الأحزاب الأيديولوجية لا تبني دولة

الأحزاب الأيديولوجية لا تبني دولة
كامل سلمان
دول المنطقة هي الأكثر تجارباً مع الأحزاب الأيديولوجية، فلم نرى دولة حقيقية قد تم بناءها في ظل أي حزب ايديولوجي . الأحزاب الأيديولوجية تستطيع أن تهدم الدولة وتستطيع أن تلوث عقول الناس وتستطيع أن تصنع الحروب وتستطيع أن تقتل وتعتقل بالجملة من أبناء الشعب وتستطيع أن تعبأ الناس للخروج إلى الشوارع لتهتف وتصرخ وتعربد وتستطيع أن تقتل التعليم وتستطيع أن تخلق الكراهية بين الناس وتستطيع أن تنشر الخرافة والدجل وتستطيع أن تنوب عن الشر في كل المجالات . لم أسمع في حياتي أن حزباً أيديولوجياً أستطاع بناء دولة ، قد يعترض أحدهم ويقول بأن الحزب الأيديولوجي في الصين نجح في بناء دولة عظمى . الصين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت من أفقر دول العالم وكان أكثر من نصف الشعب الصيني يتغذى على أوراق الشجر وكادت الشيوعية الماوية تنهي الشعب الصيني جوعاً لولا أنها تنازلت عن اساسيات الأيديولوجية الماوية ووضعت يدها بيد دول أوربا وأمريكا وفتحت الاستثمار للشركات الغربية العملاقة للعمل داخل الصين والاستفادة من وفرة ورخص الأيدي العاملة الصينية فأنقذت الشعب الصيني من الانقراض ، هنالك اليوم مئات الأثرياء في الصين بدرجة ملياردير ومليونير فلم يتبقى من الماوية سوى قيادة هرم الدولة ، دولة مثل كوبا قرابة السبعين عاماً وهي تتلوى من التخلف بسبب الحكم الأيديولوجي ، أوربا الشرقية تخلت طوعاً عن الأيديولوجيات فأعادت لنفسها الحياة ، أما منطقة الشرق الأوسط فأصبحت دولها وشعوبها مختبراً للتجارب حيث تم اختبار كل أنواع الأيدلوجيات الحية والميتة والمنقرضة حتى العبودية تمت تجربتها في هذه السنين وما أنتجت غير الخراب والدمار ، والغريب في الأمر عندما تفشل أيدلوجية معينة يعاد تجربتها في بلد مجاور والأغرب من ذلك أن بعض الأحزاب الأيديولوجية عندما تفشل تعيد نفسها للساحة بأسم جديد وكأن الأسم كان السبب في فشلها . الأحزاب الأيديولوجية لها مشكلة وعقدة مع الدولة فبمجرد أن تنجح في الصعود إلى الحكم سوى عن طريق الانقلابات أو عن طريق الانتخابات أو عن طريق المؤامرات أو عن أي طريق فأن أول شيء تسعى القيام به هو بناء المليشيات المسلحة داخل البلد وتحويل البلد إلى مشاريع للحروب الدائمة وتتصرف بالبلد كأنها تنظيمات ارهابية ، كلنا نتذكر حزب البعث في العراق عاش حروب متسلسلة ولم يتوقف لحظة ولو بقي لحد يومنا هذا لكنا نسمع وحدات الجيش الشعبي والحرس الجمهوري تقاتل الأن في روسيا وجنوب السودان أو أننا الأن في قادسية صدام العاشرة . هذه هي طبيعة وتركيبة الأحزاب الايدلوجية لأنها من أسمها ليست أحزاب بناء دولة بل أحزاب بناء أيديولوجيات ، والأيديولوجيات ليست لها حدود جغرافية فهي مثل السرطان تنتشر في كل اتجاه . هذه دول الخليج أمامنا لو كانت تحكمها أحزاب أيدلوجية لكانت حالها الأن أسوأ من اليمن وجنوب السودان بينما هي بدون وجود هذه الأحزاب تسلقت ناصية العلم وقفزت للأعالي لتصنع لنفسها مكانة بين الأمم الراقية . أنظروا إلى قباحة الأحزاب الأيديولوجية هي أكثر الجهات دعوة للديمقراطية لكن بشرط بقائها الدائم بالحكم وهي أكثر الجهات إيماناً بحرية الرأي لكن بشرط عدم تجاوز الخطوط الحمر التي تضعها ، وهذه الخطوط تشمل حتى طريقة جلوسك في الحمام ، وهي من تؤسّس لجان لمطاردة الفساد ولجان للنزاهة ضد من يختلف عنها ، أما هي مخولة أن تسرق وتعبث بممتلكات الدولة ، فهي طبيعتها أحزاب وقحة تفعل السوء وتتهم بها غيرها ، لها القدرة أن تتهم الشعب كله بالعمالة للأجنبي . ملخص القول أن من أسوأ النقم التي تقع على الشعوب هي وجود الأحزاب والتنظيمات الأيدلوجية وخاصة الثورية التي تتمكن بأساليبها شراء عقول الشباب وبيعها للمحارق ، فعندما تكون هذه الأحزاب والتنظيمات ماسكة بالسلطة وبيدها سدة الحكم عندها يتحتم على الشعوب ربط الأحزمة إستعداداً للجوع وللشهادة واستعداداً لتوسيع المقابر ولبس السواد ، أكيد الشعوب الجاهلة تكون متعطشة للأفكار الثورية والأناشيد الحماسيه وإطلاق الأعيرة النارية وهذه الوصفة تأتي فقط عن طريق الأحزاب والتنظيمات الأيديولوجية .