د. فاضل حسن شريف
قال الله عز وجل “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ” ﴿النمل 69﴾، و “قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ” ﴿القصص 17﴾، و “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ” ﴿السجدة 22﴾، و “قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ” ﴿سبإ 32﴾، و “إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ” ﴿الصافات 34﴾، و “إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ” ﴿الزخرف 74﴾، و “فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ” ﴿الدخان 22﴾، و “أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَاهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ” ﴿الدخان 37﴾ هؤلاء قوم مجرمون: مشركون، فدعا موسى ربه حين كذبه فرعون وقومه ولم يؤمنوا به قائلا إن هؤلاء قوم مشركون بالله كافرون، و “وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ” ﴿الجاثية 31﴾، و “تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ” ﴿الأحقاف 25﴾، و “قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ” ﴿الذاريات 32﴾ قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين: كافرين هم قوم لوط، قال إبراهيم عليه السلام، لملائكة الله: ما شأنكم وفيم أُرسلتم؟ قالوا: إن الله أرسلنا إلى قوم قد أجرموا لكفرهم بالله، لنهلكهم بحجارة من طين متحجِّر، معلَّمة عند ربك لهؤلاء المتجاوزين الحدَّ في الفجور والعصيانو “إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ” ﴿القمر 47﴾، و “أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ” ﴿القلم 35﴾، و “يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ” ﴿المعارج 11﴾، و “عَنِ الْمُجْرِمِينَ” ﴿المدثر 41﴾، و “كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ” ﴿المرسلات 18﴾، و “كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ” ﴿المرسلات 46﴾.
وقال الله جل جلاله “وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ” ﴿المائدة 2﴾، و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” ﴿المائدة 8﴾، و “وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ” ﴿الأنعام 124﴾، و “لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ” ﴿هود 22﴾، و “أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ” ﴿هود 35﴾، و “وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ” ﴿هود 89﴾، و “لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ” ﴿النحل 23﴾، و “وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ ۖ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ” ﴿النحل 62﴾، و “لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” ﴿النحل 109﴾، و “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” ﴿الروم 47﴾، و “قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ” ﴿سبإ 25﴾، و “لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ” ﴿غافر 43﴾، و “إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ” ﴿المطففين 29﴾.
وردت كلمة الظالم ومشتقاتها في القرآن الكريم: يَجْرِمَنَّكُمْ، الْمُجْرِمِينَ، مُجْرِمِيهَا، أَجْرَمُوا، مُجْرِمِينَ، الْمُجْرِمُونَ، جَرَمَ، إِجْرَامِي، تُجْرِمُونَ، مُجْرِمًا، لِلْمُجْرِمِينَ، أَجْرَمْنَا، بِالْمُجْرِمِينَ، مُجْرِمُونَ، كَالْمُجْرِمِينَ، الْمُجْرِمُ. جاء في معاني القرآن الكريم: جرم أصل الجرم: قطع الثمرة عن الشجر، ورجل جارم، وقوم جرام، وثمر جريم. والجرامة: رديء التمر المجروم، وجعل بناؤه بناء النفاية، وأجرم: صار ذا جرم، نحو: أثمر وألبن، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكيس المحمود، ومصدره: جرم، في صفة عقاب.
