الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قال الله تعالى عن أمة “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ” فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ” وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” (الأعراف 34) “ولكل أمَّة أجل” مدة، “فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون” عنه “ساعة ولا يستقدمون” عليه. و جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أمة “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿الأعراف 34﴾ أمة اسم، وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ: لكل قرن أو جيل. لكل جماعة اجتمعت على الكفر بالله تعالى وتكذيب رسله عليهم الصلاة والسلام وقت لحلول العقوبة بهم، فإذا جاء الوقت الذي وقَّته الله لإهلاكهم لا يتأخرون عنه لحظة، ولا يتقدمون عليه.
عن مركز الرصد العقائدي ما معنى الأمّةِ، وما معنى القريةِ في القرآنِ الكريم، وما الفرقُ بينَهما؟ للسيد رعد المرسومي: سنُبيّنُ ما وقفنا عليهِ مِن معاني هاتينِ الكلمتين، ومِن هناكَ سنعرفُ الفرقَ بينَهما، إذ كلٌّ منهما لهُ استعمالٌ يعدُّ الأشهرَ والأغلب، ولهُ معنىً خاص يُعرفُ مِن خلالِ سياقِ الآيةِ التي وردَت فيها الكلمة، وفيما يلي بيانُ ذلك: فأمّا لفظُ (الأمّة) في اللغةِ يعني: كلَّ جماعةٍ يجمعُهم أمرٌ ما، إمّا دينٌ واحدٌ، أو زمانٌ واحد، أو مكانٌ واحد، وبتعبيرٍ آخر لفظُ (الأمّة) يعني: الجيلَ والجنسَ مِن كلِّ حيٍّ. ويُجمعُ هذا اللفظُ على (أممٍ). قالَ صاحبُ “اللسانِ” ما معناه: كلُّ مُشتقّاتِ هذهِ المادّةِ ترجعُ إلى معنى (القصدِ)، ولا يخرجُ شيءٌ منها عَن ذلك. ثمَّ إنّ لفظَ (الأمّةِ) في القرآنِ وردَ على سبعةِ معانٍ: أحدُها: الجماعةُ منَ الناسِ، وهوَ الاستعمالُ الغالبُ في القرآنِ، مِن ذلكَ قولهُ تعالى: “تلكَ أمّةٌ قد خلَت” (البقرةُ 141)، أي: الجماعةُ منَ الناسِ، ومثلهُ قولهُ سُبحانَه: “ولتكُن منكُم أمّةٌ يدعونَ إلى الخير” (آلُ عمران 104). ثانيها: الشريعةُ والطريقةُ والمنهجُ، وعلى هذا المعنى جاءَ قولهُ تعالى: “إنّا وجدنا آباءَنا على أمّةٍ” (الزخرفُ 22)، أي: على طريقةٍ ومنهجٍ منَ الدينِ، نحنُ سائرونَ عليه، لا نحيدُ عنه. ثالثُها: الرجلُ المُقتدى بهِ في كلِّ شيءٍ، ومنهُ قولهُ سُبحانَه: “إنَّ إبراهيمَ كانَ أمّةً” (إبراهيم 120)، أي: كانَ إماماً وقدوةً للنّاسِ، يهتدونَ بهديه، ويقتدونَ بنهجِه. رابعُها: الفترةُ منَ الزمن، ومنهُ قولهُ تعالى: “وقالَ الذي نجا منهُما وادّكرَ بعدَ أمّة” (يوسف 45)، أي: بعدَ فترةٍ منَ الزمنِ، وعلى هذا المعنى قوله تعالى أيضاً: “ولئِن أخّرنا عنهم العذابَ إلى أمّةٍ معدودةٍ” (هود:8)، أي: إلى أجلٍ معلوم. خامسُها: الخلقُ عموماً، مِن إنسانٍ وغيرِه، وعلى هذا المعنى جاءَ قولهُ سبحانَه: “وما مِن دابّةٍ في الأرضِ ولا طائرٍ يطيرُ بجناحيهِ إلّا أممٌ أمثالُكم” (الأنعامُ 38)، يعني: خلقاً مثلكم. سادسُها: أمّةُ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله، وأهلُ الإسلامِ خاصّةً، وعليهِ قولهُ تعالى: “كنتُم خيرَ أمّةٍ أخرجَت للنّاس” (البقرةُ 110)، أي: الأمّةُ المُسلِمةُ، ومنهُ قولهُ سبحانَه: “وكذلكَ جعلناكُم أمّةً وسطاً” (البقرة 143)، يعني: المُسلمينَ خاصّة.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قال الله تعالى عن أمة “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿الأعراف 34﴾ بين تعالى ما فيه تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تأخير عذاب الكفار، فقال “ولكل أمة أجل” أي: لكل جماعة، وأهل عصر، وقت لاستئصالهم، عن الحسن. ولم يقل لكل أحد لأن ذكر الأمة يقتضي تقارب أعمار أهل العصر. ووجه آخر وهو: أنه يقتضي إهلاكهم في الدنيا بعد إقامة الحجة عليهم، بإتيان الرسل. وقال الجبائي: المراد بالأجل هنا أجل العمر الذي هو مدة الحياة، وهذا أقوى، لأنه يعم جميع الأمم “فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون” أي: لا يتأخرون “ساعة” عن ذلك الوقت “ولا يستقدمون” أي: لا يتقدمون ساعة على ذلك الوقت. وقيل، معناه لا يطلبون التأخر عن ذلك الوقت للأياس عنه، ولا يطلبون التقدم عليه، ومعنى “جاء أجلهم”: قرب أجلهم، كما يقال جاء الصيف: إذا قارب وقته.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قال الله تعالى عن أمة “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” ﴿الأعراف 34﴾ قوله تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ” (الأعراف 34) إلى آخر الآية هي حقيقة مستخرجة من قوله تعالى في ذيل القصة: “قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ” (الأعراف 25) نظير الأحكام الآخر المستخرجة منها المذكورة سابقا، ومفاده أن الأمم والمجتمعات لها أعمار وآجال نظير ما للأفراد من الأعمار والآجال. وربما استفيد من هذا التفريع والاستخراج أن قوله تعالى في ذيل القصة سابقا: “قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ” (الأعراف 25) إلخ، راجع إلى حياة كل فرد فرد وكل أمة أمة، وهي بعض عمر الإنسانية العامة، وإن قوله قبله: “وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ” (الأعراف 24) راجع إلى حياة النوع إلى حين وهو حين الانقراض أو البعث، وهذا هو عمر الإنسانية العامة في الدنيا.
