اسم الكاتب : نبراس النائلي
ان تحقيق الهوية الوطنية في العراق، يبدو قضية اشكالية ومثيرة للجدل وهي قضية شائكة في كثير من جوانبها حيث يتحدد وجودنا التاريخي والجغرافي بالوجود الثقافي الذي يحدد خصوصياتنا الثقافية والاجتماعية والحضارية التي تدل على وجدونا وتعلقنا بالبلد الذي ننتمي اليه والتي تدل على هويتنا وانتمائنا له ايضاً، لكن هناك العديد من المشاكل التي باتت تهدد هذا الوجود في الوقت الذي اصبحت فيه المجتمعات الغربية تروج لثقافتها وعاداتها وانماط حياتها السلوكية التي تعد مناقضة تماماً مع شخصيتنا العراقية، حيث بدأت المجتمعات الغربية تروج لثقافتها عبر وسائل تكنولوجية ووسائل الاتصال الحديثة التي اجتاحت العالم اليوم والذي اصبحت مثل السرطان الذي لا يمكن التخلص منه بأي طريقة كانت والتي غزت العقول وسيطرت عليها سيطرة تامة وأصبحت تشكل هويتنا الثقافية امام الآخر، وبصريح العبارة من خلال ملاحظتي لكل ما يحدث اليوم في المجتمعات العربية كافة وليس المجتمع العراقي فقط انه من الصعوبة التميز بين هوية الفرد العربي من جميع النواحي سواء العادات والتقاليد وحتى المظهر الخارجي وطريقة التفكير وطريقة الكلام اي بدأت الهوية العراقية تنقرض تدريجياً. حيث ان تأصيل الهوية يعد من اهم سبل تشكيل الشخصية العراقية، ومن هنا فان الحفاظ على الهوية العراقية وبالأخص في ظل الظروف والتحولات العالمية الكبيرة التي تمثلت في انتشار اللغات العالمية مقابل اللغات المحلية وكذلك القيم العالمية مقابل القيم المحلية التي تحدث الآن والتي يستوجب غرس تنمية شعور قوي بالهوية لدى افراد المجتمع العراقي على حد سواء.
ومن هنا صارت التحديات تفرض نفسها على مجتمعنا واصبحت تتطلب بلورة رؤية خاصة نستطيع من خلالها التمسك والحفاظ على هويتنا العراقية ووجودنا وحضارتنا، وفي الوقت نفسه الانفتاح على العالم للإفادة من نتائج المعرفة بجميع اشكالها دون ان نفقد شيئاً من هويتنا. وفي عنواننا ذلك وموضوعاتنا تلك فإن البحث تناول مفهوم الهوية وهو الاساس الذي تنطلق دراستنا منه وتناولنا ايضاً انواع الهوية والتحديات التي تواجهها الهوية الوطنية العراقية واختتم هذا البحث ببعض الاستنتاجات والتوصيات التي وجدت الباحثة انها مهمة جداً ان توصي بها للحفاظ على الهوية الوطنية.
مفهوم الهوية
الهوية(Identita) هي السمة الجوهرية العامة لثقافة من الثقافات، ولكن هذه السمة ليست ثابتة أو جاهزة او نهائية، كما يفهمها او يعرفها البعض احياناً، ولذلك لا يمكننا صياغة تعريف اجرائي لها ولا توصيفها وتحديد خصائص ذاتية لها لأنها مشروع ثقافي مفتوح على المستقبل. ولكنه مشروع معقد ومتشابك ومتغير من العناصر المرجعية المنتقاة المادية والاجتماعية والذاتية المتداخلة والمتفاعلة مع التاريخ والتراث والواقع الاجتماعي.(1)
كما يرى البعض ان الهوية هي عملية تمييز الفرد لنفسه من غيره اي تحديد حالته الشخصية، ومن هذه السمات التي تميز الاشخاص عن بعضهم هي الاسم والشخصية والسن والحالة المهنية والعائلية وغيرها. وبذلك يقال في المنطق: مبدأ الهوية ويقصد به ان الموجود هو ذاته، وبذلك لا نخلط بين الشيء وسواه وما عداه، وان لا نضيف للشيء ما ليس له.(2)
يتضح من خلال ذلك ان الهوية بصورة عامة وليس الهوية العراقية فقط تتعلق بفهم الناس لأنفسهم ولما يعتقدون انه مهم في حياتهم العامة والخاصة حيث يشكل هذا الفهم عندهم انطلاقاً من مميزات محددة تتخذ مرتبة الأولوية على غيرها من حيث المعنى والدلالة حيث تشمل مصادر الهوية هذه الجنوسة ، التوجه الجنسي والجنسية والمنطلقات الاثنية والعنصرية وكذلك الطبقات الاجتماعية اي الانحدار الطبقي والمركز الاجتماعي، حيث انها كيان يجمع بين انتماءات متكاملة حيث ان هوية المجتمع تمنح الافراد اي افراده الطمأنينة والامن والاستقرار والثقة والامان حيث ان الهوية المشتركة تعني عدم التضارب بين الهوية المشتركة والفرعية.
