علي المؤمن
من هم «البهرة»؟
البُهْرة طائفة شيعية إسماعيلية تُعَدّ امتداداً للاجتماع الديني للدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية في مصر وشمال أفريقيا. والمذهب الإسماعيلي هو انشقاق في مدرسة أهل البيت حصل على يد محمد بن إسماعيل بن الإمام الصادق، الذي نادى لنفسه بالإمامة بعد وفاة الإمام الصادق، بوصفه وريث أبيه إسماعيل في الإمامة، كون إسماعيل هو الابن الأكبر للإمام الصادق، رغم أنّ إسماعيل توفي في حياة أبيه الصادق. وقد اتبع محمد في زعمه هذا عدد من الشيعة، والذين كانوا نواة المذهب الشيعي الإسماعيلي، نسبة إلى إسماعيل ابن الإمام الصادق. أما الخط العام للشيعة فقد التزم بالإمام الذي أوصى به الإمام الصادق، وهو الإمام موسى الكاظم.
وقد استمرت الإمامة الإسماعيلية في ولد محمد بن إسماعيل حتى وفاة آخر إمام ظاهر للمذهب وهو الطيّب أبي القاسم بن الآمر، في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وقد اعتقد الإسماعيليون بأن الطيب أبي القاسم دخل السِّتر (الغيبة)، وأنّ التصرّف في شؤون الدعوة أُوكِل إلى داعٍ مطلق يُمثِّل الإمام المستور إلى أن يظهر. وهكذا بقي منصب الداعي المطلق أو ما يسمونه (سلطان البهرة) على رأس الجزء الأكبر من المذهب الإسماعيلي، كما سيأتي تفصيله لاحقاً.
وكلمة «البهرة» لها أصلٌ لغوي وتجاري وليس دينياً. وهي كلمة غير عربية، بل غُجراتية هندية، تُنطق Bohra أو Vohra، ومعناها: التاجر أو من يبيع ويشتري، وتدل على الجماعة التي اشتغلت بالتجارة. ففي القرون الوسطى، وبعد انحسار الدعوة الفاطمية من مصر إلى الهند واليمن، دخل عدد كبير من التجار الهندوس في المذهب الإسماعيلي الطيّبي على يد دعاة اليمن. وصار هؤلاء التجار يشكّلون طبقة تجارية غنيّة في مناطق غُجرات وكاثياواد، واشتهروا بالانضباط والنزاهة وحُسن إدارة المال. ثم تحوّلت الكلمة من وصفٍ مهنيّ إلى اسمٍ طائفي يُطلق على الجماعة الإسماعيلية الهندية التي تدين بالمذهب الطيّبي، أي الإسماعيلية الداودية.
وتنقسم طائفة «البهرة» الشيعية الإسماعيلية إلى ثلاث جماعات:
1- البهرة الداودية: نسبة إلى الداعي داود بن قطب شاه، وهم الأغلبية، ومركزهم في بومباي (مومباي) بالهند، وهم أكبر الفروع وأكثرها انتشاراً.
2- البهرة السليمانية: نسبة إلى سليمان بن حسن، ويتواجدون أساساً في اليمن.
3- البهرة العُليا أو العُلياويون، وهو فرع صغير.
لكنهم جميعاً يشتركون في النشوء الديني التاريخي ذاته، أي الإيمان بالإمام الطيّب المستور، والانتماء إلى دعوة تجارية إسماعيلية هندية الجذور.
عقائد البهرة. والبهرة الداودية هم أكبر فروع طائفة البهرة، وينتمون إلى المدرسة الإسماعيلية الطيّبية، ويعدّون أنفسهم الممثلين الحقيقيين للإمامة بعد الإمام الفاطمي المستور الطيب أبي القاسم. وهم يؤمنون بأصول الدين وفروعه نفسها التي يؤمن بها المسلمون، ولكن لديهم تفسيراتهم وتفريعاتهم الخاصة بهم، ككل مذاهب المسلمين. وأصول عقائدهم:
1- التوحيد: يؤمنون بالله الواحد المنزه عن الصفات والحدود والتجسيم. لكنهم يذهبون إلى التنزيه المطلق لدرجة يُعطّلون معها الأسماء والصفات، ويرون أنّ الله لا يُدرَك بالعقل ولا يوصف بصفة، وهذا ما يسمّى في فلسفتهم «التنزيه الباتّ». لذلك يرون أن معرفة الله الحقيقية تكون بمعرفة الإمام المعصوم، فهو مظهر التوحيد والوجه الذي يُتعرَّف به الله.
2- النبوة: يؤمنون بعقيدة النبوة العامة لجميع الأنبياء، ويعدّون النبي محمداً خاتم الأنبياء ظاهراً.