عن موقع ملتقى الخطباء: يعرف المجرمون بسيماهم للخطيب ناصر بن محمد الأحمد: أحياناً والشخص يقرأ كتاب الله عز وجل، أو وهو يسمع، يمر بآية أو بمقطع، يشد من انتباهه، فيتأمل في هذه الآية، وإذا هي تحمل في طياتها معاني عظيمة جداً، وإذا ما رجع إلى أقوال أهل العلم. رأى أشياء وأشياء لم تكن تخطر بباله لأول وهلة، ولقد مرت بي آية من القرآن فوقفت عندها. وتأملتها ورجعت لها. فكانت هذه الخطبة، وهو قول الله تبارك وتعالى في سورة الرحمن “يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ” (الرحمن 41) “يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ” يُخبر المولى تبارك وتعالى، أن هناك علامات وسمات وأوصاف بل وأعمال، يعرف من خلالها المجرم من غيره. هناك بعض الأعمال والتصرفات التي إذا صدرت من الشخص، أدخلته في دائرة المجرمين، ففتشت بعد ذلك في كتاب الله، فإذا بالقرآن مليء بذكر أوصاف المجرمين، وفضح لأعمال المجرمين. بل وآيات كالقوارع تذكر مصيرهم ونهايتهم سواءً في الدنيا، أو في الآخرة، فإليكم أيها الأخوة، بعض أعمال المجرمين، بحيث لو رأينا من يتصف بها، فلا نتردد ونقول بأن فلأن مجرم. فالتفريق بينهما واجب، وقد فرق الله بينهما بقوله: “أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ” (القلم 35-36)، قال الله تعالى: “وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ” (الأنعام 55) وإليكم بعض تلك الآيات: تبياناً لأعمال وأفعال المجرمين. الآية الأولى: قول الله تبارك وتعالى في سورة الفرقان ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا” (الفرقان 31)، فهذا عمل من أعمالهم، وهو معاداة الأنبياء والمرسلين، ومحاربة ما جاء به الأنبياء والمرسلين، ومن ثم، المعاداة لأتباع الرسل والمعاداه، ولكل من يدعو إلى ما دعا إليه الأنبياء والرسل، “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ” (الفرقان 31) فهؤلاء المجرمون، يضايقهم شريعة الله، ويزعجهم تعاليم الدين، لا يريدون أن يطبّق عليهم أحكام الله، ولا يريدون الامتثال لما أمر به الدين. فلا سبيل لهم، إلا التمرد على الأنبياء والرسل، ومن بعدهم، معاداة الدعاة إلى دين الأنبياء. فإذا رأينا من يعادي من يدعو إلى دين الله، فلنعلم بأنه مجرم، إذا رأينا من يحارب دين الله، فلا نتردد بأن نصفه أنه مجرم، وهذا ليس حكمنا، وليس كلامنا بل هو حكم الله عز وجل، في كل من يعادي شريعة الله، ويخاصم الملة الحنيفية فهو مجرم، وسيحشر يوم القيامة مع المجرمين وإن تظاهر هنا في الدنيا بأنه من الصالحين.
ويستطرد الخطيب الأحمد في خطبته قائلا: أولاً، لا فلاح ولا توفيق له في الدنيا، قال الله تعالى: “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ” (يوسف 17)، أما في الآخرة، فيود هذا المجرم أن يتخلص من عذاب الله، لكن أنّى له الخلاص، يود لو كان بإمكانه، أن يفتدي نفسه بأن يقدم أولاده وعشيرته وذويه في مقابل خلاص نفسه، لكن أنّى له ذلك، وهذه نهاية من يعادي شريعة الله، هذه نهاية من يحارب دين الله، هذه نهاية كل مجرم، يعادي دعاة دين الله قال الله تعالى: “يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)” (المعارج 11-14). الآية الثانية، في فضح أفعال المجرمين، قول الله جل وتعالى في سورة الأنعام “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ” (الأنعام 123)، يخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه ما أن تقوم دعوة إصلاح في أي قرية، إلا وتصدى المجرمون لحربها وتصدروا لمقاومتها. فما الفرق إذن، بين هذا، وبين ما قيل في الآية السابقة، الفرق، أن الآية الأولى عامة: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ” (الفرقان 31)، فالآية لم تحدد من هم هؤلاء المجرمون، أما الآية الثانية ففيها تحديد لنوع معين من المجرمين وهم الأكابر، أكابر أهل القرية، “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا”، مإذا يفعل هؤلاء الأكابر المجرمون، ما هي أعمالهم: “لِيَمْكُرُوا فِيهَا”، ولكنهم في النهاية ومن حيث لا يشعرون: “وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ” (الأنعام 123). قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: وكما جعلنا في قريتك يا محمد أكابر من المجرمين والرؤساء ودعاة الكفر والصد عن سبيل الله، وإلى مخالفتك وعداوتك، كذلك كانت الرسل من قبلك يبتلون بذلك ثم تكون لهم العاقبة. هذه سُنّة الله تعالى في كل الأكابر، المجرمين، في كل قرية، إذا هم مكروا بدين الله، ومكروا بحملة دين الله، يكون نهاية مكرهم أن ينقلب الأمر عليهم، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون. وإليك الدليل على هذه السنة، وعلى هذه القاعدة: لقد مكر المجرمون الأكابر بأول الرسل نوح عليه السلام “وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)” (نوح 22-23) فمإذا كان نتيجة تلك المحاربة لدين الله، أن أهلكهم الله “وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ” (فاطر 43). ومكروا بنبي الله صالح عليه السلام فكانت العاقبة له ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51)” (النمل 50-51).