نوفمبر 22, 2024
03

اسم الكاتب : قصي منصور التٌركي

الأكديون هم من الأقوام الجزرية التي سكنت الجزيرة العربية نزحوا من ارض الجزيرة منذ أقدم العصور التأريخية إلى منطقة  اعالي الفرات ثم الى وسط وجنوب بلاد الرافدين([1]) . ولابد أن يكون وجودهم واستقرارهم مع  السومريين في المنطقة التي يقترب فيها نهر دجلة والفرات اليوم اقتراباً شديداً من بعضهما  الى الجنوب من بغداد بالقرب من اليوسفية([2]) .

ارتأى الباحثون إطلاق مصطلح الجزريين عليهم والتي تعني سكان الجزيرة العربية،([3]) وسموا بالأكديين نسبة إلى عاصمتهم الجديدة (أكد) التي لم تكتشف بعد والتي بناها سرجون الأكدي في بداية حكمة، واتخذها عاصمة له ولمن بعده من خلفائه الملوك الأكديين ، إذا فهي تسمية لاحقة لوجود الأكديين في بلاد الرافدين إذ عاشوا جنبا إلى جنب مع الأقوام الأخرى وفي مقدمتهم السومريون الذين كان لهم الدور البارز في أنشاء حضارة بلاد الرافدين ولاسيما في العهد السومري القديم أو ما يسمى بعهد دويلات المدن السومرية أو عصر فجر السلالات، إذ ساد العنصر السومري سياسياً وثقافياً ولغوياً، وإن بداية حكمهم يمثل انتهاء عهد وبداية عهد جديد، والذي تميز بمشاركة الجزريين والسومريين، ثم بدأت الحضارة وعناصرها تتبدل قومياً ولغوياً وسياسياً من السومرية إلى الجزرية، فبدأت اللغة الأكدية تتصدر اللغات وأصبحت اللغة الرسمية في البلاد([4]) .

    أما ما يخص أصل الأكديين فقد قُدّمت أراء حول أصلهم وعلى الرغم من إن اغلب الباحثين يعتقدون على إنهم من الجماعات الجزرية التي كان موطنها الأصلي في شبه الجزيرة العربية.)[5](  إلا إنهم اختلفوا في تحديد موطنهم الأصلي ضمن الجزيرة نفسها ، فمنهم من يقول إنهم من جنوب الجزيرة العربية وبالتحديد من بلاد اليمن وهناك من يعتقد إنهم كانوا يسكنون في المنطقة الكائنة غرب الفرات والتي تسمى بأرض الاموريين والذين هم من الأقوام الجزرية التي كان موطنها الأول شبه الجزيرة العربية ثم هاجرت إلى بلاد الشام واتجه بعضها شرقاً إلى بلاد الرافدين وتشير الأدلة المتوافرة ولاسيما الأدلة اللغوية إلى أن الأقوام الامورية بدأت تتغلغل بين السكان بشكل سلمي وواسع ولاسيما منذ آو أخر الألف الثالث ق.م )[6](.

      ومن المرجح دخول تلك الأقوام الجزرية إلى بلاد الرافدين من شمال غرب شبه الجزيرة العربية أو المنطقة المعروفة بالجزيرة الفراتية في شمال غرب نهر دجلة في العراق، وشمال شرق سوريا، وجنوب تركيا. لذلك أظهرت التنقيبات الأثرية التي أجريت في منطقة الجزيرة العربية عن وجود مستوطنات تعود إلى بداية العصر الأكدي وهو زمن مقارب لنزوح أول جماعة معروفة من الجزريين([7]) .