تكملة للحلقة السابقة عن المركز الاستراتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: خصوص أهل اللِسان. فاللِسان هو المقوِّم الأساس لجماعة الناس، ومن خلالهِ يتَّصفون بمصطلح الأُمَّـة، حيث يُستعمَل الخطاب ذو الطبيعة الواحدة ويُتبادل الكلام ما يؤدّي إلى تقصير المسافات وتقليل حجم الفروقات وتشكيل ثقافةٍ شبه موحدّة تشتمل على التقاليد والعادات. هذا ما يدفعُ نحوَ إحساسٍ بحجم الإتّحاد والاشتراك بين الأفراد، قوامُهُ اللغة الواحدة. سابقاً كانت اللغة تُسَّمى باسم قومها، فالفُرُس يُجيدون الفارسيَّة والفرنسيِّون يُجيدون الفرنسيّة وكذلك العرب، ما يجعل للّغة وقعٌ خاصٌ على القلوب تجتذب أنظارَ من يتكلَّم بها. وعند العرب يظهر موقع اللُّغة بوضُوحٍ وجلاء، خاصّة في فترات الإسلام الأولى حيث كان الشعرُ العربي مادَّةً أساسيّة يتلقّفون وراءها ويتبارون فيها، ثم بعد بعثةِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زادت هذه الأهميّة مع تنزُّلِ الخطاب الإلهيّ عربيّاً ما جعل الاهتمام بها أساساَ ليس عند الشعراء والأدباء وحسب بل عندَ الفقهاءِ والحكماءِ والأفرادِ المُكَلَّفين أيضاً. وظلّت الخلافة في أراضي العرب متنقّلة من المدينة إلى الكوفة إلى الشام وبغداد مع وحدةِ أراضي المُسلِمين، ولم يظهر خِصامٌ بين الإسـلام ذي الخطاب العربيّ وبين الإسلام في الأقوام غير العربيّة. لكن شهدت فترة ما بعد الخلافة الراشدة وخاصّة مع دخول كثيرٍ من الأقوام غير العرب إلى الإسلام تصنيفات على أساس اللُّغة ما بين العرب والعجم والترك وغيرهم. لكنّ هذه التقسيمات لم تُبعِد مفردة الأُمَّـة عن مدلولها الإسلامي العربي وغير العربي. وبعد تحوُّلِ القيادة إلى مركز جديد غير عربي في إسطنبول، وخاصّة مع معاناة السلطنة العثمانيّة، واهتراء الرجل المريض، وإتِّباع سياسةٍ جائرةٍ بحقِّ العرب، وسطوع الحركة القومّية في أوروبا كضرورةٍ لتوحيد الشعوب ذوي اللُّغة والأصُول المشتركة، ووفود مفكِّرين متأثِّرين بالإشعاع الغربي، أصبح الحديثُ واضحاً عند العرب عن أُمَّةٍ واحدةٍ تجمعُهم لغةُ الكتاب المقدّس وتاريخ الإسلام المشترَك. وقد أفردَ (المرصيفي) حديثاً عن هذا المعنى في تصنيفهِ لاستعمَالات كلمة الأُمَّـة، حيث يقول: (أمّا الأُمَّـة بحسبِ اللِسَان فهي أسبقُ إستحقاقاً لهذا الإسم وهو بِها أَلبَق، فإنّ جامعتها من ذاتها، وهي أدخل في الغرض من الاجتماع. إذ بوحدة النطق يتم الإئتناس ولا تكون نفرة ووحشة، بخلاف أهل الألسنة المختلفة، فإنَّهم في أوّلِ الأمر يكونون بمنزلة الحيوانات العجم، بينهم نفرةٌ ووحشةٌ، حتّى يتعلَّمَ فريقٌ لسانَ فريقٍ، وذلك بعد عسر وزمن طويل، وحينئذٍ يكونون أُمَّـةً بحسب اللسان). ويُستَشَّفُ من النَّصِ المزبور أنَّ (المرصيفي) (1890م) كان من طليعةِ المنادين بالوحدة على أساس اللسان، لأنَّ الأُمَّـة الواحدةَ تفترضُ تلاحُماً بين أعضائها وتلاصُقاً بين أفرادها، وهذا الأمر يصعبُ على مختلفي اللُّغة إلى حدِّ توصيفهم بأنَّهم كالحيوانات من حيث عدم القدرة على التفاهم والحوار.