3- الإمامة: يرون أنّ سلسلة الإلهام الإلهي لا تنقطع بعد النبي، بل تستمر في صورة الإمامة. ويعتقدون أن الإمامة بعد وفاة رسول الله هي للإمام علي بن أبي طالب، ثم للحسن، ثم الحسين، ثم علي السجاد، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، وبعده ابنه إسماعيل، ثم ابنه محمد بن إسماعيل، ومنه تتابعت الأئمة حتى الإمام الطيّب بن الآمر الذي دخل الستر (الغيبة). وبعد غياب الإمام، تولّى الداعي المطلق مهمة النيابة عنه، وله السلطة الدينية والروحية المطلقة.
4- الداعي المطلق: هو نائب الإمام المستور، وهو الذي ينشر التعاليم، ويُؤخذ الدين عنه. ويصفونه بأنه باب الإمام وواسطة الفيض الإلهي إلى الناس. طاعته واجبة طاعةً مطلقة، والخروج عنه يُعَدّ خروجاً عن الدين الحق. وتعد البيعة والولاء للداعي المطلق أهم ركن عملي في المذهب الإسماعيلي. ويُعتبر «الميثاق» شرط الدخول في الجماعة، أمّا نقض الميثاق فيعرّض النفس للتيه الروحي.
5- نظام الدعوة: وهي سلسلة هرمية من المراتب تبدأ بالعقل الكلي (الفيض الأول)، ثم النفس الكلية، ثم الأنبياء الناطقين (أولي العزم)، ثم الأوصياء أو الأئمة، ثم الدعاة والمأذونون والمكاسرون (الدعاة المحليون)، ثم عامة المؤمنين. وهذا الهرم يمثل عندهم نظام الله في الكون، جامعاً بين اللاهوت والفلسفة.
6- الباطن والظاهر: يؤمن الإسماعيليون الداوديون بأنّ للشريعة ظاهراً وباطناً؛ فالظاهر هو الأحكام العملية من صلاة وصيام وحج وغيرها، أما الباطن فهو المعاني الروحية التي يفسّرها الداعي المطلق. ولا يُقبل ظاهر العبادة إلا إذا عُرف باطنها. ولهم تفاسير رمزية للقرآن والعبادات، مثل القول بأن الصلاة تمثّل الولاء للإمام، والصوم كتمان سر الدعوة، والحج البيعة للداعي.
7- المعاد والآخرة: يؤمنون بالثواب والعقاب ويوم القيامة، ولكنهم يفسّرون القيامة تفسيراً باطنياً، فالقيامة ليست حدثاً مستقبلياً فقط، بل هي أيضاً انكشاف حقائق الباطن للدعاة والمؤمنين الكاملين. وتتحدث بعض كتبهم القديمة عن «الرجعة الروحية»، أي عودة النفس في مراتب الكمال، لا التناسخ الجسدي.
8- العبادات والطقوس: يؤدّون الصلوات الخمس يومياً، ولا يتضمن أذانهم الشهادة الثالثة علناً، ولكنهم يعتقدون بولاية علي وأولاده اعتقاداً أساسياً بوصفها العقيدة الجامعة للمذاهب الشيعية. ويصومون شهر رمضان ويحتفلون بالأعياد الشيعية ويحيون ذكرى عاشوراء. كما يدفعون الزكاة والخُمس مباشرة إلى الداعي المطلق بصفته نائب الإمام.
سلطان البهرة
يُعرف سلطان البهرة رسمياً بلقب «الداعي المطلق»، وهو الزعيم الديني الأعلى للطائفة البُهرية الداودية الإسماعيلية. والزعيم الحالي هو الداعي المطلق الثالث والخمسون: مفضل سيف الدين ابن الداعي السابق محمد برهان الدين، وقد تولّى المنصب بعد وفاته سنة 2014 م. يقيم في مومباي، وله نفوذ روحي كبير، ويدير الجانب الإداري والمالي للطائفة عبر شبكة واسعة من المؤسسات الدينية والتجارية والخيرية. ويُعَدّ النائب العام عن الإمام المستور، وله الطاعة المطلقة في الشؤون الدينية والدنيوية.
وتتلخص واجبات سلطان البهرة في القيادة الروحية والدعوية، وتفسير العقيدة الإسماعيلية الطيّبية، وإصدار التوجيهات العقدية والفتاوى، وتعيين الدعاة المأذونين والمكلفين بالتعليم الديني، والإشراف على عملهم، إضافة إلى الإشراف المالي على موارد الطائفة (الزكاة، الخُمس، الأوقاف، النذورات والتبرعات) جبايةً وتوزيعاً، وتنظيم شؤون الأحوال الشخصية والاجتماعية للطائفة، مثل الزواج والإرث والسلوك العام والملبس والعمارة والمناسبات، وتمثيل الطائفة أمام الحكومات، خصوصاً في الهند واليمن وكينيا. ويحقّ لسلطان البهرة تعيين مَن يخلفه، وهو حقّ حصريّ لا ينازعه فيه أحد، إذ يختار خليفته ويُعلن ذلك إمّا علناً أو سراً أمام خاصته.