اسم الكاتب : رياض سعد
العمل بحد ذاته شرف ؛ وبغض النظر عن نوعيته ؛ ولكن بشرط الا يكون عملا محرما او ممنوعا او مخالفا للأعراف والقوانين ؛ ولكل عمل خصائصه التي تميزه عن غيره ؛ ولكل مهنة مخرجات وتأثيرات على الشخص الذي يمارسها ؛ لذا جاء في الامثال الشعبية : ((اليشيل الدهن يتدهن … ، و اليشيل الطين يتطين …)) وتشير هذه الامثال الى بداهة وحتمية تأثر الحامل بما يحمل ؛ فالأنسان كائن اجتماعي يعيش ضمن جماعات وفئات يتفاعل معها ويؤثر ويتأثر بها ، بحيث يكتسب الكثير من الخبرات والنتائج المترتبة على هذه المهنة او ذلك العمل ، وهنالك رواية جاءت عن الامام علي في هذا الجانب ؛ اذ قال – ما مضمونه – : من أراد العمل في الصياغة ؛ يجب عليه ان ينفض يديه من ادوات الفلاحة … ؛ فليس من المعقول ان تمارس مهنة الصياغة بأدوات الفلاحة , ولا من المنطقي ان تعامل الذهب والفضة والمجوهرات كما تعامل المزروعات .
لم يكن محمد الحلبوسي معروفا في العمل السياسي قبل عام 2008 ؛ فقد كان مواطنا بسيطا وشخصا مغمورا وبائعا للدهن الحر ؛ كما كان عزت الدوري بائعا للثلج ؛ و من المشهور ان الكرابلة هم من صنعوا محمد الحلبوسي , وجاء الى السلطة بقطار اقليمي كالآخرين ؛ وليست المشكلة في المهنة القديمة كما اسلفنا ؛ انما تكمن المشكلة في تغيير العنوان الوظيفي مع بقاء العقلية القديمة … ؛ وفي تغريدة للسياسي فارس طه الفارس : (( أن الثورة واجبة ضد من يحتمي بالقانون والنظام في إشارة لرئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي ؛ اذ قال الفارس في تغريدة : ” عندما يحتمي الطاغية بالقانون والنظام عندها تكون الثورة واجبة”... ؛ وختم تغريدته بوسم: “ابتعدوا عن الدهن الحر لأنه يسبب الطغيان )) .
وقد علا واستكبر على ابناء طائفته ومحافظته ؛ اولا وعلى الامة والاغلبية العراقية ثانيا , واتهم بالفساد والثراء الفاحش والسريع , والتآمر والعمالة والارتباطات المشبوهة بالدوائر الاجنبية والجهات الخارجية , حتى وصل به الامر ان يهدد المواطنين ( بكسر الظهر … ؛ الا اكسر ظهره ) وهذا التصريح ذكر الناس بخطابات ( الطر والمنكنه ) البعثية والصدامية الاجرامية المقيتة , ولعل خطواته ايضا تشبه خطوات رجال البعث المجرمين ؛ فقد استولى على مقدرات الانبار واستبعد المعارضين واقصى المستقلين , وعامل الناس بقسوة وغلظة وعنجهية ؛ ولعل تغريدة السياسي حيدر الملا تؤكد ذلك ؛ اذ قال : (( طلقاتك خلب .. وصيحاتك عبث .. وحتى ال (الحلم ) سيكون كابوس , قريبا جدااا.. فلا تتوسل وتقبل الايادي فقد قضي الامر . عدالة السماء , حوبة النازحين , حق المعتقلين )) .