اولاً: انواع الهوية
هناك نوعين للهوية هما : الهوية الاجتماعية والهوية الذاتية (او الشخصية)، ويمكن التميز بين هذين النوعين من خلال التحليل، حيث يمكن النظر اليهما من خلال علامات ومؤشرات على ماهية هذا الشخص او ذاك. حيث ان هذه المؤشرات تحدد موضع الشخص بين أفراد اخرين يشاركونها الخصائص نفسها، ومن الامثلة على الهوية الاجتماعية : الطالب والام والمحامي والآسيوي والكاثوليكي والمتزوج وغيرها. حيث تتضمن الهويات الاجتماعية ابعاداً اجتماعية فهي تعطي مؤشرات على ان الأفراد متشابهون مثلهم مثل غيرهم من الناس، واذا كانت الهويات الاجتماعية دليلاً على تشابه الافراد فأن الهوية الذاتية (الشخصية) تضع الحدود المميزة لنا بوصفنا افراداً، حيث تشير الهوية الذاتية الى عملية التنمية الذاتية التي نرسم من خلالها الملامح المميزة لأنفسنا ولعلاقتنا مع العالم من حولنا.(3)
من خلال الادوار المتعددة والمتنوعة التي يؤديها الفرد في حياته الاجتماعية تتحدد هويته الفردية حيث انها تتغير باستمرار فتضيف اليها ممارسة الحياة سمات عديدة وتحذف سمات اخرى اي ان الفرد في حياته العامة يتحول من دور الى اخر فمرة يكون الابن ومرة يكون الاب ومرة يكون الطالب ومرة يكون الاستاذ وهكذا، وفيها تعمل البيئة الثقافية والاجتماعية عملها في تشكيل الهوية الذاتية فإن العامل او الخيار الفردي يقوم بدور مهم في هذا المجال.
ثانياً: تحديات الهوية
1-التحدي الفكري العقائدي: ان المشكلة الحقيقية التي يواجهها مجتمعنا العراقي كونه مجتمعاً مسلماً تكمن في قصور نظرته الى معنى الهوية ومن خلال انتشار بعض الأفكار والمظاهر المستوحاة من الغرب والتي تحمل في ظاهرها معاني تختلف عن جوهرها، ولكنها تنتشر في المجتمع بسبب عدم التفكر العميق فيما تتضمنه، كما ان التعصب العقائدي يعد من اكثر صور التطرف حدة اذ يذهب سلوك المتطرفين فيه الى حد ارتكاب العدوان وربما يصل الى حد الاغتيال.(4)
يتضح من خلال ذلك ان التحدي الفكري هو من اهم التحديات التي تواجهها الهوية الوطنية العراقية والتي اثارت من خلالها الكتابات والاطر النظرية الى هذا التعصب العقائدي يمثل ابرز القضايا المحورية في انتشار التطرف والارهاب من خلال الافكار التي يحملونها فالمتعصب لا يرى الحقيقة الى من زاوية واحدة فقط والتي تذهب به حسب رؤيته هو وان كانت من ابشع ما يرى وهذا هو الذي يلقي بضلالة على الهوية الوطنية والذي يسعى لتدمير مكوناته المختلفة من خلال الفهم الخاطئ للدين ومبادئه واحكامه وهذا هو الذي يعطي للجامعات المتطرفة التي تفسر الدين حسب ما ترى وتتخذ ابشع الطرق والاساليب لذلك والعمل على ملئ الفراغ الفكري بالأفكار المتطرفة المنحدرة حيث يؤدي هذا الى الجنوح والغلو والتشدد اتجاه المذاهب والطوائف الاخرى المكونة لمجتمعنا العراقي، حيث ادت كل هذه العوامل الى بعثرت واضعاف الشعور بالهوية الجامعة والتي جعلت كل وحداً منا ينظر الى الاخر اي المذهب الاخر على انه الذ اعدائه ولا تجمعنا هوية واحدة او وطن واحد حيث بدأ التشتت العنصري والطائفي واصبحت الصراعات بين ابناء الوطن الواحد تزداد في كل حين واخر فنحن معرضون دائما من عصابة الى عصابة اخرى ومن تطرف الى تطرف اخر ومن تشتت ديني الى تشتت ديني اخر وهذا ادى الى ضياع الهوية العراقية الواحدة من خلال ما تبناه الارهاب والعنف باعتباره عمل ووسيلة لتحقيق الاهداف ويؤدي هذا المظهر الى الرعب وقتل الابرياء وترويع الآمنين والعمل على تدمير الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء والاخلال بالأمن الاجتماعي والوطني بكل مقوماته.