     من أسباب هجرة تلك القبائل من موطنها الأصلي إلى الصحراء السورية وأعالي الفرات ومن ثم دخولهم  إلى بلاد الرافدين طلب موارد العيش بعد أن حّلت حقبة جفاف نسبي أدت إلى قلة الموارد الزراعية في الجزيرة([8]) .  وكذلك زيادة عدد السكان وقلة الإمطار الأمر الذي أثره في الناتج الزراعي وقلة الحيوانات في تلك المنطقة وأدى ذلك إلى ضعف نظام الحكم وعدم استقراره، فضلاً عن التأثر بالنزاعات القبلية([9]) . فضلاً عن تحّول الطرق التجارية إلى غير أماكنها الأولى في الجزيرة مما أدى إلى فقدان المحطات التجارية لأهميتها مما حدا بأهلها إلى هجرتها والبحث عن مناطق أخرى توفر فيها ظروف ومياه أفضل([10]). لذا نراهم قد اتجهوا نحو منطقة الهلال الخصيب في بلاد الشام ومن ثم إلى بلاد الرافدين واستقروا أخيرا في وسط وجنوب الفرات وأتخذو من مراكز المدن مقرات استراتيجية لهم)[11](. والى جانبهم هناك جماعات أخرى وهم الكنعانيون([12]) الذين استقروا في بلاد الشام في الألف الثاني ق.م([13]) . (ينظر الخارطة المرفقة).

ويعتقد أن دخول الاكديين البلاد كان على شكل جماعات كبيرة أو صغيرة تغلغلت بشكل سلمي وتدريجي، إذ اندمجوا وتفاعلوا مع المظاهر الحضارية السومرية وأهلها وأخذوا كثيراً منها بما يتلاءم مع عاداتهم وتقاليدهم وبهذا ساعدوا على تطور الحضارة السومرية بشكل خاص وتطور حضارة بلاد الرافدين بشكل عام، ولما سكن الأكديون في بلاد الرافدين امتهنوا الزراعة وصنوف الحرف كافة([14]) .

من الناحية السياسية كانت حالة الصراع والنزاع السياسي، من أجل السيطرة الاقتصادية، ولاسيما النزاع على الأراضي الزراعية وموارد المياه بين المدن السومرية هي الصفة الغالبة، وبذلك كانت بلاد الرافدين مقسمة إلى دويلات عدة، وقد شهدت البلاد في نهاية عصر فجر السلالات محاولات عدة لتوحيدها، من أبرزها ما قام به الملك (لوكَال – زاكيزي)([15])، إلاإن هذه المحاولات لم يكتب لها أن تبصر النور، غير إنها كانت بوادر جيدة لتوحيد المنطقة ([16]). إذ توجت على يد زعيم أخر على مسرح الأحداث في بلاد الرافدين، وهو الملك (سرجون الأكدي)،([17]) وهو أول الملوك الأكديين له أثر عميق في نفوس السومريين– الأكديين إذ أصبحت شخصيته بهالة مستديمة من الأساطير، وتسمية (Šarru-kin) وتعني الملك الصادق أو الملك الحق وهو من مشاهير ملوك بلاد الرافدين وأول من أقام إمبراطورية في التأريخ على وفق قوائم الملوك السومريين, إذ حكم 56 سنة بين (2334 – 2279 ق.م)  وكان  سرجون أقوى عزيمة وشكيمة من الملك السومري (لوكال – زاكيزي)، الذي نازعة السلطة والزعامة وتغلب عليه وأسس سلالة عرفت بالسلالة الأكدية (2371 – 2216 ق.م)، والتي دام حكمها أكثر من قرن ونصف ، والتي شمل حكمها بلاد الرافدين كله واتسمت بالفتوحات الخارجية إلى والبلدان  المجاورة([18]) .

تجاوزت سعة الإمبراطورية الأكدية العالمية حدود منطقة الشرق الأدنى القديم وشملت جزءاً لا بأس به من المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ الحضارة السومرية القديمة، والتي كانت على تقارب فكري واقتصادي دائم معه . ألا أن الأكديين شعباً وحضارة استطاعت ولأول مرة أن تضفي على هذا التأثير الحضاري وجهاً سياسياً([19]) .

([1]) سوسة، احمد ، حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسومريين ، (بغداد ، 1980) ص81.

