استقلالية الفكر أولى من استقلالية الجسد
كامل سلمان
التجارب علمتنا بأن استقلالية الفكر هي الأهم لبناء الذات والاستقلال . مشكلة شعوب المنطقة ومنهم الشعب الكوردي يقاتلون اعداءهم ويقدمون التضحيات ويتألمون كثيراً من أجل الاستقلال وهم مازالوا يعيشون الاستعباد الفكري الذي تراكم لمئات السنين وعشعش في عقولهم . هل نصدق أن شعباً يمكن له نيل الحرية والاستقلال إذا كان مثقفيه يحملون ثقافة وفكر أعداءه ، ما قيمة الاستقلال الجسدي وعقلك تحت إمرة العدو بالضبط مثل مفهوم متلازمة ستوكهولم المعروفة في علم النفس الجنائي والتي تقول بأن من يعيش مخطوفاً لمدة زمنية طويلة سيكون أكثر المدافعين عن خاطفيه وقد يضحي بنفسه من أجلهم ويتم تفسير سر ذلك بأن الخوف والرعب الذي عاشه المخطوف تحت سلطة خاطفيه لا تغادر عقلية المخطوف بعد تحريره فيظل تحت تأثير أوامر خاطفيه وهذه واحدة من عمليات غسل الأدمغة المعروفة . مئات السنين وشعوب المنطقة خاضعة وتحت سياط الدولة العثمانية والدولة الصفوية وإذا بها فجأة تتحرر هذه الشعوب على يد الإنكليز فبدأت حركات التحرر تتشكل وتثور ضد الإنكليز وكأنهم يقولون للإنكليز ( من بعثنا من مرقدنا هذا ) لماذا أيقظتمونا من سباتنا فعليكم اللعنة ، لماذا لم تكن هناك حركات تحرر وأحزاب ثورية وايدلوجية في فترة الرقود ؟ ونفس الشيء حدث بالعراق بعد الاحتلال الامريكي أنتفض الراقدون ضد أمريكا لإنها حررتهم وقبلها كانوا راقدين خائفين متوجسين بل أموات ولكن لا يشعرون ، ملخص القول نحن ننظر للأحداث ونفسرها ونتحدث عنها بثقافة عالية المستوى لكننا ننسى بأننا نحن أيضاً مازلنا لم نتحرر عقلياً من مخلفات الماضي ، تصوروا العراق يتحرر من الدكتاتورية ثم طوعاً يقع بالحضن الإيراني ، سوريا تتحرر من الدكتاتورية ثم مباشرة تقع في الحضن التركي ، أفغانستان تتحرر ثم تعود لحنين الدواعش ، قد يحصل أي شعب على الاستقلال والتحرر لكنه سرعان ما يعود إلى حضن الحبيب الأولي لأن بذور العبودية لم تمت بدواخلهم . بمعنى لا استقلالية حقيقية مالم تسبقها استقلالية فكرية ونفسية وعقائدية ، نحن شعوب قابلة للخداع يعطوننا حدود جغرافية ويرفعون لنا أعلام ذات ألوان زاهية ويقولون أنتم الأن مستقلون ، نحن نصدق ذلك ونبكي عند سماع النشيد الوطني ونرفع الأعلام في كل مكان لكننا في واد والاستقلالية في واد أخر بعد المشرقين عن الاستقلال فما زالت خيوط افكارنا بيد غيرنا ، للذين لا يدركون التأريخ جيداً لم تكن الثورة الفرنسية ثورة استقلال مالم تسبقه ثورة استقلال فكرية على يد فولتير وغيره ، لم تكن ثورة غاندي في الهند استقلال مالم تسبقها ثورة استقلال فكرية ، الحادث الذي قام به مهاجر افغاني الأصل بقتل اثنين من الحرس الوطني الأمريكي في واشنطن قبل أيام لهو دليل على أن الاستقلالية والحرية التي نالها هذا المواطن الأفغاني مع عائلته في أمريكا لم تغير شيء من تركيبته لأن عقله لم يستقل بعد ولم يتحرر بل أصبح خطراً على الأخرين . أي شخص أو شعب إذا أراد الاستقلال والحرية حقاً عليه أولاً الاستقلال والتحرر من فكر وعقيدة المتسلط أو السجان وإلا فهو يخدع نفسه .
استقلالية الفكر أولى من استقلالية الجسد