2- الصراع او التحدي السياسي: ظهرت القوى السياسية الفاعلة فجأة، واضحى المجتمع العراقي امام وضع حديث لم يألفه في السابق، من خلال بروز الانفلات السياسي والفكري واصبحت الساحة السياسية في العراق لتأسيس واعداد احزاب سياسية وتكتلات حزبية بأعداد كبيرة لا تتواءم مع الوضع العراقي الجديد وهذا الامر افرز حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، لذلك ارتفع عدد الأحزاب السياسية في العراق وان الامر السيء في ذلك هو ان كل تيار او حزب يدعى احقيته في الحكم واختيار القواعد المنظمة للعمل السياسي وتمثيل العراق، وبدلاً من توحيد الصف العراقي اخذت الاحزاب السياسية تتصارع فيما بينها حول التمثيل السياسي.(5)
تشهد الساحة العراقية على امتداد الاعوام التي مضت صراعات مختلفة ذات غايات واهداف متعددة بين اطراف عديدة منها احزاباً سياسية ومنها ميليشيات حيث ان تلك الصراعات متورطة بتهشيم الروابط الاجتماعية والوطنية لمكونات المجتمع العراقي والتي عملت على تفكك روابطه وجعل الافراد يفكرون في مصالحهم الشخصية بعيداً عن المصالح الوطنية اي كل واحداً منهم يمتلك هويته الخاصة به ولا تربطهم هوية وطنية واحدة وكل ذلك بفعل تلك الاحزاب والتكتلات السياسية التي بدأت تنهمر في فترة يمر بها البلد بصورة كبيرة جداً واصبح من الصعب السيطرة علها وبدأت هذه الأحداث خصوصاً بعد عام (2003) بشكل كبير جداً، اذ ان حالة الفوضى التي صاحبت الجيش العراقي وهدم مؤسسات الدولة ادى الى ان القوى العراقية قامت بتطوير ميليشيات مسلحة خاصة بها من اجل ضمان تحقيق مكاسب سياسية معينة عن طريق حماية مناطق نفوذها التقليدية او تطوير تلك المناطق. حيث كانت السمة الغالبة لهذه العلاقات هي الصراعات الغالبة اي العلاقات الصراعية والاحتكام الى السلاح لتسوية الخلافات السياسية هي السمة الغالبة لتلك الاحزاب، حيث لا توجد هنالك احترام لقواعد اللعبة السياسية التي اقرها الدستور والقانون وكل هذه العوامل سهلت عملية الانقلاب على تلك القواعد العامة التي تحكم الشعب وتصون وحدته ووطنيته فاصبح كل واحد ينظر الى مصلحته الشخصية ويفضلها على مصلحة وطنه لا يهمه الوحدة والتكامل ولا المبادئ الاخرى، حيث ادت هذه القوى الطائفية والمحاصصة والاحزاب الى العمل على وقوع عمليات واسعة للقتل والتهجير على الهوية الطائفية والتي لا نعرف كيف بدأت وكيف ستنتهي ولا من هم وراءها ولكنها بالتأكيد لم تكن حرباً طائفية مجتمعية، فلماذا تخف حدتها حين تكون العلاقة هادئة بين الكتل والاحزاب السياسية اي عندما تكون المصالح الشخصية مشتركة فيما بينهم والتي لا يستعر اوارها إلا حين تختلف هذه الكتل ويبدأ تنافسها وصراعها، وخلاصة ذلك ان الهوية العراقية الوطنية هي اصبحت ضحية في يد تلك الاحزاب والمؤامرات السياسية التي بدأت تزداد حدتها في كل حين وآخر.