واقالة الحلبوسي وطرده من قبة البرلمان ؛ جاء نتيجة تحركات سنية مكثفة , وتحالف عدة شخصيات سياسية من المنطقة الغربية للاطاحة به , اذ اقام النائب ليث الدليمي دعوى ضد الحلبوسي ؛ وكسب الدعوى ؛ وقد خلّف قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية ، اذ رأى سياسيون سنة واخرون : ان القرار يمثل عدالة القضاء العراقي , وتطلعات ابناء المكون السني وتلبية لاعتراضاتهم المستمرة وشكاواهم ضد الحلبوسي … ؛ اذ تعد محافظة الأنبار من أكثر محافظات البلاد تعرضاً للفساد والنهب الممنهج الذي عاناه أهلها على فترات متعاقبة وبظروف جميعها كانت استثنائية وصعبة، إضافة إلى ذلك تعد من أقل المحافظات بمستوى حرية التعبير وذلك بسبب مستوى الديكتاتورية المرتفع فيها وسيطرة جهات معدودة على مقدرات المحافظة وأمنها وجميع ما يخصها في السنوات الأخيرة… ؛ اذ يملك حزب تقدم بقيادة الحلبوسي اليد الطولى في الأنبار، كما يمتلك حصة الأسد من وارداتها وأموالها، فضلا عن سيطرته على أموال محافظات أخرى ولكن بدرجة أقل… ؛ ويعاني أهالي المناطق التي يسيطر حزب الحلبوسي من الملاحقة بشتى أشكالها عند اعتراضهم على ما يجري في محافظاتهم ولو بمنشور بسيط، كما يعاني وجهاء تلك المحافظات غير المنتمين للحلبوسي أو متحالفين معه من التسقيط المستمر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عبر أسلوب الجيوش الإلكترونية الذي ينتهجه الحلبوسي وحزبه لمحاولة السيطرة على الرأي العام في الأنبار خصوصا، والمناطق السنية عموماً… ؛ أما الفساد، فلدى حزب تقدم وشخوصه تاريخ طويل وحافل فيه، ولا يمر يوم واحد بدون حديث نائب من هنا أو مسؤول من هناك، أو مصدر مطلع يخشى ذكر اسمه لوسائل الإعلام عن صفقات الفساد الكبرى وأموالها الطائلة، أو عن استغلال النفوذ والتحكم بموارد المحافظة وأراضيها ومؤسساتها، أو عن ملف الدعم الخارجي والعلاقات المشبوهة لرئيس مجلس النواب مع دول مجاورة .
وصرّح الفريق الركن ناصر الغنام : بأن الوقت قد حان لفتح ملفات فساد عملاقة كانت تتم بواسطة الحلبوسي وأعوانه… ؛ اذ قال: حان الوقت، وبعد قرار المحكمة الاتحادية بفتح ملف أراضي اللواء الثامن ومؤسسة الشهداء في محافظة الأنبار والوقوف على حقيقة المعلومات القيّمة التي ذُكرت في تقرير لجنتين لإنصاف عوائل الشهداء وإحقاق الحق ومحاسبة من سرق المليارات من أموال العراق ))
وكشف عضو مجلس النواب أحمد عبد الحسين في تصريحات صحفية عن عدة ملفات هامة تخص الحلبوسي ، وذكر إن “المصادر الرئيسة وراء ثروة الحلبوسي الطائلة عديدة أبرزها؛ الدعم الخارجي الذي تقدمه دول الخليج كالإمارات وقطر، بالإضافة الى تركيا”… ؛ وأضاف أن “السياسات التي يمارسها الحلبوسي كتكميم الافواه ومصادرة الحريات والترهيب، والتي كشفها وركز عليها أحد الشخصيات الوطنية في محافظة الانبار وهو سطام ابو ريشة تدل وتؤكد على وجود صفقات فساد كبرى موجودة في المحافظة وتدار من دول خارجية بوساطته”.
ودعا عضو مجلس عشائر جنوب الموصل خالد الجبوري؛ في أحد مواقفه، الحكومة الاتحادية والكتل البرلمانية لإيقاف ما يجري من فساد في محافظة نينوى بواسطة الحلبوسي وحزبه… ؛ وقال الجبوري في تصريحات صحفية : إن “ما يجري في نينوى خطير جدا، حيث هناك تخصيصات مالية كبيرة تجاوزت تريليون دينار، والمواطن لم يلمس منها سوى فتات المشاريع”… ؛ وأضاف أن “أكبر ملفات الفساد هو ملف تحويل ملكية الأراضي وأيضا ملف التقاعد والتعويضات، وكل تلك الملفات تدار بشبكة من قبل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وحزبه تقدم، وهم المسؤولين عن ملفات الفساد الخطيرة”.
