البريطانية الثقافة البريطانية والهوية الانكليزية التاريخية في المحافل المحلية البريطانية او الدولية ؛ وكذلك لا يستطيع المواطن الصومالي الحاصل على الجنسية الالمانية ادعاء تمثيل الثقافة والعقلية الالمانية مهما اجتهد في تقليد الالمان الاصلاء والتشبه بهم … ؛ فمن الطبيعي ، في كل مجتمعات العالم المتحضرة، أن تفرض الانتخابات الديموقراطية حكومة تمثل الأغلبية السكانية، بأي مسمى كانت، أغلبية سياسية، أغلبية وطنية، أغلبية مكوناتية … ؛ ومن الواضح أن يكون رئيس الجمهورية، أي رئيس الدولة، وكذا الحاكم التنفيذي، وكذا رئيس مجلس النواب من الأكثرية السكانية، الى جانب حفظ حقوق الاقليات والفئات الاخرى … ؛ فالهوية الوطنية تمثلها الاكثرية السكانية الاصيلة لا الاقلية المهاجرة الاجنبية .
في كل دول العالم لا يحدّد القانون ــ عادة ــ دين أو مذهب أو قومية من يستلم المنصب أو المذهب أو دين أو قومية؛ فكل مواطن من حقّه ــ في الظاهر ــ أن يكون في أي منصب من مناصب الدولة، ولكن الأعراف السياسية شيء آخر؛ ففي أغلب الدول توجد أعراف تشير الى الانتماء الديني أو المذهبي أو القومي، وأحياناً القبلي لأصحاب المناصب … ؛ وفي الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً ؛ هناك حزبان يتنافسان، ولكن من الطبيعي أن تفرض الأكثرية المذهبية، رئيساً للجمهورية من مذهب الأكثرية السكانية ؛ فيكون بروتستانتياً بشكل تلقائي , وفي بريطانيا لا يأتي رئيس الدولة (الملك) من خارج الكنيسة الانجليكانية ، بل هو رئيس الكنيسة الانجليكانية البروتستانتية، ورئيس وزراء بريطانيا كذلك هو ــ عادة ــ بروتستانتياً انجليكانيّاً ؛ وحتى الخلاف داخل الشعب الايرلندي، بشماله وجنوبه، أو الخلاف مع بريطانيا؛ إنّما هو خلاف طائفي حول التبعية المذهبية، وانقسام ايرلندا الى شمالية وجنوبية هو انقسام طائفي، فالذي ثار واستقل وتحول الى جمهورية هو جنوب إيرلندة، لأن شعبه كاثوليكي، والذي احتفظ بالوحدة مع انجلترة وبقي خاضعاً للتاج البريطاني الانجليكاني البروتستانتي هو شمال إيرلندة، لأن شعبه بروتستانتي ؛ و في الهند ؛ لم يأت رئيس وزراء أو حاكم مسلم بعد تأسيس الهند الحديثة ، بل ظلوا كلهم هندوس ، وهذا طبيعي أيضاً ، طبيعي أن يكون الحاكم في كل بلدان العالم من الاغلبية السكانية.(1)
الا ان الحال في العراق مختلف تماما ؛ فبسبب قرون الاحتلال العثماني الطويلة وتداعياته ؛ وبسبب مخرجات الاحتلال البريطاني الخطيرة ونشوء الحكومات الهجينة العميلة ؛ وجهل وتخلف الاغلبية وباقي مكونات الامة العراقية الاصيلة ؛ سيطرت الفئة الهجينة على مقاليد السلطة والنفوذ والاقتصاد والمراكز الثقافية والدينية في العراق ؛ واصبح الدخلاء والغرباء يمثلون الثقافة والهوية العراقية ويتحكمون بالقرار السياسي والديني والثقافي والاعلامي ؛ وتم تغييب المواطنين الاصلاء واستبعاد واقصاء العراقيين الكرماء ؛ ابناء وادي الرافدين القدامى … ؛ ولعل هذه الحالة تعد من الحالات السياسية النادرة والشاذة في العالم ؛ وبمراجعة تاريخية خاطفة ومتابعة دقيقة للأوضاع الراهنة تكتشف ان كل ازمات وبلايا ونكبات العراق سابقا وحاليا ؛ بسبب ابناء الفئة الهجينة واتباع الخط المنكوس .
………………………………………
- تحولات الاجتماع الشيعي العراقي | علي المؤمن .