3- التحدي الطائفي: تحولت عبارة (طائفية) في الاستعمال المتداول علمياً وشعبياً منذ العشرينات الى سلة مهملات يرمي فيها المجتمع كل ما لا يرضيه. حيث تتضمن هذه السلة مضامين متناقضة ومبعثرة من دون تنسيق وتصنيف والتي تتحول بالتالي الى مكب ايديولوجيات وسجالات ونزاعات.(6) حيث تظهر الطائفية وكأنها معطى يخترق الزمان والمكان، وتتخذ غالباً شكلاً عاماً، في العديد من الدول والمجتمعات والبلدان لكنها في الواقع ورغم عموميتها ظاهرة مخصوصة ببيئاتها فليس هناك طائفة واحدة، بل طائفيات تنبع من واقع مجتمعي محدد.(7)
عرفت الطائفية في معظم المجتمعات عبر مراحل تاريخية معينة في أوربا وامريكا والشرق الأسيوي، مثلها مثل العنصرية والمذهبية حيث تشترك هذه المجتمعات في عمومية هذه الظاهرة وتختلف في عناصرها وكيفية تحديدها حتى داخل المجتمعات الواسعة، وعندما ظهرت الطائفية في العراق خصوصاً بعد عمليات القمع والكبت والتهميش والأزمات في بروز تكتلات طائفية والتي اصبحت مصدر علة وليس مصدر اثراء وهي طوائف بعصبيات خاصة مغلقة على نفسها، والتي اصبحت بمثابة نظام سياسي في العراق حيث باتت الطبقة السياسية اولاً وقبل كل شيء تتصرف بناءاً على مصالحها الضيقة حتى وان كانت على حساب المصالح العليا للشعب والوطن، ومن هذا المنطلق تعمل النظم السياسية على دعم وتقوية هذه الطوائف حتى تستطيع تحقيق مصالحها وتقوية نفوذها لكسب المعركة مع الطرف الأخر من خلال دعمها مادياً ومعنوياً، حيث لم تجلب لنا هذه الاثنيات والطوائف غير التفكك الاجتماعي من خلال الباس الانقسام الاجتماعي شكلاً سياسياً عبر حركات وتنظيمات وكيانات مختلفة.
حيث بدأ الجميع ينظر الى الجميع بعين الشك والنقد اي حرب الكل ضد الكل، والتي ادت الى دوام الازمات والانقسامات العميقة بين قطاعات السكان وغياب الاجماع الموحد لها حيث ارتبطت اسباب حدة وزيادة التوترات الطائفية من خلال ضعف ثقافة التعددية والتنوع وغلبة المصالح الضيقة على المصالح العامة وغياب العدالة في توزيع موارد الدولة وكذلك التدخلات الخارجية وتأثيراتها. حيث ان كل هذه العوامل وغيرها قادت وتقود الى توترات وصراعات وحروب تقوم على العصبية وتشكل تهديداً خطيراً للوطن والمواطن وذلك باعتبار ان الانتماء الطائفي هو بلورة التحدي, ومن خلال ما طرح اصبح الوضع العراقي اليوم يثير العديد من التساؤلات التي شغلت اذهان العديد من الناس والمفكرين والتي تمثلت هذه الحقيقة حول وجود هوية عراقية موحدة في ضل هذا الانفلات الامني والانهيار السياسي والتكتل الطائفي.