([2]) مورتكات، أنطوان ، المصدر السابق ، ص84 .

([4]) شيحلات ، علي ، والحمداني ، عبد العزيز الياس ، المصدر السابق ، ص106 – 107 .

[5]– Hitti, P, History of the Arab sixth edition , (London , 1985) , p.3

[6] – Ibid, p . 3 .

([7]) الأحمدي ، سامي سعيد ، تـأريخ العراق القديم ، ج1 ، (بيروت ، 1968) ، ص223 .

([8]) محمد ، رغد عبد القادر ، العصر الأكدية معطياته الحضارية والفنية ، رسالة ماجستير غير منشور ، (جامعة بغداد ، 1996) ، ص5 .

([9]) المصدر نفسه ، ص5 .

(4) Chadwick , R,. First Civilizations Ancient Mesopotamia and Ancient Egypt , (Canada , 2004) ,p p 52 59 .  

)[11]( – Ibid , pp . 52 – 59.

([12] ) الكنعانيون: هم من الأقوام الجزرية التي كان موطنها الأصلي الجزيرة العربية وهاجروا إلى بلاد الشام وتمركزوا بالمنطقة الساحلية بالدرجة الأولى وجعلهم يتأثرو من الناحية الثقافية بحضارة مصر بالدرجة الأولى, إذ كان اسم كنعان يطلق في بادئ الأمر على الساحل الغربي من فلسطين . للمزيد ينظر :

غزالة ، هديب حياوي عبد الكريم ، دور حضارة العراق القديمة في بلاد الشام , أطروحة دكتوراه غير منشورة ، (جامعة القادسية ، 2002) ، ص49 – 50 . وكذلك ينظر: العش، أبو فرج ، أثارنا في الإقليم السوري ، (دمشق ، 1960)، ص153.

([13]) علي ، فاضل عبد الواحد ، السومريون الأكديون،العراق في التاريخ, (بغداد ، 1983) ، ص72 .

 ([14]) علي ، فاضل عبد الواحد ، “(الأكديون ، دورهم في المنطقة)” ، مجلة كلية الآداب, ع24 ، (بغداد ، 1979) ، ص190 .

([15] ) لو كَال – زاكيزي : حاكم مدينة أوما, يتحلى هذا الملك بصفات عالية ولاسيما العسكرية التي مكنته من القضاء على الملك (أور – كاجينا) أخر ملوك سلالة لكش الأولى وبذلك إنتهى النزاع الطويل بين هاتين الدولتين الذي كان الهدف هو السيطرة على مصادر المياه ولم تقتصر نهاية   لوكال – زاكيري على إنها نهاية حكم ملك أو حكم سلالة ، بل إنها كانت خاتمة عصر تأريخي الذي أطلق عليه اسم (عصر فجر السلالات) وبداية عصر جديد وهو العصر الأكدي وانتقلت السلطة إلى الأكديين للمزيد ينظر: باقر ، طه ، مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ، ج1 ، (بغداد ، 2009) ، ص333 – 335 .

([16]) باقر ، طه ،مقدمة، مصدر سابق، ص60 .

([17] ) للمزيد ينظر: رو ، جورج ، العراق القديم ، ترجمة  حسين علوان حسين ، (بغداد، 1984) ، ص208 ، كذلك: رشيد ، فوزي ، “(سرجون الأكدي)” ، الموسوعة الذهبية ، ط1 ، (1990) ، ص17، وكذلك ينظر:

       Frayny .D., Sargonic and Gution periods (2334 – 2113 B.C), vol.1 , Toronto Buffalo , (London , 1913) , p.7 .

([18]) شيحلات ، علي ، والحمداني، عبد العزيز الياس ، مختصر تاريخ العراق القديم, ج2 ، (بيروت ، 2006)، ص105 – 106.

([19]) مورتكات ، أنطوان ، تاريخ الشرق الأدنى القديم ، ترجمة توفيق سليمان, (1950) ، ص84.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *