تكريم وتفضيل الانسان على المخلوقات في التفسير المبين للشيخ جواد مغنية

د. فاضل حسن شريف

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” ﴿الإسراء 70﴾ بماذا كرّم اللَّه بني آدم؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال نبين معاني ألفاظ الآية: أ – ” ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ” ﴿الإسراء 70﴾. ان اللَّه سبحانه كرّم ابن آدم بما زوده به من مؤهلات تجعله محترما مكرما. وسنذكر طرفا من هذه المؤهلات بعد تفسير ألفاظ الآية. ب – ” وحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ” ﴿الإسراء 70﴾. هذا الحمل بعض ما كرم اللَّه به بني آدم، ومن الواضح أن تيسير المواصلات من دعائم الحياة الانسانية. ج – “ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ” ﴿الإسراء 70﴾. وكل ما يجلب للإنسان نفعا بجهة من الجهات، أويدفع عنه ضرا كذلك فهو طيب وخير وحسن، ماديا كان أومعنويا د – ” وفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً “. قال كثير من المفسرين: ان المراد بكثير في الآية الجميع، ورتبوا على ذلك تفضيل الإنسان على الملائكة، واستغرقت هذه المسألة الصفحات الطوال من التفاسير، مع العلم بأنه لا أثر عملي من إثارتها وتحقيقها إلا تكثير الكلام. والصحيح أن الآية بعيدة كل البعد عن التفضيل بين الملائكة والإنسان، وان المراد بكلمة ( كثير ) المعنى الظاهر منها، إذ لا موجب لتأويلها والتصرف بدلالتها. بل العلم يحتم بقاءها على ظاهرها لأن الكشوف العلمية قد أبطلت النظرية القائلة: ان الأرض هي مركز الكون، والإنسان هو سيد الكون بكامله، وأكدت هذه الكشوف ضآلة الإنسان بالنسبة إلى الكون من حيث الضخامة وكثير غيرها من الصفات، وهذه الكشوف يقرها ويعترف بها القرآن، فلقد جاء في الآية 57 من غافر قوله تعالى: “لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (غافر 57) بأن هذا الكوكب الأرضي الذي يعيشون عليه إن هو إلا واحد من ملايين ملايين الكواكب التي لا يعرف العلم الحديث عددها على الرغم من أنه اكتشف ابعادا لا نهاية لها.. هذا، إلى أن كثيرا من العلماء يقولون: ان هناك كواكب تسكنها كائنات عاقلة ربما أعقل وأرقى من الإنسان..

ويستطرد الشيخ مغنية في تفسيره الآية الاسراء 70 قائلا: وبالتالي فان الإنسان سيد كريم، ما في ذلك ريب، ولكنه ليس سيد المخلوقات كلها، بل واحدا من السادات.. ولا شيء أدل على ذلك من جهل الإنسان بأكثر الكائنات علاوة عن ضعفه وعجزه عن التصرف فيها، بل هو جاهل بأكثر الكائنات الأرضية زيادة على جهله بالكائنات العلوية التي تتكون من ملايين المجرات.. وبديهة أن أول شرط للسيد قدرته على التصرف في المسود. وبعد أن شرحنا ألفاظ الآية الكريمة نشير فيما يلي إلى طرف من الخصائص التي كرّم اللَّه بها بني آدم: 1 – خلق اللَّه سبحانه الإنسان، فأحسن خلقه وصورته، قال تعالى: “وصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ” (غافر 64). وقال: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” (التين 4). 2 – العقل، ولولاه لم يكن الإنسان شيئا مذكورا، بل لولا العقل ما عرف الخالق. فبه نعرف عظمة اللَّه، وعظمة الكون، وعظمة العقل أيضا. قال أحد العقلاء: «إذا كان في الكون نجوم تلمع فان في العقل نجوما تلمع وتبهر، وإذا كانت الأكوان المحيطة بنا أجساما مشتعلة مترابطة بقوانين دقيقة فان العقل أعظم وأروع، وإذا كان علماء الفلك يرون في دقة الكون وعظمته دليلا على عظمة الخالق فان تكوين الإنسان أكبر دليل على عظمة اللَّه، وإذا كان النظر إلى السماء يجعل الإنسان يشعر بضالته فان تأمل الإنسان في نفسه يجعله يشعر بعبقريته، وبعظمة الذي خلقه، وخلق الأكوان كلها». فالكون عظيم، والعقل عظيم.. والكل لا شيء أمام عظمة الحقيقة الكبرى. والطريق الوحيد لمعرفة هذه العظمة، عظمة اللَّه والكون والإنسان هو العقل. “ولا تنس أن العقل ليس وقفا على الإنسان وحده”. 3 – الإنسان مستودع حافل بالغرائز والاسرار: علم وجهل. دين وكفر. حب وبغض. حلم وغضب. خوف وجرأة. بخل وكرم. تواضع وعظمة. أمانة وخيانة. ثبات وتقلب. إلى ما لا نهاية. ولست أدري هل بالغ من قال: «ليس الإنسان كائنا واحدا، وانما هوملايين الكائنات العاقلة والمجنونة، والمتحضرة والمتوحشة».

4 – يتطلع الإنسان باستمرار إلى حياة أفضل، حتى ولوكان في حياة فاضلة، وفي الحديث: «لو كان للإنسان جبل من ذهب وجبل من فضة لتمنى لهما ثالثا». وإذا كان هذا مثلا لطمع الإنسان فإنه يصلح أيضا مثلا لطموحه إلى أعلى. 5 – للإنسان شريعة وقيم، عليه أن يخضع لها، ويعمل بها، وعلى أساسها يسأل ويحاسب، ويكون شريفا أووضيعا. 6 – يتأثر الإنسان بمن مضى، ويؤثر فيمن يأتي، ويتفاعل مع أهل عصره، يؤثر بهم، ويتأثرون به.. ومن هنا كان له تاريخ وتراث وآثار، دون كثير من الكائنات. 7 – للإنسان حياة أخرى هي ساحة الحكم والجزاء على ما قدمه في حياته الأولى.. إلى غير ذلك من النعم التي أشار إليها سبحانه بقوله: “وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها” (إبراهيم 34).