4- التحدي الثقافي: ان الثقافة الاستهلاكية ليست جديدة حيث انها اصبحت اكثر وضوحاً في التسعينات من القرن العشرين ودخل العالم من خلالها على مرحلة عالمية الثقافة الاستهلاكية، فجميع سلع هذه الثقافة من ماركات وملبوسات ومأكولات وافلام وأغاني اصبحت موجودة في كل مكان وفي كل المجتمعات، واخذت هذه المنتجات دلالة اجتماعية ورمزية تدفع في اتجاه صهر العالم استهلاكياً وربما دمجه ثقافياً، ويرى البعض ان التكنولوجيا الحديثة تنطوي على طمس الهوية الثقافية وبعثرتها.(8) ، تعني الهوية التفرد بكل ما تتضمن الثقافة من عادات وتقاليد واعراف وانماط سلوكية ونظرة الى الحياة وطريقة التفكير وان العامل الذي يؤدي الى تدهور ذلك كله هو التكنولوجيا حيث ان التكنولوجيا تميل الى التنميط اي ان التكنولوجيا الحديثة تزيد من درجة النمطية التي هي بطبيعتها نقيض التفرد والهوية الفردية، من خلال قدرتها على تراجع اللغة العربية في مواجهة اللغات الاكثر تداولاً على المستوى العالمي من خلال زيادة الشعور بالاغتراب الثقافي اثناء ممارسة اللغات العالمية فلا يوجد هنالك تناسق بين افراد المجتمع الواحد اطلاقاً والعمل على اضعاف الانتماء الوطني وزيادة التفكك الداخلي واتساع دائرة المخاطر وزيادة ظاهرة التطرف التي تهدد ثقافة المجتمع وامنه ، حيث تعمل التحديات الثقافية على زيادة حدة الفوارق الطبقية التي يعاني المجتمع منها كثيراً والتي تعتبر من اهم الاولويات التي يتم التخلص منها ولكن بسبب هذه التحديات لا يمكن التخلص منها اطلاقاً فهي اصبحت خطراً يواجهه كل فرد من الافراد وتهديد السلام الاجتماعي لهم وصراع المناطق وصدام الحضارات حيث جعلت هذه العوامل بعض الدول ومنه العراق في الدخول في حروب ونزاعات افقدتها قدرتها الاقتصادية والبشرية والاخلاقية وصولاً الى تدمير هويتها. ومن هنا فأن العولمة الثقافية تعني قدرة المجتمع القوى تكنولوجيتاً وثقافياً على اختراق الثقافات والمجتمعات والحضارات الاضعف تكنولوجياً والعمل على تهميشها والغائها والعمل على اسقاط عناصر المقاومة والممانعة وهذا يؤدي بدوره الى تأسيس هوية جديدة معادية لهويتها السابقة.
التحدي الاجتماعي وازمة الهوية الوطنية في العراق (رؤية تحليلية)
يبدو سؤال الهوية هو تساؤلاً بحد ذاته ونوعاً من التحدي الذي قامت هذه الدراسة على اساسه فأزمة الهوية الوطنية العراقية تواجه معظم العراقيين والتي تمثل مشكلة اساسية في اجتماع العراقيين السياسي، فمنذ احتلال اميركا العراق ادرك المجتمع العراقي والعراقيين ان هناك عدداً من الأسئلة التي تشككهم بالهوية الواحدة لهم فبدأوا يتساءلون من هو العراقي ومن هو غير ذلك، حيث ان سؤال الهوية هذا يستقي اهميته منذ دخول الهوية بطريقة مباشرة او غير مباشرة في تحديد هذا الكم المرعب من الاشكاليات السياسية والاقتصادية الي ينبني وأنبني عليها الاجتماع السياسي، ان الوضع في العراق حول مسألة الهوية الوطنية هو اكثر تعقيداً من غيره من الدول وذلك نتيجة تباين جماعات اجتماعية مختلفة ومتباينة في لغاتها وأثنيتها العرقية، وانتماءاتها الطائفية حيث ان هذه الجماعات لم تندمج بهوية واحدة وهذا الوضع هو الذي يجعل العراق اكثر تعقيداً والذي ينعكس سلبياً على صعيد إعطاء هوية وطنية واحدة تعلوا فوق كل الانتماءات الضيقة لهذه الجماعات المتباينة.