أما بملف استحواذ حزب تقدم ورئيسه على أموال مشاريع المناطق المحررة، كشف السياسي المستقل جمال عبد الكريم، حول وجود حراك شعبي في المناطق المحررة لمواجهة استحواذ تكتل الحلبوسي على المشاريع… ؛ اذ قال عبد الكريم : ان “صندوق الاعمار ممول من خزينة العراق وليس من حزب او تحالف سياسي لافتا الى ان المناطق المحررة في ديالى تشهد حراك منذ اسابيع لمواجهة استحواذ تكتل الحلبوسي وحلفائه على المشاريع وبشكل معلن”… ؛ واضاف، ان” نخب مجتمعية وشبابية ترفض ان تكون اموال الدولة بوابة للتسويق السياسي في ديالى وبقية المحافظات مؤكدا بان جزء ليس قليل من المشاريع به شبهات فساد مالي واداري وسيتم رفع دعاوي في القريب العاجل”.
ففي الأنبار كانت هنالك حراك سياسي وشعبي ونخبوي وشخصيات يعملون بشكل مستمر لعرقلة الحلبوسي عن هدف السيطرة المطلقة على المحافظة، ولعل أبرزهم هو الشيخ سطام أبو ريشة، والذي كشف العديد من الملفات التي تدين الحلبوسي وحزبه، وعرّى الكثير من القضايا التي لا يتم تداولها عبر وسائل الإعلام… ؛ أبو ريشة في أحد مواقفه، طالب القوى السياسية العراقية بمختلف انتماءاتها، بإيجاد بديل للحلبوسي بمنصب رئاسة البرلمان، معللاً السبب بأن الأخير “يستغل سلطته لقمع من يختلف معه، ويميل لكفة التطبيع وتقسيم العراق”، وفي موقف آخر قال أبو ريشة “صبرنا على تجاوزاته قد نفد وسنحكّم فيه سيوفنا، لن ندع القدر يبلغ مداه ليسلط علينا من تشهد له مواخير وصوامع القمار في (موناكو ومونت كارلو) ليفرض نفسه زعيما علينا”.
وفي مناسبتين سابقتين، وبعد اتساع مواقف الرفض للحلبوسي وسيطرته، صدرت بحق أبو ريشة مذكرتي قبض، وفي وقت لاحق تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، اعتبرها أبو ريشة استهداف شخصي من قبل الحلبوسي ضمن سلسلة عمليات ممنهجة لتكميم الأفواه وقمع المعارضين.
ومما صرح به السياسي مشعان الجبوري بهذا الخصوص : : (( أن قرار المحكمة الاتحادية بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب المُبعد محمد الحلبوسي كان “ضرورياً”، مشيراً إلى أنه “جعل من البرلمان أداةً للابتزاز والمساومات”… ؛ وكان يجب أن يحدث قبل هذا الوقت، وللأسف السيد الحلبوسي عطّل مهام البرلمان”… ؛ وأشار إلى : أن الحلبوسي “سفَّه دور البرلمان، وجعله مكاناً للجلسات المسائية لأول مرة في تاريخ مجلس النواب، لأنه لا يستيقظ صباحاً ولا يذهب إلى العمل، كما جعل من البرلمان أداةً للابتزاز والمساومات مع السُلطات التنفيذية”… ؛ وأضاف: “رغم محاولات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الحد من ذلك”، إلا أن الحلبوسي “استغل البرلمان في أن يمتد ويتمدد داخل المؤسسة التنفيذية، وخاصةً الأمنية”… )) .
وجاء في تغريدة للسياسي مشعان الجبوري ايضا : (( مثلي لم يتشفى بإعدام خصم سفك دماء اهلي ؛ فكيف لي ان اتشفى ب ” عجي ” قفز الى المقدمة بأساليب غير مشروعة وكنت على يقين ان نهايته حتمية ولكن واجبي الوطني يحتم علي ان احذر من مخاطر تركه يخرج من العراق لما يمتلكه من اموال وعلاقات وقدرة تأثير في داخل البرلمان ومؤسسات الدولة التي عبأها… ؛ وجاء في تغريدة له ايضا : طرد الحلبوسي من البرلمان لا يعني انتهاء خطره على الدولة والنظام السياسي فله أذرع في الحكومة والبرلمان كما واستغل منصبه في تكوين ثروة طائلة تمكنه من شراء ذمم ضعاف النفوس في اثارة الفتن وتهديد السلم الاهلي ما بتطلب منعه من السفر وحجز امواله في الداخل والخارج واعفاء من وضعهم في رئاسة اللجان البرلمانية السيادية او في مناصب في ادارة الدولة وخاصة المؤسسات الامنية … ؛ ))
الى غير ذلك من عبارات الشجب والادانة لشخص محمد الحلبوسي ؛ والترحيب بقرار المحكمة الاتحادية من قبل النخب السنية والشخصيات السياسية والعشائرية في المنطقة الغربية ؛ وقد تعاملت وسائل الاعلام العالمي والصحف العالمية مع خبر اقالة الحلبوسي بمنتهى التجاهل واللامبالاة وعدم الاهتمام ؛ وان دل هذا على شيء فإنما يدل على خسة وهشاشة العملاء وبيادق الشطرنج في اللعبة السياسية .
وكما ترون ؛ الشأن سني داخلي وهم اعرف بمن ينفعهم ويمثلهم , وبمن يضرهم ؛ ولهم الحق في اقالته , لانهم يعتقدون انه لا يمثلهم ؛ الا ان الغريب في الأمر هو أنّنا كلَّما سمعنا او شاهدنا بمشكلة سياسية لهذا المكون او ذاك ؛ او حراك وصراع داخلي لهذه الطائفة او تلك الجماعة ؛ او قرار سياسي لحكومة هذه الدولة او ذلك النظام البعيد عنا كل البعد … ؛ رأينا هرولة بعض دونية الاغلبية ومن يدعون تمثليها الى التدخل وابداء الآراء في هذه الازمة او تلك المشكلة ؛ علما انه لم يطلب منهم احد التدخل ؛ حتى صار البعض منهم اضحوكة لشعوب المنطقة ؛ فهذا يذهب للدولة الفلانية لإبداء نصائحه وخططه الاستراتيجية , وذلك الذي يدعي ان حكام الارض وملوك العالم يطلبون منه المشورة السياسية ؛ وعندما يسألهم جمهورهم عن هذه التصرفات البلهاء ؛ يجيبون بهذه العبارة السمجة : بانهم ( ام الولد ؛ ولو صدقوا لقالوا : اننا عاهرة البلد ) وبهذه العقلية الساذجة والسياسة البدائية يحشرون انوفهم فيما لا يعنيهم ويقفزون على هموم الواقع العراقي , ويتجاهلون مطالب جمهورهم , ويغفلون عن الواقع المرير الذي تعيشه قواعدهم الشعبية … ؛ وعليه لم استغرب من تصريحات ورود افعال بعض الدونية والعملاء والسفلة والمنكوسين من المحسوبين على الاغلبية العراقية ؛ والتي تعاطفوا فيها مع الحلبوسي وجاملوه على حساب القضاء والعدالة والمصلحة الوطنية ؛ ولعل المثل الشعبي العراقي ينطبق على هذه الحالة الشاذة : ((القاضي راضي المفتي شعليه )) .
الشخصيات السنية فرحة ومستبشرة بهذا القرار القضائي الشجاع الا دونية الشيعة ؛ ولا غرو في ذلك فشبيه الشيء منجذب اليه ؛ اذ يرتبط الحلبوسي مع بعض ساسة الشيعة بمصالح اقتصادية ومشاريع مشبوهة وصفقات فساد وسرقات .
لكل شخص رؤية وهدف في الحياة الا دونية الاغلبية فهؤلاء يعيشون بلا هدف ولا مبدأ ولا هوية ولا عقيدة ؛ وليس لهم طعم او لون او رائحة ؛ فلا أدري على اية ملة هم ؛ فأن كانوا طائفيون متعصبون فالمصلحة المذهبية تدفعهم للإطاحة بالحلبوسي واعوانه لأنه متهم بالإرهاب ودعم التنظيمات البعثية الاجرامية ؛ وان كانوا وطنيون يدعون للامة العراقية ودولة المواطنة ؛ فالحكمة تدفعهم لمساعدة خصومه عليه ؛ لأنه يهدد وحدة العراق والسلم الاهلي فيه , وان كانوا مقاومة فمن مصلحتهم الاطاحة به ؛ لأنه متهم بالتطبيع مع اسرائيل وبالتآمر على فصائل المقاومة والارتباط بالأمريكان ؛ وان كانوا دعاة ديمقراطية ومدنية ؛ فالمبدأ يقتضي اقصائه ؛ لأنه مؤمن بالدكتاتورية والتسلط والاقصاء والتهميش والطائفية … الخ .
بالمختصر المفيد الدونية لا دين لهم , ولا رأي , ولا شرف , ولا منهج , ولا عقيدة , ولا هوية ؛ ولا يعرفون ماذا يريدون ؛ هم كالدواب بل اضل سبيلا .