ما وراء الزمن: تأملات في آيات الغيب ومعنى الماضي الإلهي .

صابرين إدريس

هذة الآية المباركة تتحدث بصيغة الماضي، وهذا ما جعلني أتوقف كثيرًا عند معناها.
الآية في سورة يس عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ليدعو قومه إلى الإيمان بدعوة المرسلين، ولكنهم رفضوا الاستجابة له.
النقطة المهمة عندي هي: عندما قالت له الملائكة بعد موته:
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾
هنا أتساءل: كيف جاء الكلام بصيغة الماضي؟
وكأن الحدث قد وقع وانتهى، وكأن الرجل بُعث ودخل الجنة بالفعل، بينما يوم البعث والحساب لم يأتِ بعد!
كل يوم تستوقفني هذه الآية لأفكر…
إن الزمان والمكان بيد الله سبحانه وتعالى، بعيدًا عن فكرة أن كل شيء سيأتي في المستقبل.
أفكّر: ربما عند الله قد حدث وتمّ؟
لأن الله خالق الزمان والمكان، والكون كله خاضع لقوانينه عز وجل.
الله تعالى يقول:
﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾
وهذا يوضح أنّ الأزمنة تختلف باختلاف العوالم؛ فزمان أهل السماء غير زمان أهل الأرض.
وفي آية أخرى:
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾
فالملائكة تصعد في “يوم” يساوي في زمننا نحن آلاف السنين.
بمعدلٍ مجازيٍّ يمكن أن نقول: ساعتان في يومنا تُساوي عند الله مئة سنة مما نعدّ.
وهنا نتذكّر أيضًا قول الله تعالى عن الكافرين يوم القيامة حين يسألهم:
﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۝ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾
وقال في آية أخرى:
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾
هذا يؤكد أنّ إدراك الزمن عندهم تغيّر، وأنه نسبي.
فالماضي والحاضر والمستقبل، كلّها بيد الله.
وربما تحدث في نفس اللحظة ونحن لا نشعر، مثل النجوم التي نراها اليوم متوهجة بينما في الحقيقة احترقت قبل مئات أو آلاف السنين، لكن ضوءها ظلّ يسافر إلينا.
توقيت السماء غير توقيت الأرض… والفضاء الخارجي غير زمننا نحن.
الله سبحانه خلقنا في كون ثلاثي الأبعاد، على سطح كوكب الأرض، لكننا لا نرى كل شيء.
نحن لا نرى عالم الجن مثلًا، رغم أنهم يروننا ويعيشون معنا في نفس الكوكب.
نعيش في نفس المكان… لكن ليس في نفس البعد.
وهذا يجعلني أتساءل: هل المكان الذي نراه هو الحقيقة الكاملة؟
أم أنّ هناك عوالم متداخلة في نفس الموقع، لكنها محجوبة عن نظرنا وسمعنا وإدراكنا؟
لا أدري إن كان عذاب القبر حقيقة أو لا، ولا أعلم يقينًا إن كانت حادثة المعراج حقيقة كاملة كما رويت أو دخلتها الإسرائيليات، رغم أنني أميل إلى أنها معجزة واقعية.
لكنّ السؤال هنا: كيف رأى الرسول ﷺ أهل النار وما هم فيه، وأهل الجنة وما هم فيه من نعيم… بينما القيامة لم تقم بعد، والبعث والجزاء والحساب لم يحدث بعد؟
كيف تم هذا؟
ثم تأتي الآية في سورة يس:
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾
فأتساءل: متى قيل؟ ومتى دخل؟
هذا يجعلني أفكر أن الماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة لله ممتدٌّ في يد واحدة.
الزمن عند الله غير الزمن عندنا.
الله جل وعلا قادر على أن يخلق عوالم متعدّدة، في نفس اللحظة وفي نفس المكان، لكنها لا تتداخل… لأنّها محجوبة عن إدراكنا.
ولا أدري إن كانت نظرية الأكوان المتوازية حقيقة فيزيائية أو مجرد خيال علمي، لكن الله القادر على كل شيء، قادر على خلق ما لا نراه وما لا نتصوره.
ربما حقيقة عذاب القبر من هذا العالم الخفي؛ عالمٌ ثلاثي الأبعاد أو أكثر، نُحجب عنه فلا نرى حقيقته.
هناك عالم غيب… محجوب عنا.
ثم أتذكّر قصة نبي الله نوح عليه السلام،
دعا قومه:
﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾
ألف سنة إلا خمسين عامًا!
بينما أعمارنا اليوم لا تتجاوز الثمانين أو المئة عامًا.
فهل كان زمنهم مختلفًا عن زمننا؟
الله يقول:
﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾
إذا كان اليوم الإلهي = ألف سنة،
فكأن من عاش مئة سنة… عاش “ساعتين” فقط من الزمن الإلهي!
وهذا يفتح لي بابًا جديدًا للتفكير:
إن حياتنا القصيرة ربما ليست إلا دقائق في اليوم الإلهي.