حيث ان المشكلة التي يعاني منها المجتمع العراقي تتمثل في كيفية تحقيق الانسجام بين الجماعات الاجتماعية المتواجدة داخل البلد الواحد وكيفية دمج هذه الجماعات لبلورة الهوية الوطنية، على الرغم من ان هذه الجماعات تختلف ثقافياً وطائفياً واثنياً ودينياً حيث ان بعضاً منها تعيش تحت وطأة التبعية وربما التخلف، وقد تشكلت الهوية الوطنية المشوهة في عملية اعادة تكوين خارجية للدولة والمجتمع والتي انجزها الاحتلال البريطاني للعراق والذي ادى الى تكوين هوية تحت ظروف تعسفية وليست حالة طبيعية انجزها المجتمع. وان الانتقال من ولاء الى اخر بدون الحرية التي ترتبط بالوعي الاجتماعي فيما بين الافراد والمؤسسات السياسية لا يؤهل الافراد لمواجهة مشاكل العصر ولا التحرر من اثر الدكتاتورية ولا من ثقافتها وان العمل من اجل احترام حق الغير في الاختلاف وفي الرأي وفي مشاعر الانتماء ومن خلال التعامل على اساس الكفاءة وليس المحاصصة وبعيداً عن الانتماء الى جماعة معينة وهدر الجماعات الاخرى هي من المبادئ التي من شأنها ان تزيد من فاعلية التماسك الاجتماعي والولاء للدولة والوطن واما التعالي على الغير ونعت الاخر وتفضيل طبقة على اخرى والتعامل معها بوحشية ونبذها بما يكره في انتماءاته المتعددة فهذه العوامل هي بذرة الشقاق والانعزال بين مختلف التكوينات الاجتماعية ، لكن اليوم تواجه الهوية الوطنية العراقية العديد من التحديات التي تعيق وحدتها وانتمائها، فموضوع الهوية الوطنية وتوحيدها وانتماءات الفرد والولاء لوطنه هي من المواضيع المهمة التي يجب على الدولة والمجتمع العناية بها والعمل على توحيدها وبالأخص المجتمع العراقي كون العراق اليوم يمر في مرحلة حرجة وخطرة جداً على افراده بحيث جعلت العولمة والتكنولوجيا اليوم كل فرد يتمتع بهوية معينة ولا يشعر بالانتماء الى وطنه اطلاقا وهذا نتيجة العديد من التحديات التي تعاني منها الهوية الوطنية اليوم والتي ذكرنها ومنها لم تذكر لكونها عديدة ومتنوعة وتزداد مع زيادة التطور التكنولوجي والعولمة الكبيرة التي بدأت تتسلل الى المجتمع من جميع جوانبه.
ومن اجل الحفاض على الهوية، عندما يحاول المجتمع العراقي اليوم حماية هويته فلن يتحقق ذلك الا اذا استطاع ان يحصن هويته بتعميقها وحمياتها والعمل على نشر اشاعها عن طريق كل تقدم تكنولوجي واعلامي وعلينا ان ننتقل في الحفاظ على هويتنا من موقع الدفاع الى موقع المواجهة حيث نعني بالمواجهة هي العمل على نشر ثقافتنا بكل ارجاء الوطن وبكل ارجاء العالم والعمل على تعميق القيم الاجتماعية والدينية والروحية والعمل على نشر معتقداتنا وثقافتنا في ظل الفراغ الذي يعاني منه الجيل الجديد كون هذا الجيل غير واعي عما يحدث من حوله وما هي حضارته وما الذي تعني له الهوية و ماهي مميزاتها كون هذا الجيل منشغل بالتكنولوجيا والافكار الغربية جيل (التكنولوجيا) ونسي عاداته وتقاليده من خللا ما نلاحظه اليوم وما الذي يحدث داخل مجتمعنا فيجب على المؤسسات التربوية والاسرية ان توعي هذا الجيل بالهوية الوطنية والولاء للوطن قبل ان تنقرض منهم تماماً وتختفي ويصبح من الصعب الالمام بها باي شكل من الاشكال.
الاستنتاجات
1- نستنتج من خلال دراستنا هذه ان الهوية الوطنية العراقية تواجه العديد من التحديات والعوامل التي تعيق تحقيقها بالشكل الذي يحقق الوحدة للوطن والمواطن ويحقق الامن والأمان والاستقرار الاجتماعي حيث ان نشوب الحروب والنزاعات والطوائف والمذاهب ادت الى تقسيم البلد الواحد الى عدة اقسام والى تشتت الافراد فيما بينهم فأصبحت الصراعات بين المجتمع العراقي امر مرير جداً عمل على انهياره وتشتته.
2- تنامي نزاعات العنف والتطرف واتساع دائرة المخاطر التي تهدد امن المجتمع (ثقافة العنف) حيث ان الثقافة الواحدة تشكل خطراً على الهوية من خلال الانفتاح بلا وعي على العالم الغربي وخاصة في مجال الاعمال واطلاق العنان للشهوات وملاحقة مستجداتها، حيث ان التكنولوجيا عملت على طمس الهوية الوطنية الثقافية والتي تعني التفرد بكل ما تعنيه الثقافة من قيم وعادات ونظرة وسلوك.
التوصيات
1- ضرورة تنمية الشعور بالولاء والانتماء للوطن فهو من المقومات الاساسية للشخصية العراقية وفقدان هذا الانتماء يعني الدفع للعيش بالاغتراب وتصبح هنا الطاقة مفقودة يمكن استخدامها سلبياً في العنف والارهاب.
2- تنمية روح التسامح ورفض التعصب واحترام اراء الغير وكيفية التعامل مع الاختلاف مع الاخر وتعزيز البناء القيمي والاخلاقي للفرد فأن البناء الاخلاقي والقيمي للفرد هو من الغايات المهمة التي لا بد الى المجتمع العراقي ان يسعى لتحقيقها واحيائها في كل حين واخر.
3- تأهيل الانسان القادر على التعامل مع المتغيرات العو لمية دون الانغلاق على الذات ورفض الاخر، من خلال اعادة النظر في العادات والافكار والمهارات الاجتماعية التي توارثها الاجيال بحيث تسير جنباً الى جنب مع الاوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الحديثة.
4- العمل على تقديم قراءة جديدة للتراث الثقافي والحضاري للبلد تتماشى مع متغيرات العصر من اجل ترسيخ مشاعر الاعتزاز بالتراث العربي الاسلامي، وتوفير البنى الاساسية اللغوية التي تؤهل اللغة العربية للتفاعل مع لغات العالم الآخر.
5- رفض العزلة والهيمنة والابتعاد عن الانتماء لمجموعات معينة بعيدا عن مصالح المجتمع والالتزام بالمصلحة الشخصية ومحاولة وضع وجودنا الثقافي في المعترك الحياتي من خلال تطويع الثقافة الجديدة مع ثقافتنا حتى تصبح عبارة عن مزيجا من الإصالة والمعاصرة دون نفي او الابتعاد عن تاريخنا الاصيل وهنا يمكننا المحافظة على هويتنا ومواكبة الآخر.
6- التأكيد على ان الدين هو علاقة روحية بين الانسان وخالقه تكون مبادئه اخلاقية ودينية وسامية قائمة على العدالة والحكم الالهي الرباني الذي لا يعلوا حكم عليه ورفض الغلو والاستعلاء والتطرف والعنف والذي يجب احترامها من قبل الاخرين لضمان تفاعل حقيقي بين الوطن الواحد والاديان والمجتمع الواحد.